الصفحة الأساسية > الأخبار > رحلة مثوى واختيار قرية

رحلة مثوى واختيار قرية

الجمعة 17 أيار (مايو) 2013  12:00

الطريق غابوى في معظم مقاطعه يخترق تامورت النعاج طولا حتى يصل المشرع شرقا يضيق بالجبال كلما اقتربنا من القرية العجيبة. السفر عبر هذا الطريق مغرى بجماله وبمناظره التي لا يتوقعها احد..

كان برنامج العمل لدينا في المنظمة وراء رحلتنا التي قادتنا إلى هذه المنطقة حيث اختار "أبا بكر" مثواه الأخير.

قصة تاريخ هذه القرية مثيرة وغريبة في آن وربما مثلت بالنسبة لى على الأقل نموذجا على الطريقة التى يتم بها طمس أثار الآخر المغلوب ومسح اى اثر له حتى لا يحتفظ التاريخ له إلا بما بقى عالقا في أذهان من عاصروه فى أحسن الأحوال ثم ينتهي بنهايتهم...

هى قرية موريتانية يعرفها الأجانب أكثر منا نظرا لمقدراتها الطبيعية ولموضعها ولتاريخ اللذين مازالت بيوتهم ترقد بسلام فوق رؤوس جبال وادى "بوراكة" إنهم العشرات وربما المئات لم نسمع عنهم ولكن آثارهم وبقايا حضارتهم و بعض أضرحتهم شاهدة على أن المنطقة كان لها شأن في الماضي ...

هؤلاء اللذين غبنهم الحظ -رغم صمود بيوتاتهم في وجه عوامل التعرية ورغم صمود قبورهم في وجه انجرا فات التربة المتكررة في الوديان و غبنهم أهلهم عندما لم يذكروهم في التاريخ الذي يكتب الآن بحبر "طائر" كغيره من حقيقة تاريخ هذا البلد - غبنوا الآن من طرف وزارة السياحة ومن طرف وزارة الثقافة رغم أن لبيوتهم حكايا ضاربة في التاريخ و أن لقبورهم قصصا تروى.لهم "بيوت يأتي إليها مؤرخوا الغرب ولا نسمع نحن عنها ونحن أهل البلد !!!!!

وغبنوا مرة عاشرة لأن اسم قريتهم "نكرة" هنا....

لا علينا الآن...

وصلنا ولشدة الفرح لم أشأ أن اختار مكانا معينا على حساب آخر أردت أن اذهب هنا وهناك والى تلك المنطقة والى هذه .. شعوري بجمال المنطقة كان أقوى من أن يجعلني أسيطر على عقلي أمام اللذين استقبلونا من سكانها أردت أن أرى كل شيء وان اسمع كل شيء وان ألمس بيدى أيضا كل شيء في الحقيقة "طار عقلى" ان لم يكن كان في الأصل....

بعد شد ومد واخذ ورد استقر بنا المقام على شاطئ بحيرة الحسينية التي جئنا في الأصل من اجل عمل مرتبط بها.

تلقينا تحذيرات بأن علينا أن نكون حذرين فالتماسيح موجودة في البحيرة و"الانا كوندا" موجودة وتتسلق أي شيء و"بوكديم" شرس هنا أيضا لكن مقاومتنا كانت ضعيفة أمام هذه المناظر العجيبة جبال من كل الجهات تحتضن حوض بوراكة البحيرة عشب وطيور ,زواحف, أغنام وأبقار خيول ,اسماك وبط برى سمين...

العشب الأخضر يمتد في الأفق وعلى حوافه مجموعات نخيلية وأخرى من أشجار أمور و أصباى وأصوات الطيور في الطبيعة لا تنقطع إلا ليبدأ غيرها وفى المساء تعزف الضفادع أحلى سينفونياتها.أليس كل هذا مثير؟

وهنا حيث يمرح ويسرح الخنزير البرى بين جبال الحسينية وحيث تتسلق السعا دين باسقات الواد كما لا يسلم منها اى كهف ولا اى مخدع وحيث تثير الانا كوندا الرعب في نفوس البشر لقدرتها على التهام الصغار من اى نوع كانوا وهنا حيث يرقد ضريح "الولى الصالح" ابا بكر الإمام حسب سكان القرية اللذين توارثوا خبر قدموه الى قريتهم قبل قرون فيتحدثون عن صلاحه وعن آخر ما حدث به أصدقاءه حول اختياره لمثواه الأخير بين هذه الجبال وحول اختياره لاسم المنطقة "الحسينية"

. تبادلنا الحديث حول أولويات مهمتنا في هذه القرية الجنة ولكن شيئا وحيدا ظل يدعونى الى ان أراكم عليه معلوماتي عن القرية وعن اسمها اسم الحسينية !!!!

