الصفحة الأساسية > الأخبار > خريطة سياسية جديدة في موريتانيا

خريطة سياسية جديدة في موريتانيا

الجمعة 29 آذار (مارس) 2013  01:10

المختار السالم/ الخليج

عادت الساحة الموريتانية للتسخين في طريقها للغليان على أكثر من جبهة، حيث خرج سكان مدن وقرى في تظاهرات “ربيع العطش” مع حلول موسم الصيف، ويتظاهر العديد من سكان العشوائيات، وشرع سبعة آلاف عامل في ميناء نواكشوط في إضراب مفتوح عن العمل، فيما يتظاهر أهالي المعتقلين، ورجال الأعمال المقاولون، وتعود حركة شباب 25 فبراير لتكثيف نشاطاتها، وبالتزامن وضعت منسقية شباب “مشعل” برنامج تصعيد جديد . وهكذا يبدو أن البلاد تتجه إلى موجة جديدة من الحراك الاحتجاجي المطلبي بعد أن كان النظام احتفل بموت الحركة الاحتجاجية وظن أنه شيعها إلى مثواها الأخير خلال العامين الماضيين .

خلف مظاهر الاحتجاجات المطلبية المعيشية، يبدو أن خريطة سياسية جديدة بدأت تتشكل على استحياء وببطء شديد، وإن كان يتوقع أن تصل إلى نقطة النهاية قبل المشاركين في “ماراثون الصيف الاحتجاجي الحار”، ذلك أن الخرائط والتحالفات السياسية في الصحراء كالشموع لا تعمر طويلاً .

فبشكل مفاجئ، تحررت منسقية أحزاب المعارضة الموريتانية (11 حزباً) من سقف “الرحيل” الذي تورطت طيلة السنتين الماضيتين في محاولة التعلق به من دون سواه من حلول قابلة للنقاش، وها هي المنسقية تتجه إلى الواقعية، وإلى محاولة ضمان وجود انتخابات نزيهة وشفافة تبقي على تواجدها داخل المؤسسات الانتخابية .

وفي الأسبوع الماضي، تفاجأت الساحة الموريتانية بزعماء المنسقية وهم يعلنون وثيقة بلائحة مطالب، من أربعة عناوين رئيسة، وإن كان تحت تلك العناوين أكثر من “سبعين شرطاً” للمشاركة في الانتخابات المرتقبة .

طالبت منسقية المعارضة الموريتانية بتحضير مادي وتقني للانتخابات، وحياد وسائل الدولة وسلطان نفوذها، وتعيين وإعادة تشكيل المؤسسات الانتخابية والقضائية المعنية بالاقتراع، وإشراف سياسي توافقي .

مهدت منسقية المعارضة الموريتانية لوثيقة المطالب الجديدة، بديباجة، تشبثت فيها “بمطلب رحيل محمد ولد عبد العزيز من السلطة كمقدمة لتسوية الأزمة السياسية”، لأنها “تعتبره جزءاً من المشكلة القائمة لا طرفاً في حلها” . لكن سرعان ما توجهت الديباجة إلى مبرر “المنعطف الجديد” في المسار السياسي للمنسقية، حيث أعلنت المنسقية أن إلقاء دلوها في ملف الانتخابات هو تعبير عن “حسن نيتها وإسهاماً منها في المزيد من توضيح حيثيات الجدل السياسي الجاري في البلد”، معلنة أنها “تتقدم للرأي العام الموريتاني والدولي بتحديد ما تعتبر أنه التجسيد الحقيقي الذي لا غنى عنه لعملية انتخابية جديرة بهذه التسمية” .

وفور صدور الوثيقة، بادر قادة في الموالاة لانتهاز الفرصة والإعلان أن وثيقة المعارضة تترجم فشلها في مطلب الرحيل، وصاحب ذلك إلغاء المنسقية للاحتفال بتاريخ إطلاق دعوتها لرحيل النظام، وقد ردت المنسقية بإعلان النزول للشارع الأسبوع المقبل (3 إبريل/نيسان)، وهو ما فسره متابعون بأن المنسقية أبقت على الشارع كورقة تضغط لتحقيق مطالبها في ملف الانتخابات، وهذه الورقة أبرز الأوراق التقليدية لدى المعارضة الموريتانية أمام كل انتخابات وعلى مدى عشرين عاماً، لأن الشارع يجذب ناخبين جدداً لصف المعارضة بقدر ما يجعل النظام على الأقل يقدم أدنى حدود من التنازلات .

