الصفحة الأساسية > الأخبار > الرئيس.. هل سيقع في الفخ؟

الرئيس.. هل سيقع في الفخ؟

الأحد 2 كانون الأول (ديسمبر) 2012  00:36

بقلم / م. محفوظ أحمد

توصف فترة الأربعين يوما التي أمضاها رئيس الجمهورية خارج الوطن للاستشفاء بعدة أوصاف؛ فهي كانت فترة حيرة وترقب بين صفوف الطرفين السياسيين البارزين: المعارضة والموالاة، وكانت فترة هدوء وانسجام في نظام الدولة وإداراتها المختلفة، وكانت فترة ابتلاء شخصية لرئيس الدولة واختبار لقوته السياسية، أظهرت في الواقع شجاعته وقوة رصيده الشعبي.

يزيد من قوة هذه القوة أن ولد عبد العزيز كان طوال هذه الفترة يبدو كالمغامر بمقعده ومكانته من خلال الصمت المطبق وإفساح المجال للقيل والقال، وعدم اتخاذ أي إجراءات بادية لإظهار سيطرته وإثبات وجوده؛ ليبدو الآن أنه لم يضطر للأمر. وسواء كان ذلك عن عمد أو عن عجز، فقد غذى بشكل طبيعي حقل الإشاعات وأصاب الملأ السياسي ، بكل أطيافه، بالحيرة والتخبط.

وفيما يخص المعارضة الصارخة فإن مواقفها الإنسانية كانت محمودة ومواقفها المناوئة بعد ذلك مفهومة لذوي الإنصاف.

لكن ما يهمنا في هذا المقام هو الطرف الآخر المعروف بالموالاة والذي يفضل تسمية نفسه بالأغلبية الرئاسية وهو حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والأحزاب الصغيرة والشخصيات والمبادرات التي "تزين" مجرته.

هذه المجرة السياسية التي ما فتئت تحاول تطويق ولد عبد العزيز والسيطرة على نهجه وإخضاعه بأساليبها الناعمة، هزتها فترة الأربعين يوما وكادت تفضحها.. لولا بوادر تعافي رئيس الجمهورية وظهوره الرئاسي القوي في باريس.

ظاهرة حزب الدولة

إذا تجاوزنا الطريقة المثيرة للجدل التى وصل بها السيد محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة، فإن الرجل أظهر منذ البداية نمطا جديدا من الحكم قوامه الإرادة المعلنة في القضاء على الفساد وإقامة إصلاح شامل يعيد خيرات البلد إلى خزينته العامة وتسخيرها لخدمة كافة شرائح أبنائه، والتصدي للتهديدات الداخلية والخارجية، يعززه في ذلك إدراك الواقع الموريتاني والمعرفة الدقيقة بالوضع السياسي والاجتماعي.

وفي هذا النطاق قاوم ولد عبد العزيز بقوة مظاهر الزبونية وإغراءات المجاملة والتملق التي كانت تحيط بكل نظام.. ولهذا بدا كمن يتحفظ بشدة على إقامة حزب الدولة.

لكن الضغوط ظلت تتراكم عليه من الأنصار والمتملقين الذين نجحوا في في النهاية في إنشاء "كيانهم" الذي لا يستغنون عنه منذ حزب الشعب الموريتاني، ومن ثم حاول ولد عبد العزيز وضع شروط وقائية من هيمنة حزب أنصاره (حزب الاتحاد من أجل الجمهورية) مثل الاستثناء من الدعم المالي، والعزوف عن طقوس التقديس وكرنفالات التمجيد، والسماح بقدر ملحوظ من احترام حريات التعبير والحقوق والصحافة.

لكن حزب UPR، الذي ينتمي إليه الأنصار والطامعون والطامحون والذين جُبلوا على تأييد السلطة والسير في ركابها أيا كان رأسها، معلقة قلوبُ أصحابه بأن يكون حزب الدولة الحاكم ـ فعلا ـ بأهوائهم وهواياتهم، وهو مرمًى يحثون الخطى نحوه.

وفي فترة الأربعين يوما حدث لهؤلاء "الأنصار" من الهرج والمرج والحرج أحيانا ما لم يخف على أحد. وعن همسات بعضهم حول ما حدث للرئيس وما قد يحدث له، مما لا يتمناه إلا أعداؤه، تحدث الكثيرون. بل يمكن القول إن كثيرا منهم ضالعون في بث الشائعات السلبية عن حال صحة الرئيس.

