الصفحة الأساسية > الأخبار > بيرام.... ميلاد رمز

بيرام.... ميلاد رمز

الأربعاء 9 أيار (مايو) 2012  02:31

لم يكن من الغريب أن تقع ردة فعل كبيرة كتلك التي أعقبت إحراق بيرام لبعض من المراجع المالكية و لم يكن مفاجئا أيضا أن يتساوي الكل في جوقة الشجب والإدانة والاستنكار فقد ظل مجتمعنا ولزمن طويل ينسج خيوط قيمه ومفاهيمه وأحلامه من أحرف وكلمات تلك الأنظام والمتون والحواشي

ولم تفلح الدعوات التي ظهرت فينا تباعا قديما وحديثا في إعلان فك الارتباط بشكل صريح وواضح مع تلك المراجع حتى فعلها بيرام يوم الجمعة في الرياض.... ونحن هنا كغيرنا سنحاول من خلال هذه العجالة تناول الموضوع لفهم حقيقة الفعل وردة الفعل وسنحاول تفكيك عناصر الموقف لنستشف بعضا من مضامينه و مآلاته.

فما قام به بيرام لا يمكن إدراجه إطلاقا في دائرة الأفعال السياسية التكتيكية المحسوبة ولكن يمكن تصنيفه بامتياز في خانة الأفعال التاريخية المفصلية في حياة المجتمعات والمجموعات. لقد قام بيرام بحرق كتب تعتبر في مخيلتنا ووجداننا رمزا أساسا ومؤسسا أول لكل ما يمثله مجتمعنا من هوية وثقافة ومفاهيم ورَبَطَ ذالك بقضية الرق فوجه لنا رسالة أصابتنا في الصميم مفادها أن معركة نزع غطاء الشرعية الدينية عن ممارساتنا قد بدأت وأن لم يعد مقبولا منذ الآن فصاعدا الخلط بين الثابت المقدس وبين بعض الفقه وآراء الرجال.

لقد أصاب بيرام بفعلته مركز الإشكال وموطن النفاق في المجتمع الموريتاني فقد سلط الضوء علي التناقض البين ما بين المعلن من إدانة الرق في الدوائر الرسمية وتجريم له في المحافل الثقافية وبين ما هو مسطر في أبواب الفقه من تشريع و تميز صريح بين الحر والعبد. و بما أن حراس الهوية وسدنة التقاليد قد عملوا علي الخلط بين الدين والتراث وروجوا لثقافة المشهور بدل الراجح ووضعوا متاريس التقليد والتعصب للمذهب فقد صار أي مساس بالمذهب وملحقاته هو تطاول مباشر علي الدين.

و زاد من قوة ردة الفعل أن رئيس حركة " إيرا" تميز مؤخرا بالإثارة في طريقة تناوله لمعاناة شريحة لحراطين بل تجاوز ذالك بمحاولته التأسيس ولأول مرة لعلاقة إستراتيجية بين الزنوج ولحراطين. وقد أمعن بيرام في طموحه واستفزازه لعنصر البيظان إلي حد محاولة صهر المجموعتين - أي الزنوج ولحراطين - في جبهة واحدة عنوانها "سود موريتانيا" مما يعني تدريجيا تحويل لحراطين من "عَرَبٍ سُمْرٍ" إلي زنوج عَرًبًهُمْ الاسترقاق. وقد طالت انتقاداته في الآونة الأخيرة كل مكونات الوضع الاجتماعي فقد كان يسخر من علماء الدين ورجال السياسة والثقافة ويعد ويتوعد أصحاب النفوذ والسلطان.... فقد كان بيرام يطلق النار علي كل من يتحرك.

لم يكتفي بيرام بما لديه من أعداء فقام بتنظيم وتسيير قافلة "أينال" لاستذكار مجازر الضباط والجنود الزنوج فأثار قضية حارقة أخري ألبت عليه المؤسسة العسكرية والنظام الأمني القائم حيث من المعلوم أن قيادات عسكرية وأمنية ممن شارك في الجريمة لا تزال تحتل مناصب عليا.

