الصفحة الأساسية > تحاليل > وأحرق المتطرفون الكتب مرة أخرى

وأحرق المتطرفون الكتب مرة أخرى

الجمعة 1 شباط (فبراير) 2013  02:32

من المؤسف أن إحراق الكتب والمكتبات ليس بالأمر الجديد على التاريخ الاسلامي، فقد شهد ذلك التاريخ عمليات كبيرة لحرق مكتبات مركزية تعد ملايين الكتب، وكان الحكام والفقهاء المتشددون من المسلمين هم أصحاب الفضل الكبير في إحراق وإتلاف تلك الكتب، وتعرض الكِتاب الى محنة كبيرة من خلال حرقه وتدمير مراكز تواجده، وملاحقة مؤلفيه ومضايقتهم والتنكيل بهم وقتلهم. وقد تعددت وسائل التخلص من الكتب من خلال حرقها أو دفنها أو رميها، وكانت الأسباب الحقيقية وراء ذلك هي الخوف من اقتناء الكتب في بعض العصور باعتبارها محرمة وممنوعة وخاصة كتب الفلسفة وعلم الكلام والكتب العلمية التي يلاحق أو يسجن أو يقتل من كان يقتنيها.

في شمال مالي وتحديدا في مدينة تمبكتو قامت المجموعات الجهادية المتطرفة بإحراق بعض الكتب والوثائق في مكتبة العالم المتصوف أحمد بابا التنبكتي، آلاف الكتب تم القضاء عليها قبل أن تلوذ تلك المجموعات بالفرار جراء القدوم الفرنسي بدون أن تطلق رصاصة على الفرنسيين ولكنها أطلقت نارها على تاريخ شعب ومنطقة بأكملها ، وكعادة هذه الجماعات الوهابية فإن العلم هو خصمها الأول والتصوف في المنطقة هو شاغلها والسد الذي حال بينها وتحقيق مشروعها، إن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فإن هذه ليست المرة الأولى في تاريخنا المعاصر التي تقوم هذه الجماعات المتطرفة بتدمير التراث الإنساني ، فقد فعلتها طالبان في سنة 2001 بتفجيرها لتمثالين عملاقين لبوذا يعودان الى القرن السابع ميلادي وأماكن تاريخيه فيها أبنية عمرها 3 آلاف عام ، ومن تدمير أضرحة المتصوفة في ليبيا وتونس ودعوة السلفيين الى تدمير تمثال أبو الهول في مصر وآخرها وليس آخرا فان حكومة حماس أحرقت قصص (قول يا طير) التي أحبها الاطفال الفلسطينيين.

أما تاريخيا فحدث ولا حرج ، فمن سنة 82 هـ منتهيا بسنة 913 هـ شهد التاريخ الإسلامي حرق هائل للمكتبات والتخلص من مؤلفيها ، كان حرق الكتب سائدا بحجج الزندقة وكانت صفة تلصق لتبرير قتل المناهضين للخليفة أو المخالفين لفقهاء السلطة آنذاك ، وتم تدمير المكتبات الرئيسية التي تأسست في العصور العباسية والفاطمية والأندلسية بشكل مفجع أدى إلى ضياع الملايين من الكتب ، فلم يكن مصير «دار العلم» بالقاهرة أفضل من مصير «بيت الحكمة» في بغداد، وكانت تعد أضخم مكتبة عرفها التاريخ الإسلامي، وقد ذكرت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب» مقتنيات المكتبة بقولها: «وفي القاهرة رتب مئات العمال والفنيين في مكتبتي الخليفة مليونين ومئتي ألف من المجلدات». وقدر شوشتري مقتنيات المكتبة في كتابه «مختصر الثقافة الإسلامية» بثلاثة ملاين مجلد، وقد قضي على هذه المكتبة وضاعت كتبها في عهد صلاح الدين الأيوبي حيث تذكر ذلك العديد من المصادر ومن بينها ما ذكره القلقشندي وأكده المقريزي بقوله: «في عهد صلاح الدين قضي على خزائن مكتبات الفاطميين وتشتت ما تبقى من كتبها بيعاً على تجار الكتب وعطاء لبعض العلماء والقضاة فضلاً عما أهداه صلاح الدين للمقربين إليه ،وحدد لبيع الكتب يومين كل أسبوع واستمر عشر سنوات تولى تجار الكتب والدلالون مهمة البيع تحت أمرة قراقوش ، ومن بين المكتبات الخاصة التي تم حرقها على أيدي بعض الحكام العرب المسلمين آنذاك ثلاث مكتبات احتوت كل منها على أكثر من عشرة آلاف كتاب هي: مكتبة ابن حزم الأندلسي، ومكتبة سابور، ومكتبة عبدالسلام بن عبدالقادر البغدادي المدعو بالركن (انظر كتاب "حرق الكتب في التراث العربي" للكاتب ناصر الحزيمي ، وبحث منصور محمد سرحان صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3596 - الخميس 12 يوليو 2012م الموافق 22 شعبان 1433هـ) .

