الصفحة الأساسية > الأخبار > الطائر الأبيض لشركة "سونيمكس"

الطائر الأبيض لشركة "سونيمكس"

الأربعاء 3 آب (أغسطس) 2016  15:54

محمدو ولد البخاري عابدين

بما أن قضية اختفاء آلاف الأطنان من الأسمدة الجاري البحث فيها الآن جرت في روصو عاصمة الزراعة بولاية اترارزة، فإن كل المزارعين هناك يعرفون طائر " أبا قردان " الأبيض بوجوده الدائم على حواف الترع والقنوات المائية بحثا عن طعامه من الديدان والأسماك الصغيرة، وأحيانا يقف على ظهور البقر بحثا عن الدلم والقراد، حيث ترى هذه الأبقار وهو واقف على ظهورها مستمتعة بتخليصه إياها من هذه الطفيليات.. ويعرف هذا الطائر عند المزارعين ب " أطوير لبيظ " أو " صديق المزارع " لأنه معروف بالمسالمة، فلا هو من الطيور التي تفتك بالمحاصيل الزراعية حيث يتغذى على الحشرات فقط، ولا لحمه يؤكل كي يستهدفه المزارع بالصيد، كما أنه يشتهر بالاكتفاء بالقليل من الطعام، ويقول المزارعون إنه لا يأكل كثيرا خوفا من أن يسمن ويصبح هدفا للقناصين..

في منطقة " شمامة " يوجد الكثير من أنواع الطيور الأخرى الكبيرة شهية اللحوم كطيور الأوز والرخ والبط.. يأتي القناصون لاصطيادها بواسطة الأسلحة النارية، وأحيانا يكون الطائر الأبيض متواجدا بالقرب من هذه الطيور أو يطير إلى جانب أسرابها في الهواء، فيطلق القناصون النار باتجاه الطيور الكبيرة فيصيبون بعضها، وأحيانا تصاب معها طيور من نوع الطائر الأبيض، فيلتقط الصيادون الطيور الكبيرة المصابة، ويتركون الطائر الأبيض غير المستهدف بالطلقة أصلا مرميا في مكانه ليكون رزقا لمخلوقات أخرى..

لم أتفاجأ شخصيا من اختفاء هذه الكميات الكبيرة من الأسمدة من مخازن الشركة، لأنني كنت في روصو شهر إبريل الماضي، ورأيت الكثيرين ممن يمتهنون بيع الأسمدة وبأيديهم ما يعرف ب " فيشات " وهي الوثائق التي تستخرج على أساسها الأسمدة من المخازن باسم المزارعين أو التعاونيات وكل ذلك يجري في وضح النهار، وهناك من المضاربين من له مئات التعاونيات الوهمية التي يستخرج باسمها مئات الأطنان من الأسمدة ويبيعها في السوق، وقد قمت بما أعتقد أنه واجبي ونبهت على ذلك سابقا.

مسكين " طائر سونيمكس الأبيض" ومدير فرعها في روصو غير النهم، والمشتهر بين الناس باستحيائه من رفض طلبات الناس العاديين، فما بالك إذا كانت الطلبات والأوامر من رؤسائه..! فكيف اختفى، وهل " الطيور الكبيرة " لوزارة الزراعة وشركة " سونيمكس " هي من أبعدته كي لا يدل عليها القناصين بلونه الأبيض بعد أن ظل يرافقها للغذاء على فتاتها؟! المفارقة أنه بلغنا أن هذه " الطيور الكبيرة " تشارك الآن في عملية التقصي والتحقيق في هذه القضية! وهناك مثل شعبي شائع ينطبق على هذا النوع من الحالات أعتقد أنكم تسمعون به..

لم تختفي مخزونات الأسمدة من مخازن شركة " سونيمكس " فقط، بل إنه كانت هناك عشرات أطنان بذور القمح المستوردة لأجل استخدامها في تجربة زراعة القمح، فتم تخزينها في مخازن الشركة في ظروف سيئة بدون تهوية وجنبا إلى جنب مع مبيدات الحشائش الممنوع منعا باتا تخزينها إلى جانب البذور، فوجدت الرطوبة والحشرات الظروف المناسبة للفتك بها إلى أن فسدت، حتى أن هذه البذور المعدة للزراعة وليس للاستهلاك البشري أو الحيواني لكونها معالجة بمواد سامة ضد الفطريات والحشرات، لم تسلم هي الأخرى من البيع في السوق، وقد وجدنا منمين يقدمونها لأبقارهم، فقلنا لهم كيف تقدمون هذا القمح المسمم لأبقاركم بما يشكله عليها وعليكم من خطر فقالوا لنا " ما إخصر شي "!! هذه الأطنان من بذور القمح غالية الثمن التي توزعت بين التلف في المخازن والعلف للحيوانات، يجب البحث في أمرها هي الأخرى إلى جانب البحث عن مصير الأسمدة!

