الصفحة الأساسية > تحاليل > النهضة التونسية... الجذور والمنطلقات/صلاح الدين ابوحسن

النهضة التونسية... الجذور والمنطلقات/صلاح الدين ابوحسن

الجمعة 2 كانون الأول (ديسمبر) 2011  16:20

يذهب بعض الباحثين والكتّاب إلى القول بأنّ الحركة الإسلامية التونسية عريقة عراقة جامع الزيتونة في تونس، هذا الجامع الذي لعب دورا كبيرا في تاريخ تونس كما ساهم في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لتونس ووقف سدّا منيعا في وجه الاستعمار الفرنسي الذي كان يعمل على فرنسة تونس وجرّها إلى دائرة التغريب والفرنسة. وقد جاء نشوء التيار الإسلامي في تونس كرد فعل على الاتجاه التغريبي الذي شرع الحبيب بورقيبة بفرضه على المجتمع والدولة التونسية منذ توليه الرئاسة التونسية في عام 1956، وداعيا إلى تبني المنظومة الغربية بكل مكوناتها وقيمها ووسائلها، بل إنه كان يتفاخر بتبعية تونس للغرب. ففي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات بدأت تتأسّس في تونس النواة الأولى للحركة الإسلامية التونسية، وقد تأثرّ مجموعة من المثقفين في ذلك الوقت بفكر المفكر الجزائري مالك بن نبي صاحب التصانيف الكثيرة من قبيل الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، وشروط النهضة، وغيرها من التصانيف. كما تأثرت هذه النخبة التونسية بفكر سيد قطب أحد أبرز منظرّي تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، والمفكر الباكستاني أبو الأعلى المودودي، وأبرز قطب في هذه النخبة راشد الغنوشي وصالح كركر وعبد الفتّاح مورو وغيرهم.

الجماعة الإسلامية: بعد سنوات من النشاط المتواصل انعقد اجتماع سرّي عام 1979 بضاحية منوبة في تونس قررّ إثرها راشد الغنوشي وعبد الفتّاح مورو تأسيس تنظيم إسلامي على غرار تنظيم الإخوان المسلمين، أطلقوا عليه اسم: الجماعة الإسلامية. وبقيت هذه الجماعة تمارس دورها الثقافي والتعليمي من خلال المساجد والحلقات الدينية التي كانت تركز على حضارية الإسلام وشموليته كمشروع بديل للمنظومة العلمانية التي كان بورقيبة يحاول فرضها على شاكلة النموذج الأتاتوركي في تركيا، كما استطاعت تنفيذ الكثير من النشاطات في المعاهد التعليمية والثانويات والجماعات، واستمالت إلى جانبها الكثير من الكوادر التعليمية التي شكلت النخبة المقتنعة بالفكرة الإسلامية. وخلال عشر سنوات عملت الجماعة الإسلامية التونسية التي كان يتزعمّها راشد الغنوشي على إعادة بعث الشخصية التونسية على قاعدة الإسلام الحضاري والردّ على المشروع التغريبي العلماني الذي فرضه الحبيب بورقيبة فرضا على المجتمع التونسي. في حلقات التشاور التي كانت تتّم بين الغنوشي ورفاقه كان يجري الحديث عن جدوى الدعوة الإسلامية التي رفعت لواءها الجماعة الإسلامية التونسية، فهذه الأخيرة كلما أقامت لبنة في صرح مشروعها الإسلامي هدمته السلطة من خلال وسائلها الكثيرة والمتنوعة. ومن خلال حلقات التقييم كان الغنوشي ورفاقه يرون أنّ الفكرة الإسلامية وجدت طريقها بشكل ايجابي إلى الجامعات والثانويات والمعاهد التعليمية، وبناء عليه لابدّ من تأطير المؤمنين بالفكر الإسلامي في إطار تنظيم إسلامي سياسي يشرع في تغيير النظام القائم بالطرق السياسية المشروعة، ومن هنا كانت فكرة تنظيم الاتجاه الإسلامي. وكانت نتيجة علمانية بورقيبة قد أوصلت تونس إلى أزمة اقتصادية خانقة أدّت إلى إضرابات عماليّة واسعة وثورة الخبز والعديد من الاضطرابات، وأزداد الاقتصاد التونسي تبعيّة للشركات الغربية التي راحت تستبيح تونس باسم حرية الاستثمار، وفي المسألة الثقافية كانت الجامعات التونسية عرضة للصراعات الحادة بين المحسوبين على الثقافة العربية و الثقافة الفرنسية وعاشت الجامعات اضطرابات موسعة كانت تستدعي دخول رجال الشرطة والجيش إلى الحرم الجامعي. و في هذه الظروف بدأت الجماعة الإسلامية تطرح مشروعها الذي تمثلّ في:
- بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيد مهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية في إفريقيا ووضع حدّ لحالة التبعية والتغريب والضلال.
- تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتة ومقتضيات الحياة المتطورة وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وأثار التغريب.
- أن تستعيد الجماهير حقها المشروع في تقرير مصيرها بعيدا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية.
- إعادة بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة في البلاد توزيعا عادلا في ضوء المبادئ الإسلامية.
- المساهمة في بعث الكيان السياسي والحضاري للإسلام على المستوى المحلي والمغاربي والعربي والعالمي حتى يتم إنقاذ شعوبنا والبشرية جمعاء مما تردّت فيه من ضياع نفسي وحيف اجتماعي وتسلطّ دولي. و إذا كان نظام بورقيبة قد مثلّ ذروة التيار العلماني فانّ الجماعة الإسلامية كانت تمثل التيار الإسلامي البديل الذي ساهمت عوامل تاريخية وفكرية وسياسية في بروزه.