ويذكر ابن خلدون أن السلطان محمود الغزنوي لما فتح الري وغيرها سنة 420 هـ قام بقتل الباطنة ونفى المعتزلة وأحرق كتب الفلاسفة والاعتزال، واستخرج كتب علوم الأوائل وعلم الكلام من مكتبة الصاحب بن عباد وأمر بإحراقها.

وفي زمن الموحدين جرى اضطهاد المؤلفين ممن كتبوا في علم المذهب والفقه وأحرقت كتبهم، حيث يروي صاحب «المعجب» باعتباره شاهد عيان على حرق الكتب بقوله: "وفي أيامه – أي أيام محمد بن تومرت – انقطع علم الفروع وخافه الفقهاء، وأمر بإحراق كتب المذهب، فأحرق منها جملة في سائر البلاد، وقد شهدت ذلك وأنا بمدينة فاس يؤتي منها بالأحمال فتوضع ويطلق فيها النار".

وتعهد المنصور الموحدي (في القرن السادس الهجري) ألا يترك شيئاً من كتب المنطق والحكمة باقياً في بلاده، وأباد كثيراً منها بإحراقها بالنار.

وتم حرق الكتب بحجج الزندقة باعتناق الموروث المانوي في الثقافة الفارسية والالحاد وقد عرض الكتاب بعضا منها موقف الخليفة العباسي المهدي الشديد التعصب نحو المانويين، اتهمهم بالزنادقة فقتلهم وإتلف كتبهم، ولم يقبل منهم التوبة، كما اتهم بعض مفكريهم بالزندقة فقتلهم وحرق كتبهم، وقد ذكر ابن الجوزي في كتابه (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) ايضا (وفي نصف رمضان أحرق على باب العامة صورة ماني وأربعة أعدال من كتب الزنادقة).

كل ماذكرناه ليس سوى غيض من فيض مما حدث في العهود الماضية وهو مجرد استدلال لإثبات أن ثقافة الاقصاء والاستأصال وحرق الكتب ليست بالجديدة ولا الوافدة علينا فقد كان لدينا دائما متطرفين ،والجماعات المتطرفة التي نتحدث عنها في هذا المقال هي من قامت في وقت سابق بتدمير أضرحة الأولياء المتصوفة وباقتحام مسجد سيدي يحي التاريخي ومحاولة تدمير بوابته المقدسة أمام بعض الشهود الذين أجهشوا بالبكاء عندما رأوا مشهد التدمير ، كل ذلك ومازال بيننا من يستغرب عندما تقوم تلك الجماعات بإحراق الكتب معتبرا أن مشروعها لا يتناسب وهذا الفعل ،ويتهم فرنسا والغرب الصليبي بذلك بينما الماضي الاحتلالي الفرنسي الذي دام أكثر من ستين سنة لمنطقة أزواد لم يشهد عمليات حرق ولا إتلاف للكتب ، باستثناء بعض عمليات السرقة لبعض الكتب قام بها أفراد ، ورغم ذلك هذه الكتب متوفرة الآن حتى على الانترنت، عكس كتب حرقت ووثائق اختفت، واتهموا فرنسا ومالي أنهما يريدان قطع صلة المنطقة بتاريخها الإسلامي والعربي!! ولم يوضح هؤلاء مصلحة فرنسا ومالي من ذلك الآن رغم أن فرنسا احتلت المنطقة في زمن تستطيع أن تقوم بذلك بكل بساطة وبدون رائحة ولادخان، ومالي وهي الدولة المركزية المسيطرة كان بإمكانها الأمر ذاته فلماذا لم يحدث ذلك قبل الآن؟.

للإتصال: mdowmane20@yahoo.fr

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016