الصفحة الأساسية > آراء حرة > رئيس الجمهورية ليس فوق القانون

رئيس الجمهورية ليس فوق القانون

الاثنين 11 حزيران (يونيو) 2012  07:49

أصبحت ("كلمة" المنبر بلقاء مشهورة)1 أكثر من ذي قبل بفعل انتشار وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ورسائلها الفورية وفي يوم الأربعاء 6 يونيو 2012 صرح وزير العدل في الجمهورية الإسلامية الموريتانية الأستاذ/ عابدين ولد الخير من منبر الجمعية الوطنية، بأن "رئيس الجمهورية فوق المؤسسات".. موضحا أن له بالتالي عزل من يشاء وتولية من يشاء دون قيد..

وقد وجدت من المناسب التعقيب على حكم الوزير لأن الأخذ به من شأنه أن يؤدي إلى تقهقر التطور المدني والوعي القانوني في دولة يصبو بعض مواطنيها لأن تكون دولة قانون ولا يتمنى المستنيرون من أبنائها أن تتراجع إلى مستوى التمجيد الفردي الذي أصبح مواطنو أكثر البلاد تخلفا يعافونه ويتأففون منه.

ولأن القول منسوب لمحام سابق وأستاذ قانون يتقلد حقيبة العدل في الدولة ويفترض أن يكون في مقدمة المستشارين القانونيين لرئيس غير ملم بالمسائل ذات الطابع الشرعي وجدت من المناسب أن أكتب في هذا الموضوع علي أسهم في تعميق بحثه من باب الحرص على درء مقولات من شأنها أن ترسخ الإستبداد والحكم الفردي.

1

فمن مقتضيات القانون الأساسي في الجمهورية الإسلامية الموريتانية أن "القانون هو التعبير الأعلى عن إرادة المجتمع ويجب أن يخضع له الجميع"2 ومنها أن "رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن بوصفه حكما السير المطرد والمنتظم للسلطات العمومية"3.

ومن هاتين المادتين، اللتين اقتصرت عليهما لطباق مقتضى المقال، يتبين أن الدستور لم يعف أحدا من الخضوع لمقتضيات القانون بدليل استخدام لفظ الجميع الشامل لرئيس الجمهورية الذي يتعين أن يتميز بتحكيم القانون في حكمه لما يناط به من مسؤولية حماية الدستور وتجسيد الدولة وضمان السير المطرد لسلطاتها وهو ما لا يتأتى إلا بأن يحترم الرئيس القانون فيما يصدر عنه كي يتمكن من فرض احترامه على الآخرين فهو يجسد الدولة عن طريق احترام القانون وفيما إذا خرق الكبير المكلف القانون فإن فعله يكون مقترنا بظرف تشديد بينما تحق للصغار الإستفادة من ظروف التخفيف أو الإعفاء.

وإذا تمكنت "الحاشية القانونية" للرئيس من إقناعه بأنه في حل من احترام قواعد القانون فسيحزم الأجانب أمتعتهم ليغادروا "بلاد السيبة" والتحكم وربما ارتفعت أصوات البعض بآيات من الذكر الحكيم: "يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِند اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ "4 ولن نعدم في بلد المليون شاعر، من يذكر بعض أبيات أبي الأسود الدؤلي الشهيرة :

ألا أيها الشخص المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

2

وبعد إجماع الحقوقيين من غير أصحاب الأغراض السياسية الخاصة على أن المرسوم الصادر عن الرئيس مؤخرا والمتعلق بتعيين رئيس المحكمة العليا - قبل إكمال سلفه مأموريته أو تقديم استقالته - حاد عن الضوابط ولم يراع مقتضيات القانون المجسدة للضمانات الدستورية لاستقلالية القضاء يكون من المهين أن يذهب بعض من كنا نعدهم من الأخيار في معرض تبرير مرسوم الرئيس لحد التشكيك في بعض المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة ككيان مدني من قبيل تعدد السلطات واستقلالية القضاء.

فعزل رئيس المحكمة العليا، علاوة على ما قيل فيه من خرق القانون وعدم احترام استقلالية القضاء، ينم أيضا عن تقصير في مسؤوليات رئيس الجمهورية التي منها أن يحسن اختيار رئيس المحكمة العليا طبقا للقانون: "يعين رئيس المحكمة العليا بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد من بين القضاة الأعلى درجة أو القانونيين ذوي الكفاءات المشهود لهم بالإستقامة والنزاهة والخبرة"5.

