الصفحة الأساسية > آراء حرة > لا للزج بالعدالة لتصفية الحسابات السياسية

لا للزج بالعدالة لتصفية الحسابات السياسية

الاثنين 11 شباط (فبراير) 2013  08:50

محمد ولد الدباغ

في وقت متأخر من ليلة الأربعاء 6 على 7/02/2013 تمت إحالة الأستاذ محمد ولد الدباغ إلى السجن من قبل قاضي التحقيق الذي استدعي خصيصا لهذا الغرض.

ويأتي هذا الإيداع على خلفية الضغوط الكثيرة التي تمارس هذه الأيام على رجل الأعمال الشهير محمد ولد بوعماتو، الذي سبق وأن وشحه رئيس الجمهورية الحالي أبان زجه برجال الأعمال النافذين في غياهب السجن سنة 2011، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على صدق المقولة الشهيرة التي تتحدث عن الثيران الأربعة الذين أكلهم الأسد تباعا بعد أن نجح في بث الفرقة بينهم والتفرد بهم واحدا تلوى الآخر، ويبدو أن خصوم رجال الأعمال في السنوات الأخيرة يجيدون هذه اللعبة ويستخدمونها بمهارة.

إن الزج بولد الدباغ في السجن وإرهاق كاهل مؤسسات بوعماتو بالضرائب المجحفة أظهر الوجه الحقيق للصراع الخفي الدائر منذ فترة بين رأس السلطة في البلاد وحليفه السابق رجل الأعمال المتنفذ محمد ولد بوعماتو الذي وقف إلى جانبه في أحلك الظروف حتى خرج من أزمة الانقلاب الأخير على سيدي ولد الشيخ عبد الله وأجلسه أو جلس بمساعدته السياسية والاقتصادية والاجتماعية على كرسي الرئاسة.

لاشك أن ولد بوعماتو كان يتوقع من حليفه السابق على أقل تقدير الاعتراف له بهذا الجميل خاصة وأن هذا الجميل مقدم لمن يفترض فيه الكرم، وقدما قالت العرب:

إذا أكرمت الكريم ملكته ... ، ولكن الذي حصل هو المضايقات التي جعلت الرجل يترك البلاد مفضلا الغربة على البقاء فيها.

وقد بلغت هذه المضايقات ذروتها بإيداع العقل المدبر لأنشطته التجارية في موريتانيا وخارجها السجن بغية شل حركة أعماله التجارية.

وقد تزامن ذلك تقريبا مع سلسلة من الضرائب فاقت تصور الرجل ومؤسساته المالية يكفي للتدليل على إجحافها أن بنكه GBM طلب منه تسديد أكثر من 1,5 مليار أوقية من أصل 3,4 مليار أوقية طالبت الضرائب اثنى عشر مصرفا موريتانيا بدفعها طبقا لما جاء في جريدة صدى الأحداث في عددها رقم 827 الصادر يوم الخمس الموافق 07/02/2013.

إن الزج بمحمد ولد الدباغ في السجن وإلصاقه بتهم لا صلة له بها أمر في غاية الخطورة لما يمثله من انتهاك صارخ وفاضح للقانون، فالتهم المسنودة إليه رغم تعددها وتعدد المواد التي تم تطويعها للالتفاف على القانون من خلاها لا تنطبق واحدة منها عليه، ذلك لأن المادة 1450 من مدونة التجارة التي تتحدث عن التفالس تنص على أنه: "يدان بالتفالس، في حال افتتاح إجراء المعالجة، الأشخاص المشار إليهم في المادة 1432 الذين تبين أنهم ارتكبوا أحد الأفعال التالية:

1- قاموا إما بعمليات شراء قصد البيع بثمن أقل من السعر الجاري أو لجؤوا إلى وسائل مجحفة قصد الحصول على أموال بغية تجنب او تأخير فتح مسطرة المعالجة.

2- اختلسوا أو أخفوا كلا أو جزءا من أصول المدين.

3- قاموا تدليسا بالزيادة في خصوم المدين.

4- قاموا بمسك حسابات وهمية أو أخفوا وثائق حسابية للمؤسسة أو الشركة أو امتنعوا عن مسك أية حسابات رغم أن القانون يفرض ذلك".

أما المادة 1432 التي أحالت إليها المادة 1450 فهي تنص على أنه: "تطبق مقتضيات هذا الفصل على المسيرين القانونيين أو الفعليين لشخص معنوي منتم إلى القانون الخاص وذي نشاط اقتصادي تفتح في مواجهته مسطرة للتسوية القضائية، وتعني كذلك كل الأشخاص الطبيعيين الممثلين الدائمين لمسيري الأشخاص المعنوية".

فهل يا ترى ولد الدباغ كان مسيرا لهذه الشركة حتى ينطبق عليه نص المادة 1432 التي أحالت إليها المادة 1450؟

وهل قام بعمليات شراء قصد البيع أو قام باختلاس أو تدليس أو مسك حسابات وهمية؟

الجواب في كل ذلك هو بالنفي، فلا هو كان مسيرا لهذه الشركة حتى تنطبق عليه المادة 1432 ولا هو قام باختلاس أو تدليس أو مسك حسابات وهمية حتى تنطبق عليه المادة 1450 وتطبق عليه من ثم العقوبات الواردة في المواد: 1451، 1452، 1453 المشار إليها في عريضة الاتهام.

