الصفحة الأساسية > آراء حرة > مسعود...كبوة جواد أم أفول نجم / عبد الرحمن ولد أعبيد

مسعود...كبوة جواد أم أفول نجم / عبد الرحمن ولد أعبيد

الخميس 8 كانون الأول (ديسمبر) 2011  02:01

غريب هو أمر نخبتنا السياسية ,قصور في النظر, واختلال في ترتيب الأولويات. ما إن يلوح أمل في الأفق إلا وتبدد بفعل أحد القادة السياسيين وكأن قدر هذا الشعب أن يرزح تحت الدكتاتورية وما إن يضيق عليها الخناق حتي يقيض الله لها من يقدم لها طوق النجاة في تبادل للأدوار محير لكي لا أقول مريب.

المواقف الخطأ

ففي 2007 وفي الوقت الذي اشرأبت أعناق كل الموريتانيين, بل كل أحرار العالم إلي الفجر الديمقراطي الذي انبلج في موريتانيا, وأن الشعب الموريتاني طوي حكم الفرد إلي الأبد, لما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية والبلدية من سقوط بارونات للفساد وفرز برلمان ومجالس محلية بكل ألوان الطيف السياسي, لكن ما يدمي القلب هو تفويت تلك الفرصة بسبب موقف أحد أهم أقطاب المعارضة الرئيس مسعود ولد بلخير والذي أقل ما يقال عنه أنه موقف خاطئ إذ كانت فرصة حقيقية للقطيعة مع ثلاثين سنة من حكم العسكر وذباب السلطة الذي يتجمع حول كل من تغلب, كانت فرصة لاستعادة الشعب لإرادته التي صودرت منذ تأسيس الدولة, أهلك فيها العسكر الحرث والنسل, داس فيها علي كل شيء بأحذيته الخشنة, وفتت النسيج الاجتماعي لهذا الشعب الطيب, عملا بفرق تسد.

ذلك الموقف لم يكن مبررا علي الإطلاق, إذ أنه كان بإمكان الرئيس مسعود أن يبقي وفيا لخطه النضالي حتى وإن اختلف مع شخص أحمد ولد داداه (مرشح المعارضة في الشوط الثاني آنذاك), حتى وإن اضطر إلي الجلوس علي مقاعد المعارضة مجددا, لأن مصلحة الوطن تقتضي ذلك في تلك اللحظة التاريخية, ولأن ترتيب الأولويات يقتضي ترسيخ الديمقراطية وإقناع الشعب الموريتاني بأنه يمكنه بل يجب عليه أن يأخذ مصيره بيده, وحينها يمكن للرئيس مسعود أن يتطلع للأفضل وسيكون رجل المرحلة بامتياز, لأن إسقاط مدني عن طريق صناديق الاقتراع, أسهل بكثير من إزاحة عسكري يخوف بالسلاح ويرغب بتبديد المال العام, حينئذ سيكون للصراعات الحزبية وحتي الشخصية معنا عندما تؤسس دولة الديمقراطية والقانون, دولة العدل والمؤسسات, دولة المواطنة لا دولة الأفراد. بالرغم من كلما تقدم كنت حينها من أشد المدافعين عن موقف الرجل, واعتباره لا يعدو اجتهادا سياسيا, قد يكون خاطئا لكنه لا يمكن أبدا أن يأخذ بعدا شخصيا ,وذلك لما كنت أتوسم في الرجل من خير وحرص علي الوطن, وبالتالي من بعد نظر لا يمكن لصاحبه أن ينتصر لنفسه مهما كانت الدوافع.