لكن ما أسعف هؤلاء وأسعدهم، بطريقة أخرى، هو ظهور الرئيس والتأكد من الاستعداد لاستقباله.. هذا الاستعداد لم يكن لهم طوق النجاة فحسب بل جاء مناسبة سعيدة ليكشف هؤلاء المتملقون والمتزلفون خبرتهم العتيدة ومعدنهم الصلب في التلون والمرونة وإظهار "حاجة" النظام إليهم وتضخيم الخلة التي يسدونها في "معركته" مع معارضةٍ يودون لو أن سهامها أشد حدة ومواقفها أكثر قسوة!.

فجأة اندلعت شعلة النشاط والحماس و"الإخلاص" في أوساط هذا "الـﮕالاكسي" بحزبها وحُزيباتها وشخصياتها ومبادراتها.. تتبارى في تقديم الولاء والبرهنة على قوة النفوذ وتمحيض الحب للنظام ورأسه.. فانبجست منابع المال تطبع الصور وتنشر الإعلانات وتؤجر وسائل النقل المتنوعة.. وتطلق ألسن الولاء وأقلام الثناء عبر كافة وسائل الإعلام بتابعها ومناوئها ومستقلها..

وليس ذلك فحسب بل وجدتها فرصة استراتيجية لنصب الفخ أمام الرئيس لاحتوائه والتأثير على سياساته، و"تنويمه" بأساليب طالما تحفظ منها. . حتى يستسلم في النهاية ويقول لنفسه: هذا هو حال الشعب الموريتاني لا تستقيم دولته إلا على حرف من النفاق والاستغلال .. ولا بد من غض الطرف عن قدر من "المفسدين" البارعين في قيادة المغفلين ومقارعة الشانئين!.

وهكذا استغل هؤلاء "الجمهوريون" اللحظة الإنسانية والفرصة السياسية لتجاوز الأساليب التقليدية التي مردوا عليها، كإحضار الحشود وتوزيع الصور واللافتات وتدبيج القصائد والمقالات وتنظيم الحفلات، إلى خلق الأعداء والتهويل من خطورتهم .. ومن ثم مهاجمتهم والتصدي لهم "دفاعا عن فخامة الرئيس". ومن هنا ظهرت لأول مرة في البلاد حالة التهجم المادي السافر على الخصوم.. وهي سابقة ممقوتة وخطيرة جدا.

إنهم ببساطة يحاولون استعادة نهجهم القديم في لبس لامة حرب غير موجودة والتصدي لأعداء هم في الغالب من يخلقهم ويستفزهم!.

إنها نفس الأساليب ونفس الأصوات ونفس المضامين.. بل نفس الوجوه، وكأننا قبل عقد من يومنا.. فهل سيفطن الرئيس ويصمد، أم سيستسلم لليأس والاحباط.. أم يحدث الأسوأ ويقع فخامته في فخ "العظمة والطغيان" السحري الذي ينصبه هؤلاء "الأغلبية الموالون" لكل حاكم للقضاء عليه في النهاية واحتناك آخر جديد؟!.

من تاريخ الاستقبالات

أخيرا إليكم هذه القصة:

اقترح وزير داخلية دولة "شايا" وكبير وزرائها على الرئيس أن يدعو امبراطور دولة "تايا" لزيارة رسمية. فدولة "تايا" غنية ومتطورة ولها صيت ذائع.. ومن شأن زيارة زعيمها أن ترفع من شأن البلد ونظامه ومن شأن الرئيس نفسه.

اقتنع الرئيس بالفكرة وسلم وزيره الأثير مليونا (1,000,000) من النقود اقتطعه من ميزانية "شايا" الهزيلة لاستقبال امبراطور "تايا" بما يليق من الجلال والحفاوة.

استدعى كبيرُ الوزراء مساعدَه الأول وأعلمه بالسر الخطير وهو زيارة الامبراطور وما يتطلبه الأمر من تنظيم استقبال مناسب، موضحا أن الدولة ستتولى كافة نفقات ومصاريف الاستقبال.. وسلمه مبلغ (600000) قال إن الرئيس شخصيا خصصها لهذا الأمر الهام.