الاتجاه الإسلامي : في سنة 1981 وعلى اثر إعلان الحزب الدستوري الحاكم في تونس عن مشروع التعددية السياسية، بادر أعضاء الجماعة الإسلامية التي كان يتزعمها راشد الغنوشي إلى عقد مؤتمر عام أعلنوا في ختامه عن حلّ الجماعة الإسلامية وتأسيس حركة جديدة باسم حركة الاتجاه الإسلامي، وأنتخب راشد الغنوشي رئيسا لها وعبد الفتّاح مورو أمينا عاما لحركة الاتجاه الإسلامي، وتمّ الإعلان رسميا عن هذه الحركة في 06-06-1981، وتقدمّت هذه الحركة الجديدة بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على اعتماد رسمي، ولم تتلق هذه الحركة أيّ جواب من وزارة الداخليّة. وفي 18 تموز 1981 ألقت السلطات التونسية القبض على قيادات الحركة ليقدموا في شهر سبتمبر للمحاكمة بتهم: الانتماء إلى جمعية غير مرخص بها، النيل من كرامة رئيس الجمهورية‏، نشر أنباء كاذبة، توزيع منشورات معادية. حكم على الغنوشي ومورو بالسجن لعشر سنوات ولم يفرج عن الأول إلا في آب 1984 إثر وساطة من الوزير الأول محمد مزالي في حين أطلق سراح الثاني عام 1983. وفي أواسط العام 1987 أعيد اعتقال الغنوشي ورفقائه وحكم عليهم بالأشغال الشاقة مدى الحياة بتهمة تفجير عدد من الأماكن السياحية، لكنه حصل على عفو رئاسي بعد سنة واحدة من هذا الحكم. وتكشف المنطلقات العقائدية التي انطلقت منها حركة الاتجاه الإسلامي أنّ هذه الحركة لا تؤمن بالعنف، لا على سبيل الحكم الواقعي ولا على سبيل الحكم الثانوي، فالتغيير عندها يجب أن يتمّ وفق أسس كونية واجتماعية تضمنتها سنن التاريخ وحركته، وهذا لا يعني أن فريضة الجهاد ساقطة، لا بل لها مصاديقها ومناخاتها وضروراتها أيضا. حركة النهضة : عندما غادر راشد الغنوشي السجن بعفو من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أشرف على إحداث تغيير جذري على حركة الاتجاه الإسلامي وتمثلّ هذا التغيير في تحويل هذه الحركة إلى حزب النهضة، وصدرت التعليمات إلى مختلف الولايات والمحافظات بأنّ حزب النهضة الجديد هو حزب سياسي يملك إستراتيجية جديدة وتكتيكا مختلفا عما كانت عليه حركة الاتجاه الإسلامي، وأصدرت حركة النهضة جريدة الفجر لتكون الناطق الإعلامي والسياسي باسم حركة النهضة. وقد مرّت هذه الحركة بثلاث مراحل سياسية، مرحلة التأسيس، ومرحلة التبليغ ومرحلة المنفى والمواجهة. وفي سنة 1989 بعد سنة واحدة من إطلاق سراح راشد الغنوشي عصفت الخلافات الداخليّة بحركة النهضة وأضطرّ العديد من قيادييها إلى تقديم استقالتهم, وقد نجحت السلطة التونسية في استقطاب العديد من القياديين في حركة النهضة تماما كما نجحت السلطة الجزائرية في استقطاب عناصر قيادية في الجبهة الإسلامية للإنقاذ فمن رحم هذه الحركة تأسسّ ما يعرف بالإسلاميين التقدميين الذين انشقوا عن حركة النهضة الإسلامية وهم أحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي و زيّاد كريشان وأسسّوا تيارا ثقافيّا وعقلانيّا، كما أسسوا مجلة ( 15 – 21 ) نسبة