بعد انقلاب أغسطس 2008 كان مسعود هذه المرة علي موعد مع التاريخ, ليغسل درن خطيئته السابقة ويعيد الأمل إلي محبيه, ويفند دعاية المشككين, وفي المقابل يرتكب الرئيس احمد ولد داداه حماقة سياسية قاتلة, باعترافه بالانقلاب واعتباره حركة تصحيحية, في ردة فعل لا تتناسب مع زعيم للمعارضة الديمقراطية, فلو كان الرجل لديه القليل من الحنكة السياسية لكان اصطاد عصفورين بحجر واحد, خلصه العسكر ممن يعتبر أنه "انتزع حقه", ويرفض الانقلابيين ويصطف مع مناهضي الانقلاب, فالمسألة هنا مسألة بقاء الدولة واحترام إرادة الشعب ويجب أن تكون أكبر من الحسابات الحزبية والشخصية الضيقة خاصة ممن يناضل من أجل الديمقراطية, لكنه وللأسف وقع في الفخ الذي نصب له ودفع الثمن وسيدفعه غاليا من رصيده السياسي, بينما خرج مسعود من التصنيف العرقي الضيق إلي رجل وطن, تحمله كل مكونات موريتانيا علي أكتافها, وتهتف باسمه باعتباره المنقذ والمخلص من الوضع الذي يترنح فيه الوطن.

الانتكاسة...

بعد مضي ثلاث سنوات علي حكم محمد ولد عبد العزيز, وظهور نظامه علي حقيقته وتبخر كل وعوده البراقة وتسارع خطاه نحو ترسيخ نظام أحادي فاسد متسلط, فلقد انتشر الفساد بشكل غير مسبوق بكل أنواعه, بدء بالمحسوبية والمحاباة, مرورا بصفقات التراضي, وليس انتهاء بالتلاعب بالميزانيات من خلال التعديلات المتلاحقة والغير مبررة , وعمليات النهب المنظم للثروات الوطنية واتفاقية الصيد الأخيرة خير دليل علي ذلك وتعيين أمعيين علي الهيئات الرقابية, ليكونوا أدوات طيعة في يد النظام يأتمرون بأمره وينتهون بنواهيه, في خرق واضح للدور المنتظر من هذه الهيئات, التي ينبغي أن تكون مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية لكي تستطيع أن تطلع بدورها الرقابي كاملا غير منقوص, وفي المجال الحقوقي تم إخضاع القضاء واستغلاله كأداة لتصفية الحسابات ضد الخصوم السياسيين فقضية ولد الوقف وبيجل خير دليل علي ذلك, ما إن دخلا بيت الطاعة حتى طويت ملفاتهم وأصبحوا من المصلحين, شيوع الحبس التعسفي دون محاكمات (احمد ولد خطري ومحمد الأمين ولد الدادة و ملاي العربي) التضييق علي الحقوقيين وسجنهم بدل تكريمهم علي مساعدة الدولة علي تطبيق القانون الذي أجمع عليه نواب الشعب بمختلف انتماءاتهم السياسية والعرقية والجهوية, غلق الإعلام العمومي أمام الآراء المعارضة, وعودة الأصوات المبحوحة للشاشة, وهجرة الطاقات الشابة التي شكلت عامل جذب للمشاهدين والمستمعين خلال السنوات الأخيرة (2005-2008) التي رفعت فيها يد السلطة التنفيذية عن الإعلام, ضف إلي ذلك إعادة الاعتبار إلي كل رموز الفساد في فترة ولد الطائع, العودة لإحياء القبلية والجهوية والعرقية من خلال تشجيع المبادرات في هذا المجال (جولة بعثات حزب العسكر الأخيرة), التدخل المباشر للرئيس وأعوانه من الأمن, عسكريين ومدنيين في اختيار هيئات وممثلي مؤسسات المجتمع المدني, ومحاولة تفتيتها حتى ولو استدعي ذلك إثارة النعرات العرقية, المهم أن يظل هو مسيطرا ولو علي بحر من الدماء, وحادثة الجامعة ليست منا ببعيدة, ليكرم بعدها منفذوا ذلك المخطط الخبيث والغير وطني بالترقية , محاولة شق صف إيرا وزرع الخلافات في حزب التحالف الشعبي التقدمي وضرب بعضه ببعض.