وحسن اختيار رئيس الجمهورية لرئيس المحكمة العليا يترتب عليه عدم اضطرار الرئيس إلى إقالته قبل إكمال مأموريته والعزل قبل ذلك دليل على أن "الرئيس العام" (le Président Général) لم يحسن الإختيار وأساء التقدير مرتين على الأقل (مع الأستاذ/ بال والسيد الغيلاني) خاصة وأن القاضي المعين في هذا المنصب كباقي القضاة (بل وأكثر منهم)6 محمي من كافة أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه: "لا يخضع القاضي إلا للقانون وهو محمي في إطار مهمته من كل أشكال الضغط التي تمس نزاهة حكمه" 7، ولا شك أن سوط العزل من أشد أنواع الضغط الذي يواجه به القضاة في هذا الزمان والمكان لما يترتب عليه من قطع للأرزاق.

ومن الجائز أن يتمسك المترشحون للتوثيق - الذين لم يقبلوا خاصة من معارضي النظام وتقدموا بطعن أمام المحكمة العليا - بأن رئيس الجمهورية عزل رئيس المحكمة العليا انحيازا لوزير عدله وتجنبا لجدولة الملف المتعلق بطعنهم الذي يتردد، في الأوساط القضائية، أن رئيس المحكمة كان عازما على برمجته والبت فيه قبل نفيه لليمن وهو ما ينافي واجب الحياد الذي يتطلبه كون الرئيس العام حكما بين السلطات وينم عن تفريط في جنب ضمانة استقلالية القضاء الموكلة إليه دستوريا8.

وليس من الوجيه التحجج بالغلط المتكرر في اختيار رئيس الجمهورية لرئيس المحكمة العليا لأن الرئيس مسؤول عن تصرفاته خاصة وأن مثل هذا التبرير يعطي للمواطنين الذين صوتوا لمحمد ولد عبد العزيز حق الاعتذار بأنهم كانوا ضحية غلط في الواقع وهو ما يجعل مطالبة بعضهم برحيله مبررا تبريرا أقوى على كل حال من مبررات الانقلاب على رئيس شرعي ومدني منتخب.

3

لقد ورد في الأثر أن أبا بكر الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولي الأمر خطب في الناس قائلا : "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".

وجملة القول أن من واجب وزير العدل أن يبرر أسباب حكم "فوقية الرئيس" بما ينسجم مع مقتضيات القانون ومتطلبات العصر و"كوابح الإستبداد" أو أن يعلن تراجعه عن المقولة إذا لم يكن راغبا في أن يتكرر في نواكشوط سنة 2012 ما شهدته باريس يوم 13 ابريل 1655 عندما خاطب ملك فرنسا الويس السادس عشر البرلمانيين قائلا أنا الدولة (l’Etat c’est moi).

1. من خطبة البتراء لزياد بن أبيه عندما عين واليا على البصرة وقد ورد فيها: "إن كذبة المنبر بلقاء مشهورة؛ فإذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، فإذا سمعتموها مني فاغتمزوها في، واعلموا أن عندي أمثالها."

2. المادة 4 من الدستور.

3. المادة 24 من الدستور.

4. الآيتان الكريمتان 2 و3 من سورة الصف.

5. المادة 14 من قانون التنظيم القضائي في موريتانيا.

6. زيادة على ما ورد بحق كل قضاة الحكم تنص المادة 18 من قانون التنظيم القضائي على ما يلي: "لا يجوز أن يعلق رئيس المحكمة العليا أو يوقف عن ممارسة وظائفه قبل نهاية الأجل المحدد لها إلا إذا كان ذلك وفق الطرق المتبعة في تعيينه أو بناء على طلب منه أو بسبب عجز بدني أو فقدان حقوق مدنية أو سياسية أو إخلال باللياقة أو شرف وكرامة وظيفته."

7. المادة 90 من الدستور.

8. تنص المادة 89 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على أن: "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء."

/محمد سيدي ولد عبد الرحمن / محام

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016