إلى القرن الخامس عشر الهجري والواحد والعشرين الميلادي. ورغم أن حركة النهضة التي تأسسّت سنة 1988 قامت بتكييف نفسها مع الواقع السياسي الجديد إلاّ أنّها لم تحصل على الترخيص أبدا، وأستمرّ الصدام بينها وبين السلطة. وقد أصدرت حركة النهضة في هذه المرحلة جريدة الفجر وحاولت أن تدحض عن نفسها كل الشبهات والاتهامات إلاّ أنّ السلطة التونسية كانت تصّر على أن حزب النهضة غير شرعي ويعمل على قلب نظام الحكم. ولم يتحمّل قياديون في حركة النهضة هذه المحنة فغادر حركة النهضة عبد الفتّاح مورو عقب خلاف كبير مع راشد الغنوشي كما استقال من الحركة كوادر قياديون منهم الهاشمي الحامدي. وبين 1989 – 1992 اندلعت في تونس أعمال عنف جرى إثرها اعتقال العديد من القياديين في حركة النهضة ومنهم حمّادي الجبالي رئيس تحرير جريدة الفجر الإسلامية وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدّة 15 سنة وكان الجبالي بالإضافة إلى تولّيه رئاسة تحرير جريدة الفجر عضوا في المكتب السياسي لحركة النهضة. أمّا راشد الغنوشي فقد حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن المؤبّد في 28 –08-1992. وبعد إطلاق سراحه بعفو رئاسي خاص غادر تونس وتوجّه إلى الجزائر حيث واكب تطورات الساحة السياسية في الجزائر منذ تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في أيلول – سبتمبر 1989، وكانت الحكومة التونسية تطالب برأسه وأوفدت لهذا الغرض مسؤولين تونسيين رفيعي المستوى لاسترداده من الجزائر بحجّة أنّ هناك حكما قضائيّا صدر بحقّه في تونس ولم ينجح هؤلاء المسؤولون في إقناع نظرائهم الجزائريين بضرورة استرداده. وعندما تمّ اعتقال قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في 30 حزيران – يونيو 1991 طلبت السلطات الجزائرية من راشد الغنوشي أن يغادر الجزائر فتوجّه إلى السودان ومنها إلى بريطانيا حيث حصل على اللجوء السياسي وبات يقيم في العاصمة البريطانية لندن. وفي منفاه الجديد حاول أن يعيد ترتيب البيت النهضوي فنجح إلى حدّ ما في الحفاظ على الإطار السياسي للحركة الإسلامية التونسية – النهضة – وأخذ يصدر البيانات تباعا تعليقا على مستجدات الأحداث والتطورات السياسية في تونس. عاد الغنوشي إلى تونس في 23 يناير 2011 بعد الإطاحة بنظام الديكتاتور زين العابدين بن علي، وبدأ على الفور في لم شتات النهضة لتكون جاهزة لخوض غمار المرحلة المقبلة التي انفتحت فيها الآفاق، وتنسمت فيها تونس عبير ياسمين الحرية، وأطلق سراح قادتها، وتحصل على الاعتراف الرسمي بها كحزب سياسي في 1 مارس 2011 لتخوض أول انتخابات حرة ونزيهة، وتكتسح فيها الساحة السياسية بأكثر من 40% وتقود تونس بحكومة على رأسها حمادي الجبالي. ولينتقل قادتها من ظلمة الزنازين إلى بهرجة السلطة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصدر: مركز العربي للدراسات والأبحاث

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016