حرق المراكب

بعد اتضاح ملامح النظام وأهدافه, وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن المطحون بغلاء المعيشة وشح الموارد أن تتضافر كل الجهود لإسقاط هذا النظام, وبناء موريتانيا علي أسس سليمة قوامها العدل والإنصاف والمساواة, يأخذ مسعود من جديد الموقف الخطأ ويقدم نفسه طوق نجاة لنظام يغرق بفعل سياساته الارتجالية, وبدائية تفكيره ويصبح ملكيا أكثر من الملك.

سيدي الرئيس,

لو أتي موقفك هذا بعد الانتخابات مباشرة, لكان متفهما بل وطنيا لا غبار عليه, ومنصفا في إعطاء النظام فرصة لتجسيد شعاراته علي الأرض, أما وقد مضت علي حكم محمد ولد عبد العزيز 3 سنوات عجاف, لم يعد هناك من يشك أنه مفسد لا أمل في أن يصل, دكتاتور متجبر, كذوب ظلوم, تريد أن تقنعنا اليوم بأن دافعك هو مصلحة الوطن, استقرار الوطن, متي استقرت الأوطان علي الظلم والحيف ومصادرة الحريات؟ أمازلت تثق في تعهدات محمد ولد عبد العزيز وهو الذي كذب علي الشعب الموريتاني وأمام الشهود مرات (اتفاق بروكسل 2005, اتفاق دكار 2009) وعلي الأفراد غير ما مرة.

سيدي الرئيس,

أقول لك وأعرف أنك تعرف ذلك, لن يفي محمد ولد عبد العزيز بتعهداته لك وكل المؤشرات تدل علي ذلك, ففي حفل التوقيع علي الاتفاق الذي وقع بينكما, جرمتم الانقلابات وأشاد هو بها وممثله في الحوار, في احتقار واضح لمحاوريه, ثم بعد ذلك أعلن حزبه بأن كل ما اتفقتم عليه يندرج في برنامج رئيس الجمهورية! معناه أنكم لم تأتوا بجديد, سوي أنكم أقررت بسلامة نهجه هو الذي طالما شككتم فيه ووصفتموه بأسوأ الأوصاف حتى قبل تأديته لليمين الدستورية أيام –الباء الطائرة- تري أنصدقكم بأهمية النتائج التي لم تكن سوي نقاط في برنامج سيادته, وبالتالي ضيعتم ثلاث سنوات من عمر البلاد في الإنكار والمغالبة مع سبق الإصرار؟

لاشك أن الرجل لديه عليكم أوراق ضغط, من قبيل بث الفرقة في الحزب والتلويح بملف الفساد في الجمعية الوطنية, لكن هل تعتقدون أن تلك الأوراق سيجعلها في الدولاب بمجرد الارتماء في أحضانه, أم أنها أصبحت اليوم أكثر فاعلية ومصداقية, فبمجرد التململ لا أقول التراجع, سيعيدها من جديد للواجهة وهذه المرة ستكون لها معنا, فبالرغم من مساندته لي وتهجمه علي خصومي, ها أنا أزج به في السجن حتى يعيد للشعب الموريتاني أمواله, حينها سيصطاد عصفورين بحجر واحد, الأول تنحية خصم سياسي كان يشكل بالنسبة له تحدي –مع أن هذا وللأسف حصل بفعل هذا الموقف الغير موفق- والثاني تقديم نفسه كما لو كان جادا في محاربة الفساد. أما وقد فعلت فعلتك تلك, ألم يسعك ما وسع حزب العسكر وقادته؟ قادوا حملتهم الدعائية دون سب أحد أو النيل منه, فلم تحرق أنت مراكبك؟ يؤلمني سيدي الرئيس, أن تنسي نفسك بعد أن بلغت من العمر عتيا, وتنزل بها لدرجة الهتاف باسم أي شخص, أحري خصم سياسي في موقف قوة, أتمني من كل قلبي أن تكون تلك كبوة جواد, وأن تكون لديك الشجاعة أن تتراجع عندما تتأكد من أن ما ترائي لك كان سرابا بقيعة وأن لا تستسلم للانسداد النفسي, لكي لا تكون هذه بداية أفول نجم, طالما علقنا عليه آملا كبيرة.

عبد الرحمن ولد أعبيد الطواري

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016