الصفحة الأساسية > الأخبار > أي استقلال يمجد وأية نخبة أمة تصونه؟

أي استقلال يمجد وأية نخبة أمة تصونه؟

السبت 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015  07:29

الولي ولد سيدي هيبه
  • ومرت خمسة و خمسون عاما على قيام الدولة المستقلة سحبت خلالها أذيال دهرها على المنظومة التعاملية و الأخلاقية و لم تفلح في أن تجعل أيا منهما يلحتم بمنصة الواقع العالمي الجديد الذي كاد أن يكون معظمه قد اتحد مع كل معطى العولمة و إن من دون القضاء مطلقا على خصوصيات شعوبه رغم كثرة أعراقها و تنوع لغاتها و معتقداتها.
  • إنها ذات الخمسة و الخمسين عاما التي انقضت على "استقلال" عَديد دول القارة و قد رزحت كلها تحت نير نفس الاستعمار الفرنسي استطاعت خلالها و بإرادة مواطنيها و توجيهات قادتها و المفكرين من أبنائها و السياسيين و نخبها العلمية آن تغير في العمق من تفكير و عقليات شعوبها قبل ملامحها حتى تفتحت أمامها أسباب موازنة الماضي مع الحاضر فاستطاعت حفظ الهوية و الخصوصية الحضارية بموازاة القدرة على تبني الحداثة المتوازنة التي أمدتها إلى ذلك بمنطق العلم الحديث الرافض عوائق الخرافية و الجزافية القسرية الجامدة في القوالب التي لا يراد لها أن تتزحزح أو تتبدل.
  • هي الخمسة و الخمسون عاما كذلك التي عرفت خلالها مسيرةُ البلد كبوات أقل ما فيها أنها لم تكن لجواد التقدم و نفض غبار التخلف؛ كبوات أليمة تسببت في تأخر مرير عن ركب الأمم و منها التي في الجوار قبل سواها، و عدم التوجه عند المنطلق إلى عدم محاربة عوائق التنمية و مثبطاتها الحقيقية رغم مقدرات البلد الهائلة و موقعه الإستراتيجي على ثلاثة أصعدة شكلت لما تجمعت لبلدان أخرى أسباب التطور و الانفتاح على العالم من حولها و العلم و التوجه بجدارة و اقتدار إلى آفاق التنمية المستديمة، فأما :
  • ـ الأول فـ"حضاري" حيث تقع البلاد عند ملتقى الحضارات العربية و البربرية و الزنجية الثلاثة مما أهلها لأن تكون و تدعى "همزة الوصل" و "أرض الرجال" و "أرض الرباط" و "بلاد المليون شاعر" و قد هيأ ذلك أسباب نشر الإسلام السني، المالكي الأشعري في غرب إفريقيا و أسس لدولة المرابطين في المغرب على يد الفاتح يوسف "بن تاشفين" مبعوثا من أبي بكر بن عامر،
  • ـ و ثانيها فـ"ثقافي" حيث تلاقح الحضارات و اختلاط الألوان أوجد نمطا فريدا من الثقافات المتفتحة بين الأجناس و قربها من بعضها إلى حد تمازج لا تخفي حقيقته السحنة و العادات و التقاليد و نمط العيش رغم محاولة هروب البعض من أصحاب نظرية "نقاء العرق" منها و تغطيتها بالنزعات و الصدامات العنصرية و محاولات إلغاء الآخر عبثا و ما اختلق و تمادى فيه من اتباع توزيعة طبقية مهينة،
  • ـ و أما ثالثهما فـ"استراتيجي" بحت متمثلا في إطلالة بهية و امتداد معتبر على شاطئ من المحيط الأطلسي يزخر بأكثر مناطق العالم مواءمة لتكاثر أجود أنواع الأسماك و الرخويات و غيرها، و بمخزون كبير من النفط و الغاز، ناهيك عن وجود نهر صالح للملاحة النهرية يربط دولا ثلاثة هي موريتانيا و السينغال و مالي و يسقي على ضفتيه أرضا بكرا ذات خصوبة عالية.
  • و لكنه دون هذا كله تقاصرت الهمم و غابت الإرادة الوطنية، و من منطلق ضعفها، عن الإحاطة بأهمية هذه الأوجه و عن استثمارها لصالح بناء صرح قوي يأوي و يحمي و يسعد شعبه في عصر لا مكان فيه للضعفاء من ظلامية و كسل و استغراق في جهل مفهوم الدولة. و إذ الشواهد على ذلك تترجمها مظاهر التخلف و غياب البنى التحتية الملائمة لأية عملية تنموية تدار، فإن مظاهر التغطية على ذلك من خلال الحراك الخجول للنخب الثقافية و السياسية، لا ترقى إلى أي مستوى يحسن السكوت عليه. إنها النخب:
