افتتاحية:التخطيط الاستراتيجي والتحول الديمقراطي

منذ نشأة الدول والمجتمعات الحديثة ظلت إدارتها والتخطيط الناجح لاستمرارها عمل يرتبط بالتخطيط الاستراتيجي في أبعد مدياته، فهو الذي يتم في نطاقه التفاهم المستمر على إنتاج التعاون بين كل أفراد وقوى المجتمع ويعطي الإنسان فرص العيش الكريم، ويهيئ له اسباب الدفاع عن الحياة الكريمة على النحو الذي أرادت له المشيئة الالهية في أن يعمر الأرض ويستخلف فيها.
ويمكن ان نقدم في قارتنا الافريقية نموذجين للحكم سعى أحدهم لإدارة بلده بالتخطيط المرتجل المرتكز على النزعة الفردية والأفق الضيق، وذلك في اقصى الشمال الشرقي من القارة : دولة الصومال التي حكمها لعقدين من الزمن نموذجا للدكتاتورية الغبية، عقيد لا شرعية له سوى أنه قام بانقلاب عسكري وبدلا من أن يعوض ضعف شرعيته بمعاملة مرنة تحسن من وضع مؤسسات بلاده السياسية وتستقطب نخبها في معركة البناء أو تترك على الأقل لنفسها بعد مغادرتها للحكم حدا أدنى من التعاطف بين مواطنيها، سعى بري كلما في وسعه ليبقى وحده على المسرح السياسي، تحيط به مجموعات من المنتفعين هي التي هيأت بعد طرده دولة الصومال إلى أن تكون أولى كرات سبحة الدول الإفريقية الجانحة في وهاد الفشل والحروب الأهلية، بعد أن تحاماها غباء وجشع حاكمها مع موجات المجاعة ونهب الثروات وهوت في جحيم مستعر يؤجج ناره إلى الآن أباطرة ومافيا التهريب الذين خّفُّوا بعد رحيل بري إلى اقتسام الغنائم دون أن يفكر أي منهم في صيغة ما للمشاركة في بناء دولة.
أما النموذج الثاني فهو في حدودنا الشمالية، بعد أن اعتلى الحسن الثاني رحمه الله عرشا تمتد شرعيته التاريخية والدينية عبر قرون، وواجه في بداية حكمه موجات مد يساري عاتية تنزع دون هوادة إلى كنس الأنظمة الملكية، على غرار ما وقع 1917 مع القياصرة في روسيا، بل تعرض هو نفسه لمحاولات اغتيال اوشكت اثنتان منها ( 1971، 1972) إلى الوصول المباشر إليه، ومع ذلك ترك باب المشاركة والحوار مفتوحا خصوصا مع حزب الاحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الحاضن الفكري والنضالي لحركات التمرد ضده، ففي الوقت الذي ظل يعامل معارضيه غير المنتظمين في الأحزاب معاملة قاسية سميت سنواتها لاحقا في المغرب ب ( سنوات الرصاص) ترك الباب مفتوحا مع الأحزاب والمنظمات السياسية وهو ما انتبه إليه على نحو حصيف الاتحاديون في مؤتمر 1975 الذي انتخب المناضل الكبير عبد الرحيم بوعبيد وقاموا بتغير جذري لقواعد تعاملهم مع القصر وذلك بتبنى خيار التغيير الديمقراطي خيارا وحيدا أمامهم رغم أنه تم على نحو وقح سنة قبل ذلك اغتيال أحد قادة الحزب الكبار هو عمر بن جلون، وتمت محاولة تصفية قائد آخر بطرد ملغوم، هو اليازغي إلى جانب محاكمة عشرات من خيرة مناضليه في محكمة القنيطرة العسكرية.
قاد التفكير الاستراتيجي النظام الملكي المغربي إلى إدراك حقيقة واضحة وهي أن أي دولة في العالم عندما تقتصر على رؤية واحدة سيكون مآلها هو الزوال، وأدرك أن الخلاف في الرأي ليس هو الخلاف على الوطن وهذا ما قاده سنة 1998 إلى استدعاء واحد من أبرز معارضيه الراديكاليين هو الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي لتولي رئاسة الوزراء في اول حكومة تناوب بالمغرب.
بذلك يكون ضيق الأفق وحب السيطرة المطلقة قد ضيع بهما زياد بري بلدا بأكمله، في وقت أدى فيه التخطيط الاستراتيجي المُؤسس على روح مسؤولية لا تخلو كما هو معروف، من قبضة قوية، الراحل الحسن الثاني إلى أن يسلم لولي عهده مملكة في شبه إجماع وطني، نشاهدها اليوم تسير بخطوات معتبرة نحو التحول الديمقراطي و استقطاب كثير من قوى المجتمع المتعددة من أجل تحقيق التقدم والتنمية .

» آخر التعليقات

» قناة كيفة انفو

» الظوال

» أسعار الحيوان

الإبل

البقر

الغنم

» منبر كيفة

» أعلام