الصفحة الأساسية > الأخبار > الخليج: انتخابات موريتانية “بمن حضر”

الخليج: انتخابات موريتانية “بمن حضر”

الخميس 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013  08:02

وأخيراً، وبعد أكثر من عامين من التأجيل والانتظار والمساومة، انطلقت الحملة الانتخابية الموريتانية لسادس استحقاق برلماني وبلدي في تاريخ البلاد، وذلك يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي . صحيح أن الانطلاقة كانت باهتة لدرجة أن المراقب يتساءل: هل فقد الشعب الموريتاني ثقته بالعملية الانتخابية من خلال خيبة الأمل من وعود المرشحين بعد أن سحرت تلك الوعود لثلاثة عقود ألباب الناخبين الموريتانيين؟

هذا التساؤل الجوهري متروك للباحثين وللتاريخ، فيما انشغل الناس هنا بحزمة الأسئلة التي تطرحها واجهة الانتخابات ثمة أسباب وجيهة لانطلاقة الحملة الانتخابية بشكلها الباهت، عكس ما كانت تجري عليه في كل الحملات الانتخابية الماضية، التي حولت البلاد مسرحاً مفتوحاً للشعر والغناء والرقص والصور واللافتات والخطابات النارية . . وهو الشكل الذي رسخ صورته في ديمقراطية الخيام المفتوحة .

من تلك الأسباب، بل من أبرزها النقص الحاد للسيولة الذي تعانيه حملات كل المرشحين، بما فيها الحزب الحاكم، الذي ترك، هذه المرة، أغلب الأعباء المالية لمرشحيه من نصيب قبائلهم، وامتناع رأس المال الخاص عن الانغماس في اللعبة الانتخابية إلا بالحد الذي يكفيه مؤونة “انتقام الدولة” .

إن ثقة الحزب الحاكم بإمكانية الفوز السهل في ظل مقاطعة المعارضة التاريخية، أضفى نوعاً من الشعور بأن الحزب ينافس نفسه، رغم دفعه بأعضاء الحكومة وجنرالات الجيش وطواقم الدولة لتأمين الفوز للوائحه الانتخابية .

ولا شك أن ملف “المغاضبين” الذين لم يتمكن الحزب الحاكم من استيعابهم في ترشحاته قد ساهم هو الآخر في تشويش صورة الحملة الانتخابية إلى جانب دور منسقية المعارضة . الغائبون . . .

يغيب عن الانتخابات الحالية لاعبان رئيسيان: الأوروبيون بتمويلهم وإشرافهم، فبعد أن كانت الانتخابات الموريتانية تتميز برقابة ومتابعة وتمويل معتبر للعمليات الدعائية والانتخابية من الاتحاد الأوروبي، فإن الاتحاد تعامل هذه المرة مع الانتخابات الموريتانية وكأنها غير موجودة لأنها لم تخضع للمعايير الأوروبية لتمويل الانتخابات في الدول الإفريقية سواء من حيث الجدول الزمني أو من حيث حصول الانتخابات على الإجماع الوطني، فيما كان أيضاً الحضور الأوروبي يقود قاطرة الرقابة الدولية والإقليمية على شفافية الانتخابات ونزاهتها، ما شكل ملفاً لا تعرف حتى الآن انعكاساته على نتائج الاقتراع المرتقب، علماً بأن التمويل الذي كان الاتحاد الأوروبي يقدمه يشكل نسبة 70% من الكلفة الإجمالية للعملية الانتخابية الموريتانية .

والغائب الكبير الثاني إلى جانب غياب الدور الأوروبي في “انتخابات الرمال المتحركة”، هو منسقية المعارضة الموريتانية الراديكالية (المعارضة التاريخية) بزعامة أحمد ولد داداه ورفضها المشاركة، إلى حد أنها أطلقت عليها “مهزلة الجنرال الانتخابية الأحادية”، ودعت لإفشالها، ما يزيد من رمادية المشهد .

إن المنسقية (10 أحزاب) بعد أن تخلت عن شعار “رحيل النظام”، تمسكت بشروط تنظيم انتخابات شفافة تشرف عليها منظومة مستقلة، الأمر الذي رفضه نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الخارج منذ شهور منتصراً على ثورة المنسقية وشعارها بالرحيل .

تمثل الانتخابات الجارية فصلاً أساسياً في “معركة لي الذراع” القائمة بين النظام والمعارضة التاريخية والرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي تمكن من إشراك أحزاب المعارضة المعتدلة إلى جانب أحد أحزاب المنسقية هو حزب “تواصل” (الإخوان) وذلك ضمن 64 حزباً تمثل أغلبية الأحزاب المعترف بها في البلاد وعددها 103 أحزاب حتى الآن، كما نجح النظام في الوصول بالسجل الانتخابي إلى 2 .1 مليون ناخب من أصل 7 .1 مليون مواطن في سن التصويت .