  • · المثقلة بتركة ماضي يأبى أن يترك للحاضر مضماره للانطلاق إلى محطة المستقبل،
  • · و الاختلالات البنيوية العميقة التي لا يبذل أي جهد لمواجهتها و لا يمارس أدنى عمل لتفكيك مسبباتها و تصور حلولها؛ هي النخب إذا التي :
  • · أدركها و التف حولها مبكرا جدبُ القيام المُعد و الموجهِ بقوة الاستشراف المحكم من طرف منظري المستعمر الفرنسي،
  • · و أوجدها زمن الحزب الواحد الذي هيمن بواسطة المنظومة الاجتماعية و التوازنات الإثنية،
  • · و لم تهذبها الإيديولوجيات على اختلاف مشاربها و عمق تغلغلها في النسيج السياسي الحركي،
  • · و استوعبتها الانقلابات العسكرية حتى باتت أكثر عسكرة و أشد سطوة و انفرادية بالموقف و القرار.
  • نخبٌ رأت ذاتها كاملة الصورة، مكتملة الرضا و مدركة كامل الاسترخاء في العزوف و النأي عن تطبيق معارفها الجمة ـ التي حصلتها في جامعات و معاهد العالم ـ على أرض الواقع مؤثرة الخلود إلى الراحة المعرفية المخملية الكسولة فلم تُسرف في كبير الجهد الذهني إلا في المحاضرات الكلامية ذات الصبغة البلاغية في رحاب الآداب بكل أوجهها و لوازمها و الفلسفية بكل تعقيداتها و التاريخية الممجدة لحقب يكتنفها الغموض و تتشابك في مجريات أحداثها كل التناقضات الموزعة بين الواقع و الخيال، و كأن أمر بناء قواعد التنمية العلمية الفنية و تشييد معالم الرقي و ما يتطلبانه من جد التخطيط و الدراية و التطبيق و المتابعة و التصحيح و التحسين و التطوير لا يعنيها البتة بقدر ما يعنيها أن تظل فقط ترفل، بعناوينها الكبيرة التي زينت و وطدت علاماتها الارستقراطية، في حريرِ و سندسِ و إستبرقِ الموجودِ من خيرات البلد و مقدرات الأرض و النهر و البحر.
  • و أما النخب السياسية فحدث عن غياب دورها المنوط به تغيير المجتمع في العمق ليلائم مقتضى العصر من ناحية، و في السلوك حتى يشارك بصفته و وصفه مجتمعا ناضجا و فاعلا أولا للتحول الإيجابي، لا مفعولا به للإبقاء على الأرستقراطية السياسية المركبة من وصيفاتها من منحدر التركيبة التقليدية بكل أوجهها و التي لا تقل سلبية عن النخبة الثقافية المتدثرة ثوب الجمود و تسخير المواطن و البلد لنزواتها.
  • و بالطبع فإن النخبة من أهل المال و دائرة الاقتصاد و أصحاب اليد الطولى على كل مصادر مقدرات و خيرات البلد و سياساته الاقتصادية و الملية التي لا تستجيب ـ بما هم عليه من النهج الاستلابي التبذيري ـ لنداء الوطن و إنما لجمع المال البسيط بكل الوسائل التي منها استغلال الحضور الطافح و التأثير السلبي داخل دوائر القرار و التسيير من ناحية، و انتهاج سياسات التجمعات الارستقراطية القبلية و الاثنية الضيقة و "المافيوزية" المنظمة و غيرها من التي تتجه رأسا إلى نهب أموال البلد و تبديدها في ظل ما تسببه هذه الآفات مجتمعة من غياب التوجه الملح أو الإرادة التي تسعى إلى أن تؤسس منه لأدنى قدر من اللبنات و القواعد الاقتصادية و الصناعية تشكل إطارا تستوعب من جهة أخرى جزء من الشعب، تشغله، تكونه و تؤمن له حياته ضمن سعي أوسع إلى المشاركة في بناء الوطن و إعطاء استقلاله معنى و مدعاة يصبح بها احتفاء الأمة به عيد انعتاق و عطاء و عدل، واردا و واجبا كل عام.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016