ابتهج مساعد الوزير واستدعى على الفور والي المدينة وأعلمه بالأمر وضرورة أن يلقى الامبراطور استقبالا يرضي الرئيس ويرفع شأن البلد، وسلمه مبلغ (400000) قال إن الدولة قررت تخصيصه للاحتفال حتى لا يكون هناك أي مبرر للتقصير.

خرج الوالي مشمرا عن ساعد الجد واجتمع بحاكم المدينة وأبلغه "سر الدولة" وهو زيارة الامبراطور.. وسلمه مبلغ (200000) قال إن الدولة رصدته للاحتفاء بالامبراطور وتخصيص استقبال سيكون له ما بعده على الجميع وخاصة على الحاكم نفسه؛ إما ترقية وإما تنحية!.

خرج الحاكم مشغولا بالأمر.. واستدعى على الفور عمدة المدينة وأعلمه بأمر الزيارة العظيم وأنذره بأن أي تقصير في الاحتفال بضيف فخامة الرئيس لن يلحق العار بالمدينة وشعبها فقط وإنما سوف يعرضه هو للمساءلة.. وأردف يقول: لأن الأمر خطير فقد خصصت الدولة من ميزانيتها مبلغ (100000) للمساعدة في تكاليف الاحتفال الذي هو مناط بالجميع وواجب الشعب قبل الدولة.

خرج العمدة مستعجلا وحشر إليه الوجهاء وشيوخ الأسر في المدينة.. وأبلغهم بالأمر الجلل فقال: بعد يومين سيزور امبراطور "تايا" مدينتنا بدعوة كريمة من فخامة الرئيس.. وعلينا أن ننتهز هذه الفرصة لنتناسى مشاكلنا وخلافاتنا.. ونرفع شأن بلدنا ونظهر ما عرفنا به من الكرم وحسن الضيافة. على كل واحد منكم أن يتبرع بما يستطيع التبرع به من المال وأن يجمع ما في حيه من أفضل الأثاث وأطيب الأطعمة.. فهذا أمر يتعلق بكرامتنا وقيمنا الأخلاقية الأصيلة، والدولة ليست معنية بهذا المستوى فليس من واجبها تمويل مثل هذه الأمور التي تتركها لكرم وأصالة الشعب ووطنية أبنائه.. ومن يتأخر أو يقصر لأي سبب فسيكون "معروفا" ومنبوذا.. إنه الامتحان وفيه يكرم المرء او يهان!

خرج الوجهاء والشيوخ مذعورين وبدأوا في قرع بيوت الناس.

وفي اليوم الموعود كان الأهالي قد جمعوا من المال والأثاث والذبائح ما أبهر العيون وحير الذهون.. وخرجوا عن بكرة أبيهم لاستقبال الضيف الخطير ووفده الكبير.. حتى أن الرئيس حين رأى ذلك أثنى على وزيره وثمَّن استقامته وحسن تدبيره لمبلغ المليون الذي ما كان له أن يغطي كل هذه النفقات لولا عفة وكفاءة الوزير وسلطات الإدارة.. فاستحقوا بذلك ثناءه وتوشيحه مع المكافأة والترقية.

وأثناء الاحتفال صادف مرورُ أحد السياسيين المعارضين رؤيةَ أبنائه وهم يخدمون الضيوف في الاحتفال وقد أخذ منهم الجد والتعب مأخذه. فتوجه فورا إلى منزله غاضبا ليستجليَ الأمر من زوجته ويؤنبها إن لزم الأمر.

لكن المعارض فوجئ حين دخل بيته بأنه خال من الأثاث والفراش، فظن أن منزله تعرض للسطو وقال لزوجته، وقد نسي للحظة أمر أبنائه: فعلها اللصوص! وأين كنتم؟ هل أخذوا كل شيء؟!

قالت الزوجة: لا، بل الأثاث أعطيناه للدولة للمساهمة في الاحتفال بضيف الوطن الكبير كما فعل جميع أهل الحارة.. والأولاد التحقوا بأصحابهم في الخدمة هناك .. هل تريد أن نكون أقل شأنا من جيراننا.. أو أن نعيـَّر بالبخل وعدم الوطنية؟!.

(مع الاعتذار للفنان ياسر العظمة).

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016