الصفحة الأساسية > الأخبار > لهذا تستحق منت المختار أكثر من جائزة نوبل

لهذا تستحق منت المختار أكثر من جائزة نوبل

الجمعة 28 آب (أغسطس) 2015  12:25

آمنة بنت المختار
  • يدفع الواقع الراهن للعديد من بلداننا، إلى تعزيز مصداقية أحد التعريفات القديمة للدولة حين نظر إليها المفكر الفرنسي فريدريك باستيا Frédéric Bastiatعلى أنها "وهم كبير، حيث يبذل الجميع قصارى جهودهم لكي يعيشوا على حساب الجميع". ذلك أن إهمال المصلحة العامة وتآكل مفهوم الدولة وضمور الايمان بالشعب، تبقى أبرز ملامح واقعنا المأساوي، في ظل التهافت على المصالح الخاصة وتفشي النزعات الخصوصية والاستسلام لإملاءات بنى مجتمعية عتيقة.
  • غير أنه إذا كان هناك من استثناءات تبقي الأمل مفتوحا في إمكانية تغيير هذا الواقع نحو الأفضل على الأقل في موريتانيا، فلا مناص من العثور ضمنها على شخصية تمكنت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من فرض بصماتها على العمل الانساني في هذه البلاد.
  • بالفعل تبدو اليوم آمنة بنت المختار كمصدر للأمل بعد نجاحها في شق طريقها الخاصة داخل تضاريسنا الوعرة وفي مناخنا المتقلب والصعب، لتصبح ممرا ضروريا لجميع المقهورين في مجتمع يبدو أحيانا وكأنه لا يحسن أكثر من ممارسة القهر وإعادة انتاج القهر.
  • من الصعوبة بمكان فك ألغاز مسيرة مناضلة من هذا الحجم نحو القمة لأن الأمر يتعلق بقصة نجاح ستظل مثار جدل، غير أنه لا بد من الاعتراف بأن وصول منت المختار إلى مكانتها الحالية تطلب ما هو أكثر من التضحيات الجسام والجهود الدؤوبة، أي إيمانا عميقا بقضيتها وحبا كبيرا لشعبها.
  • كثر هم ألئك الذين انطلقوا قبلها أو معها أو بعدها، بعضهم حقق نجاحات كبيرة، تميز بعضهم بالكثير من المثابرة والجسارة، غير أن قوتها تكمن في قدرتها على التميز عن الجميع: ففي حين يقتصر نضال البعض على عرق أو فئة أو على منطقة أو شريحة محددة من المجتمع، نجد نضال منت المختار يتسع ليشمل مختلف الأعراق والفئات والشرائح والمناطق من دون تمييز من أي نوع كان بين أفراد الشعب ولا حتى بين المواطنين والأجانب.
  • وفي حين يقتصر نشاط البعض على مجالات محددة وعلى مواضيع متداولة، تكشف منت المختار عن قدرة هائلة على الابتكار وعن استعداد دائم لاقتحام كل المجالات كلما كان هناك ضحايا للحيف والتعسف، مما يجعلها في حركية دؤوبة وعلى مختلف الجبهات لتظل غارقة في ملفات هي أفضل ما يكشف عن الواقع الفعلي للمقهورين في بلد لم يتعلم بعد كيف يحترم حقوق سكانه.
  • وسواء تعلق الأمر بضحايا الاسترقاق أو الاغتصاب أو التصفية العرقية أو العنف الأسري أو الاتجار بالبشر والممارسات المشابهة له، أو تعلق بالدفاع عن حقوق المرأة أو القصر أو خدم المنازل والرق أو المهاجرين ...، فهي مجالات لن تجد أنها محط اهتمام منت المختار فحسب، بل ستجد أنها كانت رائدة في حمل لوائها وأنها حققت مكاسب معتبرة لضحاياها.
  • قوة منت المختار تكمن أيضا في أنها لم تتخذ من الدفاع عن حقوق الانسان مجرد مهنة تعمل بها خلال أوقات الدوام أو الفراغ، بل إن هموم الانسان سكنتها فوهبتها كل حياتها. لا فرق لديها بين المكتب والمنزل، بين الليل والنهار حتى أنها وهي على سرير المرض تجد نفسها عاجزة عن الحصول على فسحة للخلود لمعاناتها الذاتية أحرى أن يكون لديها مجرد حظوة التفكير في التمتع بعطلة ولو لفترة جد قصيرة.
  • حياتها موزعة بين "رابطة النساء معيلات الأسر" منذ أسستها سنة 1999 من أجل تحرير المرأة من طغيان المجتمع الأبوي والتمكين لها، ومراكز إيواء ضحايا العنف التابعين لها والممثليات الجهوية لمنظمتها، وأيضا بين المفوضيات والسجون وأروقة العدالة حيث الملفات الشائكة الي يرتبط بها مصير مئات، إن لم يكن آلاف الأرامل والأيتام والأمهات المشردات والقصر الجانحين ومختلف ضحايا الازدراء والحيف.
