الوجه الآخر للوزير بنحميده

رب نقمة في ظاهرها باطنها نعم لا تحصى.. أسوق هذا المثل في سياق كشف حقائق كثيرة يجهلها عموم الناس عن الوزير السابق الدكتور عبد الله ولد بنحميده، فلو تحدثت في فترة توزيره أو استشاريته لكنت في نظر مرضى القلوب متزلفا، أما وقد أحيل للتقاعد فلا أقل من شهادة للتاريخ بحقه.
أثناء رئاسته للدبلوماسية الموريتانية في عهد سيدي ولد الشيخ عبد الله ظل يؤجل في كل مرة مواعيد سفير الكيان الصهيوني في نواكشوط بنية مبطنة لعدم لقاء من تلطخت يداه بالدم الفلسطيني، امتعض القاتل من امتهان مستحق وحمل السفير الامريكي استياءه لكن ذلك لم يكن ليغير موقفا مبدئيا لا مساومة عليه لدى الدكتور عبد الله ولد بنحميده.
مرة أخرى رفض معالي الوزير بنحميده لقاء وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني في لندن، في وقت كان الكيان الصهيوني متنفسا محتملا للنظام من حصار دولي خانق.
الموقف نفسه من إسرائيل ليس جديدا ففي عهد ولد الطائع عين مكلفا بالدفاع عن العلاقات الموريتانية الاسرائلية فرفض من منطلق أن الرجال ثلاثة: رجل قبض الثمن فبات ملزما بتسليم المثمون،وثان مستعد لأن يدفع مبادءه مقابلا لثمن متوقع، وثالث لم يقبض ولا يحلم بذلك وغير مستعد لأن يتزحزح قيد أنملة عن التراتبية الحضارية ، فضل أن يكونه وبالتالي ليس مستعدا للدفاع عن علاقات ليس من ربطها، ولن يكون ممن يسوغها ويدافع عنها عكس مبادئه وثوابته الوطنية والقومية.
وتكرر الرفض حينما وقع عليه الاختيار كمثقف مفوه ومقنع للدفاع عن تلك العلاقة المشينة على شاشة قناة الجزيرة،فأعفي من وظيفة لم يقبل مقايضتها بكرامته ومبادئه.
كان سباقا إلى الدفاع عن حقوق لحراطين وكان الأول من النخب العربية الذي كرس الأدب لخدمة قضيتهم، ففي روايته سنوات عجاف التي طبعت في القاهرة دافع عن المهمشين من أبناء الشعب،ودعا دون مواربة إلى نقاش واقعي بين الأسياد والأرقاء السابقين يضمن الانصاف للضحايا ولا يجرم أبناء الجناة بذنب لم يقترفوه.
حولت الرواية إلى مسلسل إذاعي وصادرتها الرقابة واستجوبت ادارة الامن المؤلف، فعرضت عليه جهات غربية مليون دولار ونسبة 20 بالمائة من المبيعات لقاء التنازل عن حق النشر لكنه رفض لأنه رأى أن الأمر سيخرج الرواية من سياقها الوطني الساعي لتدعيم الوحدة وتوطين قيم التسامح والتعايش.
وهو أمين عام لوزارة التهذيب الوطني كرس الشفافية في المنح فحصل المواطنون الزنوج ربما للمرة الأولى على 47 بالمائة منها وحينها سعت جهات إلى إلغاء نتائج عمل اللجنة، فكان صارما في رفضه لأي تعديل على النتائج، وهدد بالاستقالة مع شرح أسبابها لأنه رأى محقا أنه لم يفعل سوى تطبيق نص الدستور بتساوي المواطنين في الفرص، يومها كان اخوتنا الزنوج يمتدحون سيادة الأمين العام بعبارة تصنفه استثناء لاستقامته(بنحميده ليس موريتانيا).
إن بنحميده الكاتب ربما يكون الأكثر جدارة وقدرة على كتابة تاريخ الأنظمة التي حكمت البلد وخبايا ممارستها للسلطة وخلف الكواليس، من حقائق كثيرة لم تعرف للنشر طريقا،ومن حق الأجيال الجديدة الاطلاع عليها حتى وإن سببت إحراجا لكثيرين ممن يزعجهم نور الحقيقة الساطع.
والجهات المهتمة بالتأريخ لمسيرة البلد الحديثة والباحثون عليهم محاولة الاهتداء الى باب كنز المعلومات التي يمتلكها معالي الوزير الذي تجعله صرامته الاكاديمية وما يتمتع به من مزايا شخصية من صدق وتجرد مرجعا ينسب إليه.
ذلكم هو الوجه الساطع لعبد الله ولد بنحميده...الوجه الذي لم يطلع عليه الكثيرون ولم يشأ هو تواضعا أن يطلع عليه الناس.
عبدالله ولد نحميده الوزير المسؤول والأكاديمي المحترم علم غني عن التعريف لكن جوانب إيجابية أخرى كثيرة من شخصيته الفذة لم تجد حظها من شهرته، فهو واحد من الشخصيات الوطنية محل الاجماع، يؤمن بالدولة ويرفض البدائل العرقية والجهوية والقبلية لها، ظل في كل المسؤوليات التي أسندت إليه يحتكم الى القانون والنظم كضمان لنيل كل ذي حق حقه.
والواقع ان المسؤول السامي المتحضر يخفي بداخله رجلا تقليديا مشبعا بالفكر والثقافة، عطوفا على الضعفاء ونصيرا لكل مظلوم او مهضوم حق بغض النظر عن انتمائه السياسي والعرقي والقبلي، ما أدخله الى القلوب بلا استئذان.
بنحميده يمثل قلة من نخبتنا الوطنية لا تربط بين الواجب وتقلد المناصب، تلك القلة التي تؤمن عميق الايمان بأنها الوصي المسؤول عن المحافظة على كيان البلد وصيانة استقراره وسلمه الاجتماعي.
واعتقد جازما أن مكان الوزير عبد الله ولد بنحميده ليس دكة الاحتياط، وهو على دراية وقدرة بما يمكن أن يساهم به خدمة للنظام الحاكم والبلد ككل، مستندا الى رصيد التقدير والاحترام الذي يحظى به من الجميع.

» آخر التعليقات

» قناة كيفة انفو

» الظوال

» أسعار الحيوان

الإبل

البقر

الغنم

» منبر كيفة

» أعلام