بل إن دوره في هذه الشركة اقتصر على تعيينه رئيسا لمجلس إدارتها في الشهور الأخيرة قبل إفلاسها ولم يعقد من الاجتماعات سوى ثلاث اجتماعات رفض خلالها التصديق على ميزانية الشركة رغم التقارير التي قدمت إليه من طرف مديريها والتي تتحدث عن أرباح متوقعة تتراوح ما بين 2 إلى 3 مليون دولار.

إن اتهام ولد الدباغ نائب رئيس مجموعة بوعماتو هو في حد ذاته اتهام لهذا الأخير الذي كان يملك ثاني حصة في شركة موريتانيا للطيران أرويز 39 في المائة حسب تصريح ولد الدباغ أمام النيابة، وليس من العقل ولا من المنطق أن يسعى المرء ما دام يتمتع بقواه العقلية إلى تخريب بيته بنفسه خاصة إذا كان هذا المرء شخصية معروفة بالذكاء وعدم التهور كرجل الأعمال محمد ولد بوعماتو أو نائبه محمد ولد الدباغ.

إن مجموعة بوعماتو قد كبدتها موريتانيا أرويز فضلا عن حصتها المساهمة بها في رأس مالها 7 ملايين دولار 5 منها تم إقراضها لها عند بداية نشاطها و2 تم إقراضهما للشركة التونسية الأم التي تمتلك نسبة 51 في المائة من رأس مال أرويز على أن يتم تسديدهما بالأوقية بواسطة موريتانيا ارويز، وقد تم تقديم القرضين من بنك GBM المملوك لولد بوعماتو.

إن رائحة التسييس تفوح من هذه القضية ومن جميع المضايقات التي تتعرض لها مجموعة بوعماتو بدءا بمصنع الاسمنت مرورا بماتل وGBM وما صاحب ذلك من ضرائب غير متوازنة ومجحفة، وسحب المؤسسات الحكومية دفعة واحدة لأرصدتها دون سابق إنذار ودون أدنى مبرر قانوني، وتجميد حسابات المجموعة في البنك المركزي بطريقة تعسفية وغير قانونية انتهاء بزج نائب رئيسها وعقلها المدبر بعد مالكها في ظلمات السجن لا لجريمة اقترفها وإنما لأنه شهم ووفي يقدر الشهامة والوفاء ولا يعض اليد التي امتدت له بالخير ولا يدير ظهره لمن ساعده ووقف إلى جانبه في الأيام الصعبة.

إن تمسك ولد الدباغ بولد بوعماتو انطلاقا من مبادئه وقيمه جعله يدفع أغلى ما يملك ألا وهو حريته التي تم تقييدها في التاريخ المبين أعلاه لكن براءته ستظهر للجميع بإذن الله وسيتم الدفاع عنه بأحسن طريقة من قبل لفيف من خيرة أساتذة القانون المستقلين الذين يسعون إلى إظهار الحق ومؤازرة المظلومين لإيمانهم الصادق بأن الظلم ظلمات يوم القيامة يجب رفعه ومحاربته بشتى الوسائل السلمية، ونحن وإن كنا واثقون من براءة ولد الدباغ وأنه في النهاية سيستعيد حريته إلا أننا كنا نتمنى أن لا يستخدم السياسيون مرفق القضاء لتصفية حساباتهم السياسية وضغائنهم الاجتماعية وأن لا يحملوه أكثر مما يحتمل وأن يبعدوه عن خصوماتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن التجارب الماضية أثبتت فشل تسييس المرافق الأمنية والقضائية والإعلامية.

كما أنها أثبتت أن الديمومة لا تكون إلا لله الواحد الأحد، وكم من مسؤول كبير في هذه الدولة أو تلك يكتوي هذه الأيام بحر نار سياساته الخرقاء التي كان ينظر لها ذات يوم على انها منزلة من السماء وفي مرتبة الوحي بل يضعها أحيانا في مرتبة أعلى من مرتبة الوحي إلا أنه الآن يحاكم وفقا للنصوص والقوانين التي كرسها خصيصا للتضييق على أبناء جلدته لأنه ما كان يتصور أن الأيام والأقدار ستسوقانه إلى نفس المصير وتسقيه من الكأس التي سقى منها غيره من مواطنيه "وتلك الأيام نداولها بين الناس".

وهذه هي سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا.

وقبل ختامي لهذا المقابل أود التأكيد ـ وأنا مسؤول عما أقوله ـ أن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو لم أراه إلا من خلال التلفزة الوطنية وخاصة ظهوره مع رئيس الجمهورية لتوشيحه إياه على الخدمات التي قيل حينها أن مجموعته قدمتها للبلد.

فأنا لم أصافحه ولم أجالسه وحتى لم أزوره لا في مكتبه ولا في منزله ولا تربطني به روابط خاصة، إلا أنني وجدته في هذه القضية مظلوما كما هو حال ولد الدباغ وكان السعي في رفع هذا الظلم عن الرجل هو الدافع الحقيقي الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال لإنارة الرأي العام ووضعه أمام مسؤولياته التاريخية من جهة ومؤازرة ولد الدباغ أمام القضاء من جهة أخرى، امتثالا لقوله تعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار). (وقل اعملوا فسير الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

الدكتور المحامي/ محمد سيدي محمد المهدي

هاتف: 37319777

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016