  • وهي مع ذلك تجد الوقت لفتح ورعاية فصول محو الأمية وتأسيس ودعم آلاف التعاونيات في المناطق الأكثر هشاشة والرفع من قدرات مئات النساء من خلال التكوينات المستمرة، بالإضافة إلى كونها حاضرة بفعالية في حملات مناصرة قضايا حقوق الانسان وإشراك المرأة سواء على المستوى الوطني أو على المستويات المغاربية والإفريقية والدولية.
  • ومن خلال سجلها الحافل بمؤازرة من هم في أمس الحاجة للعون، يمكن الاطلاع على حالات إنسانية جد مؤثرة وبالغة الدلالة على حيوية الدور الذي تلعبه هذه المرأة بمهارة وجسارة ومواظبة، غير أنها حالات لن يتفاعل معها بعمق إلا من سنحت لهم فرصة الاطلاع على كامل تفاصيلها ومن يستطيعون سبر أغوار ابتسامة المقهور حين تفتح له فجأة أبواب الأمل:
  • طفلة تنتشل من سحيق البؤس وهي مكبلة بمرض مميت، فتتم رعايتها والسهر على علاجها لتعود إلى أحضان أسرتها وقد تغيرت حالها لدرجة يعجزون معها عن التعرف إليها؛ عبدة تنتزع من براثن الاسترقاق وهي متمسكة بأسيادها تذرف الدموع على فراقهم، فتتعلم معنى أن يعيش الانسان في ظل الحرية؛ أم مفجوعة تأتي من دولة إفريقية نائية بحثا عن زوجها السابق الذي سرق أبناءها، فتتم استضافتها والتحري عن أطفالها وخوض معركة قضائية بالنيابة عنها للسماح لها بالعودة بأبنائها ...
  • لم يكن صدفة إذا أن تنهال التكريمات على العمل الانساني الذي تقوم به منت المختار والذي جعلها تحتل مكانة مرموقة ضمن الشخصيات الأكثر تأثيرا في إفريقيا وعبر العالم. لقد حصدت بالفعل جوائز دولية بالغة الأهمية مثل جائزة حقوق الإنسان للدولة الفرنسية وحازت على أعلى وسام لدى الجمهورية الفرنسية ثم على جائزة أميركية في مجال العمل ضد الرق والمتاجرة بالأشخاص والأعمال المنزلية للقاصرين، غير أن أهم تكريم تحظى به سيظل نظرات الامتنان والعرفان بالجميل التي تصادفها حيثما حلت نتيجة جهودها الخيرية.
  • كما ليس صدفة أن تثير نضالاتها وما تطلبته من ضجيج ومعارك ومواقف، نقمة الشرائح الأكثر تخلفا من المجتمع، ذلك أن تلك النضالات لم تكن لتمر من دون إحداث رجات في جسد المجتمع بما تقذفه من حين لآخر من حجارة لتحريك مياهه الآسنة، وهو ما من شأنه ترويع فلول الاقطاع وغيرهم من أصحاب الذهنيات المريضة واستثارة ردات فعلهم بما في ذلك الأكثرها غرابة وحدة.
  • نجحت منت المختار في شق طريقها بالرغم من أنها حرمت مقاعد الدراسة باكرا كعقوبة على مواقفها السياسية ولم تستطع إكمال مسار مهني لأنها ظلت عرضة للطرد من الوظائف القليلة التي حصلت عليها نتيجة التزاماتها النقابية، غير أن تشبعها وهي يافعة بالقيم اليسارية المناصرة للمقهورين وتجربتيها السياسية والنقابية وتجذرها في قيم مجتمعها الأصيلة وما تتميز به من صلابة وقوة إرادة، كل ذلك أهلها للمضي بثبات في سبيل تحقيق أهدافها.
  • ولعل أفضل ميزة لها تكمن في أصالة رؤيتها للحرية وقدرتها على التمسك باستقلاليتها، إذ لم يستطع غطاء الايديولوجيا منعها من الاصرار على محاولة بلورة الحرية في حياة المواطنين اليومية بدل ربطها "بنتائج العمل الثوري" أو رهنها لإرادة الزعيم أو الطاغية. ولعل ذلك ما مكنها –بعد سقوط آخر قلاع المجتمع المدني إما في أحضان السلطة أو المعارضة- من أن تبقى حرة مستقلة رغم حدة الاستقطاب السياسي والاغراءات المرتبطة به.
  • هكذا إذا ومن خلال مسيرتها تكون منت المختار قد تمكنت من إثبات حيوية دور المجتمع المدني المكمل لدور الدولة في تطوير البنى المجتمعية العتيقة وأيضا في حماية الحريات الفردية من السلطات الفضفاضة للدولة، مقدمة بذلك درسا بليغا لمن عجزوا أن يروا في هذا المجتمع أكثر من وسيلة للتكسب غير المشروع أو لتصفية الحسابات بين المكونات الوطنية أو في أفضل الأحوال أداة للقيام بجهود استعراضية لتحقيق بعض المكاسب السياسية.
  • محمد سيد احمد
  • كاتب صحفي

1 مشاركة

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016