على أرض الواقع أبنت وثيقة المعارضة حول الانتخابات “استراتيجية الرحيل” المتبعة منذ سنتين على مستوى المنسقية، وفتحت الباب أمام المشاركة في الانتخابات رغم “حواجز الشروط” و”الإملاءات” التي تضمنت الوثيقة، وهي خطوة مطلوبة ضمن رحلة التدرج من خطاب القطيعة إلى خطاب الحوار والمشاركة؟

من بين عشرات المطالب التي قدمتها المنسقية من خلال وثيقتها “شرطان تعجيزيان” هما: تشكيل “حكومة مستقلة” لا يكون الرئيس محمد ولد عبد العزيز ولا رئيس وزرائه مولاي ولد محمد الأغظف طرفا فيها، والقضاء على دور “كتائب الحرس الرئاسي”، كي “يتبدد الرعب الذي يشعر به المدنيون والعسكريون على حد سواء إزاء هذه الكتيبة”، وفق عريضة المنسقية .

يرى مراقبون أن ما عدا هذين المطلبين ممكن التحقيق ضمن مفاوضات بين النظام ومنسقية المعارضة، لكن أي متابع للشأن الموريتاني لا يمكنه تصور تخلي الرئيس ولد عبد العزيز عن الحكومة لأن ذلك يعني عمليا استقالة الرئيس أو خروج الأمور من يده، وهو الذي ضاق صدره ب”حكومة الثمانية عشر يوميا” إبان أزمة ،2009 ولا تخليه عن “الحرس الرئاسي” الذي يشكل صمام أمان من الانقلابات العسكرية .

وأكد مصدر مقرب من الرئاسة الموريتانية ل”الخليج” أن الرئيس ولد عبد العزيز مستعد لتلبية مطالب المعارضة باستثناء “التخلي عن الحكومة”، وبالمقابل هناك استعداد لإعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات، وإشراك المعارضة في باقي الآليات المتعلقة بالانتخابات (الإحصاء الانتخابي، اللائحة الانتخابية، اللوازم، الرقابة . . إلخ)، كما أن هناك استعداد لتأجيل الانتخابات، المؤجلة أصلا، إلى حين الوقت المناسب بالنسبة للمنسقية .

لقد رأى الكاتب محمد فال ولد عمير أن منسقية المعارضة “بسبب حرصها على طلب على كل شيء وبشكل فوري، انتهى المطاف بها إلى عدم إبداء الرغبة في شيء محدد؛ إلى إبداء الرغبة في أي شيء على الإطلاق” .

وأضاف “يتمثل أول هذه المواقف في فرض رحيل ولد عبد العزيز، وثانيها في طلب إنشاء حكومة توافقية معه، وآخرها في وضع شروط فنية بدونها لا يمكن للانتخابات أن تكون شفافة” .

وبالفعل أربك موقف المنسقية، أو منعرجها الجديد الكثير من المراقبين، وإن كان من الواضح أن هذا الموقف يتوزع إلى حلقات قابلة للتبديل، تبدأ بالتلويح بإبقاء شعار الرحيل، ثم المطالبة بحكومة مستقلة، ثم أخيراً التلويح بالحيلولة دون تنظيم الانتخابات، وهي جملة استوقفت البعض عن نوايا المنسقية في هذا المجال، لأن الحيلولة من دون تنظيم الانتخابات لا تعنى سوى العودة للصدام الذي لم تتمكن المعارضة من خلاله من الحصول على موقف مشرف خلال تجاربها الماضية .