من أين جاء وكيف احتفظت به وسط سياسات توارثت منذ عهود قديمة كل يقتلع ويمحو ما قبله ويبدأ في التأسيس لنفسه حتى إذا جاء خلفه أعاد الكرة مع موروث سلفه.؟

طلبت من احد أعيان القرية أن يدلني على الضريح الذي اختار صاحبه ان تسمى المنطقة باسم له دلالته الخاصة لديه والتى لا نعرفها ولكننا نقتفيها مما هو بين أيدينا رغم ضعفه وتآكل مادته..

أشار السيد هذا إلى احد الأشخاص كدليل وتوجهنا إلى سفح جبل بوراكة الجهة الشرقية حيث قبلة الصلاة بالنسبة للسكان.

تقدمنا إلى ضريح "الولي الإمام الشريف " وأشار على مرشدى بان أتوقف وأغير اتجاهي احتراما لشيء ما لا اعرف ماهو؟... أذعنت رغم شحنة الإنكار التي تسكنني وواصلت المسير في الاتجاه الذي رسم لي الدليل وتوقف بى عند ضريح كبير يبلغ طوله مابين 3-4 أمتار وقد نصب عند رأسه حجر كبير نقش عليه بخط نادر "اسم صاحب الضريح والدعاء له". وهناك 3 أضرحة أخرى تشبه بناء الضريح نفسه بدأنا نتساءل عن تاريخ وجود الضريح وعما اذا كان الرجل قد ترك نسلا لكن المعلومات شحيحة ولكنها تتفق في انه قدم من بغداد دون دليل مادي أيضا ,كل المعمرين اللذين التقينا هم يروون عن أجدادهم وبان الأجداد نقلوها أيضا عن أجدادهم وأجدادهم نقلوا عن أجدادهم أيضا .

يقول سكان القرية إن الإمام أبا بكر الشريف قدم من بغداد في القرن السابع عشر أو الثامن عشر وهم لا يحددون بالتدقيق فالمعلومات لديهم منقولة شفهيا و ضريح "الولي الصالح" رغم انه حمل نقشا باسمه كاملا مع أحرف غاب تنقيطها غاب عنه التاريخ المحدد لوفاته أيضا .

مالا يمكن إنكاره هنا هو عظمة هذا الرجل التي تجلت في حسن إختياره للمكان الذي سينهى فيه رحلته الدنيوية . كما لا اخفي أنني أحسست بشيء من الخوف وبنوع آخر من الاعتراف لهذا الرجل بالذوق في اختيار أمكنة المقام الأخير وبقدرته أيضا على تحديد النهاية الزمنية لذاته حسب سكان القرية.

لقد اختار الإمام أبا بكر الشريف بن محمد الإمام واد بوراكة ليكون شاهدا على جزء من تاريخ وثقافة حملها الرجل إلى الغرب في رحلته الغامضة هذه أو التي ما تزال تحتاج إلى أن ينفض عنها الغبار كما ينفض عن منطقة سياحية لا تباهيها اى منطقة أخرى في هذا البلد .لقد قدمنا كمنظمة الى هذا المكان لكن سحره جعلني شخصيا أذعن لاختياره أنا أيضا منطقة سياحية لا مثيل لها في موريتانيا .

ووجدت أن من الإنصاف أن تتعرفوا على جبال ووادى بوراكة وان شئتم على جبال ووديان انيوزيلاندا -كما أردت أن اسميها بعد أن اكتشفت أن لنا ما يشبه انيوزيلاندا الأصلية الخضراء وأبقارها التي تسرح في عشب يغطى الحوافر- عبر مقال مختصر يحمل رؤوس أقلام عن منقطة تستحق الذكر ادعوكم إلى زيارتها.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016