كل ذالك ضاعف من تأثيره علي قضية إحراق الكتب استقطاب سياسي حاد وقطيعة تامة بين أحزاب المنسقية ونظام ولد عبد العزيز ولو أن السياسيين, معارضين وموالين, قد استغلوا كل علي طريقته حادثة حرق الكتب إلا أن أكبر توظيف للحدث جاء من طرف الإقطاعيين والقوميين البيظان وفلولهم المنتشرة في الأحزاب والهيآت فقد كشر التيار الشوفيني العنصري في البيظان عن أنيابه واستغل الحادثة للإجهاز علي المكتسبات الهزيلة في مجال حقوق الإنسان والعدالة والمساواة. و في هذا الصدد تحولت موريتانيا برمتها بين عشية وضحاها إلي ساحة كبيرة تتدفق فيها أمواج الحقد والكراهية واحتقار العبيد والعبيد السابقين. ولم يتنبه هؤلاء وهم في سكرتهم يعمهون أن الحملة المسعورة علي بيرام أصبحت تتخللها وتزداد فيها يوما بعد يوم خطابات عنصرية إسترقاقية تستهدف بالأساس كرامة وإنسانية شريحة لحراطين.

إن الحريق الهائل الذي أشعله بيرام في قلوب مراكز القوي في موريتانيا ستمتد ألسنة لهيبه حتما إلي قلوب شريحة لحراطين, وقد بدأت بالفعل مرحلة من الحمية الطبيعية للرجل ومن إحساس هذه الشريحة المتزايد بتجاوز هذه الحملة شخص بيرام وحركة "إيرا" لتطالهم كمجموعة وكقضية. و كان من أبرز تلك المواقف ما عبر عنه مصدر مقرب من امتعاض مسعود ولد بلخير و تصريح الساموري ولد بي المنتقد للحملة علي بيرام وطريقة اعتقاله والمسار القانوني فإذا كانت المواقف الداعمة لبيرام بدأت تظهر في أقل من أسبوعين بعد حرق الكتب وعلي أعلي المستويات السياسية لهذه الشريحة فمن حقنا أن نتساءل كيف سيكون الوضع بعد أشهر أو حتى أسابيع؟.

إننا شئنا أم أبينا علينا أن نعترف أن رئيس حركة "إيرا" قد قلب الطاولة علي الموريتانيين رأسا علي عقب وأوقع الناس في فخ كبير و أعاد بقضية لحراطين إلي أوصولها الدينية والاجتماعية بعد أن كانت محصورة في دائرة السياسية والقانون. ولا شك أن الزلزال الكبير الذي حدث ستشكل ارتداداته النفسية والسيكولوجية نقطة تحول إستراتيجية في قضية لحراطين وستتكشف مع الوقت طبيعة الدوافع الحقيقة وراء موجة الاستنكار والخلفية الفكرية و الإيديولوجية الحاقدة التي تحكم أغلب المحرضين علي بيرام و ستخبو حينها العواطف الزائفة لتحل محلها أسئلة الفطرة البريئة المظلومة وتساؤلاتها.

ومهما يكن مصير شخص بيرام ومهما انتشي دعاة الكراهية والحقد فلقد علمنا التاريخ أن رجاله الكبار يولدون في ظروف شبيهة إلي حد كبير بظروف بيرام هذه الأيام, ظروف التكالب والتحامل و تجيش العواطف وإيهام الناس بكفره ومروقه. ولقد قال أحدهم بعد اندلاع موجة الشجب و الاستنكار: لقد قتل بيرام نفسه بحرق الكتب فأجابه أحد الأطر من شريحة لحراطين كان بجانبه: ويحك وهل هذا الضجيج وهذا الصراخ إلا أصوات مراسم ولادة بيرام؟.

جمال ولد عبد الله

الرأي المستنير

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016