لم استسغ المبررات المقدمة لاحتكار الدولة لاستيراد الأسمدة، وأن ذلك الاحتكار هو سد لباب احتمال استخدامها في صناعة المتفجرات، وكنت سأقتنع بتلك المبررات لو أن الجهات المكلفة باستيراد وبيع الأسمدة تراقبها من لحظة شراء المزارع لها، وترافقه إلى مزرعته وتتأكد من أنه استخدمها كسماد ولم يستخدمها في صناعة متفجرات أو يبعها لجهة ستصنعها، لكن ذلك هو ما لا يحدث، فالمزارع والتعاونية يشترون الأسمدة ويذهبون بها إلى حيث شاؤوا دون رقابة ولا متابعة، مثلها مثل مادة TNT المستخدمة في حفر الآبار والموجودة في السوق، فيشتريها من يشاء وليس هناك متابعة له هل سيستخدمها في الحفر فعلا أم في صناعة المتفجرات! الظاهر فقط أنه ليس هناك من يمتلك تقنية صناعة المتفجرات من هذه المادة أو من الأسمدة، أو أنه ليس هناك من يريد صناعتها وإلا لكنا أصبحنا كابول أو بغداد..!

كما أن الأسمدة إذا كانت فعلا تستخدم في صناعة المتفجرات فإن ذلك لا يتطلب آلاف الأطنان التي تستوردها شركة " سونيمكس "، فكيسين أو ثلاثة أكياس منها كافية لصناعة المتفجرات ويمكن الحصول عليها بكل سهولة.

خلال لقاء رئيس الجمهورية الأخير بالمزارعين في روصو قال إن هناك قطاعات وجهت لها الدولة موارد فأعطت نتائج مهمة، وأن الدولة لا تستطيع الاستمرار في ضخ الموارد في قطاع الزراعة دون أن تنعكس تلك الموارد على القطاع بالشكل المنتظر، وتفسير ذلك هو أن القطاعات التي انعكست الموارد الموجهة إليها بشكل إيجابي قد حظاها الله ببعض من المشرفين على قدر طموح السلطات العليا لهذه القطاعات، بالإضافة إلى كونها قطاعات أقل تشعبا وأقل شركاء..

على عكس القطاع الزراعي الذي رغم التوسع والتطور اللذين شهدهما مؤخرا، إلا أن ذلك التطور يعمل المشرفون على القطاع جاهدين لإظهاره وكأنه لا يمكن أن يستمر دون استمرار الدولة في ضخ الموارد فيه بشكل دائم، الشيء الذي كان من المفترض حدوث عكسه بالنسبة لقطاع ضُخت فيه موارد كبيرة من أجل تثبيت وتشجيع ممارسيه وشركائه، فاستفادوا منه ولكن بطرق ملتوية أظهرت القطاع وكأنه لا يمكن أن يستمر ويتطور إلا بتلك الطرق الملتوية، بينما هو قطاع كغيره من القطاعات بإمكانه النمو والتطور بالقدر الممكن من الشفافية وحسن التسيير لو كان حظي بمشرفين كألئك الذين حظيت بهم قطاعات أخرى رصدت لها موارد وحققت نتائج مهمة.. مشرفون على قدر المسؤولية، ويتحلون بروح النهوض وكسب الرهانات عسى الله أن يمد القطاع بأمثالهم، لا مشرفين خبروا القطاع جيدا بحكم أقدميتهم فيه ولكنهم غير مؤمنين به ولا بطموح الرئيس له، ولا زالوا يسيرونه بأساليب وعقليات تسعينات القرن الماضي كلما وجدوا فرصة أو ثغرة لذلك!

ملاحظة هامة: على الدولة، اليوم وليس غدا، التصدي للحملة المقام بها الآن في أوساط المزارعين بأن استجلاب الأسمدة يتطلب ثلاثة أشهر على الأقل، مما جعل الكثيرين منهم في حيرة هل يزرعون حقولهم أم يتركونها خوفا من عدم توفر الأسمدة في الوقت المناسب، والواقع أن كميات الأسمدة التي تمت مصادرتها من التجار خلال الأيام الماضية والتي لا تزال عمليات مصادرتها جارية كافية لسد بعض النقص في الأسمدة إلى حين استجلاب كميات أخرى منها، والأكيد أن هناك طرقا استعجالية يمكن اللجوء إليها بهذا الخصوص، خاصة أن الأسمدة متوفرة في بعض دول الجوار القريب كالمغرب مثلا.

محمدو ولد البخاري عابدين

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016