إلا أن الموقف الجديد للمنسقية، بما فيه من تناقض وتضارب وجهات، أفقد نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ورقة “عزل المعارضة كلياً”، فقد تحرك السفراء الغربيون والتقوا بحزب “تواصل” يعد يومين من توليه رئاسة المنسقية، وجاء هذا اللقاء بعد قطيعة استمرت فترة طويلة نسبيا بين المنسقية والشركاء الغربيين، وهناك تسريبات عن ضغوط غربية على النظام من أجل الاستجابة لكل المطالب المعقولة المرتبطة بتنظيم انتخابات لا يمكن التشكيك في نزاهتها ما يضمن الخروج من دوامة الخلاف حول شرعية المؤسسات الانتخابية بما فيها رئاسة الجمهورية .

لكن الأهم في هذا المجال هو التقارب الذي بدأ بين منسقية المعارضة وأحزاب المعاهدة (المعارضة المحاورة)، حيث عقدت الكتلتان اجتماعاً تشاورياً هو الأول من نوعه منذ انقسام المعارضة السنة الماضية، وتوقيع “المعاهدة” لاتفاق سياسي مع النظام .

لقد كان هذا اللقاء، بحسب ما تسرب ل”الخليج” لقاء للبحث عن النقاط المشتركة بين الائتلافين المعارضين، وتركز على السبل الكفيلة بفرض تشكيل حكومة توافقية تشرف على الانتخابات . واللقاء تميّز بكثير من الحفاوة والمصارحة ومن الرغبة في العمل المشترك، كما جمع “المعارضة التاريخية” في “سلة الحل التوافقي للأزمة”، وهو ما يفقد النظام واحدة من أهم أوراقه في هذه المرحلة حيث استفاد خلال السنتين الماضيتين من ورقة الانقسامات بين المعارضة التاريخية، وخوله ذلك ضرب “قوى الربيع” بكل قسوة بوليسية .

إن السؤال المطروح في هذه المرحلة هو: ما الذي يمكن للمعارضة الموريتانية تحقيقه في إطار “الحل التوافقي” المقترح حتى الآن من طرف واحد؟

إن الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة من جهة بقدرة المعارضة المعتدلة على التملص من اتفاقها مع النظام والتعبئة لمبادرة الحل التوافقي التي تقدمت بها، والتي أسالت لعاب المنسقية وجعلتها لأول مرة تلقي “غصن زيتون”، ويشار هنا إلى أن رفاق ولد بلخير (المعارضة المحاورة)، تمكنوا خلال الأسابيع الماضية من إحداث شرخ كبير في ائتلاف الموالاة بالتحاق ثلاثة أحزاب من الأغلبية الرئاسية بمساعي الحل التوافقي للأزمة السياسية، يضاف إلى ذلك ما تشهده بعض أحزاب الموالاة من انسحابات والتحاق مجموعات من صفوفها بأحزاب المعارضة، وما يروج عن تنامي التذمر داخل أوساط الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية)، والذي بات البعض يشبهه بقنبلة موقوتة ستنفجر لا محالة على أبواب صندوق الاقتراع ما لم تقع معجزة سياسية .

إن الخريطة السياسية الجديدة، التي لا تزال طور الاستظهار، وزعت أطراف الأزمة الموريتانية إلى كتلتين رئيستين: تدعو الأولى (المعارضة المعتدلة، المنسقية، وأحزاب منسحبة من الموالاة) إلى مسار انتخابي توافقي قد يأخذ ألف اسم أو مصطلح، ورهان هذا الفصيل على أن شفافية الانتخابات ستسلب النظام الكثير من القدرة على تأمين فوز كاسح بالمجالس الانتخابية، إن لم تكن نزاهة الانتخابات ستحرر الناخبين وتعصف بالنظام انتخابيا، وهو سيناريو يقفز على حقيقة واقع نفوذ المؤسسة العسكرية والأمنية .

بينما تتمسك الكتلة الأخرى (الرئيس وائتلافه الحزبي)، بالتمسك بورقة الحوار مع جزء من المعارضة، وبالرفض المطلق لتقاسم السلطة كمبرر لشفافية الانتخابات .

الخليج

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016