وكان الرئيس ولد عبد العزيز قد اعتبر أن مقاطعة بعض الأحزاب للانتخابات لا تمس مصداقيتها أمام مشاركة الكم الهائل من أحزاب موالية ومستقلة ومعارضة .

وقد أعاد رئيس الحزب الحاكم محمد محمود ولد محمد الأمين الطرح نفسه في خطاب افتتاح الحملة الانتخابية لحزبه، حيث أعرب عن أسفه لغياب بعض الأحزاب المعارضة، ملقياً باللائمة عليها، معتبراً أنها سعت لشروط تعجيزية دون أن تراعي ما تحقق للانتخابات من ضمانات .

فيما كان مسوؤلو الحزب الحاكم قد فسروا مقاطعة المنسقية بكونها تدرك أن شعبية النظام ستحرمها من تحقيق مكاسب انتخابية، و”بالتالي قررت المنسقية الهروب إلى الأمام خوفاً من تعرضها لهزيمة انتخابية ساحقة بعد أن فشلت في إقناع الشارع بالثورة الشعبية” .

إن قرار الرئيس الموريتاني عبدالعزيز المضي قدماً في الانتخابات من دون المعارضة الراديكالية، يبدو وكأنه تضحية بمكاسب التوافق، وبالتمويل الدولي، ما أربك المراقبين، وفاجأ المنسقية التي تصورت يوماً ما أن تجاوزها مستحيل في أي عملية انتخابية، فهي ما زالت تتذكر طعم المكاسب المعنوية من “اتفاق دكار” ،2009 رغم أن الرئيس عبدالعزيز قد التهم وجبة ذلك الاتفاق وحده .

إن زعماء المعارضة الموريتانية لم ينسوا أنهم وقتها حشدوا المجتمع الدولي بما فيه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وكل الهيئات الأممية والإقليمية من أجل انتزاع أكبر مكسب لتنظيم انتخابات في تاريخ البلاد بنصف الحكومة وثلثي لجنة الانتخابات .

وقد سعى هؤلاء الزعماء لتكرار التجربة نفسها تحت آليات مختلفة، ما اعتبره نظام ولد عبد العزيز “خطاً أحمر”، فقرر المضي في الانتخابات ب”من حضر”، وعدم الالتفات إلى مكاسب التمويل والتزكية الخارجية .

يلاحظ في هذا المجال اعتباران: الاعتبار الأول أن الرئيس عبدالعزيز على ثقة تامة بنجاح الانتخابات ميدانياً، رغم تهديد المنسقية بالسعي لإفشالها ونزولها قبل أسبوع في تظاهرة حضرها الآلاف، فالمنسقية في النهاية لا تملك أكثر مما قدمت إبان “ثورة الرحيل” .

والثاني: أن الرئيس قرر فعلاً خلق “معارضة بديلة” أقل أحلاماً وأسهل ترويضاً، من أولئك الزعماء الذين لا يقنعون بما دون القصر الرئاسي، وقد واتت الفرصة لذلك فاقتنصها النظام لإيجاد معارضة ديمقراطية منتخبة ستتولى زعامة المعارضة بحكم الدستور والقوانين، وتكون قابلة لأي معروض في سوق المحاصصة والانحناءات عند الضرورة .

يجمع العديد من المتابعين أن ولد عبد العزيز لن يجد لمشروع المعارضة البديلة أفضل من قطب الزعيم مسعود ولد بلخير ورفاقه في ائتلاف المعارضة المعتدلة، الذين تمتد أياديهم للمشاركة في كعكة الحكم سواء من شاطئ الحكومة أو ضفة زعامة المعارضة الموجودة في المجالس الانتخابية، كذلك حال “إخوان” موريتانيا الذين قرأوا عملياً نهاية “الربيع العربي” فلم يريدوا تفويت الفرصة بالحصول على المنافع التي توفرها المكاسب الانتخابية .

أمّن ولد عبد العزيز نظامه من السقوط في الشارع بأقل الخسائر الممكنة طوال العامين الماضيين، وبأقل التكاليف أيضاً سيحقق نصراً كاسحاً في الانتخابات التشريعية والبلدية وتخلو له بالتالي الساحة تمهيداً للانتخابات الرئاسية التي لم يبق دونها سوى بضعة أشهر .

هذا هو الإطار العام الذي تجري فيه الانتخابات التشريعية الموريتانية الآن، والذي يقلق تيار الزعيم ولد داداه بعد أن تخلف عن قطار الانتخابات المحلية .

تبقى الإشارة أن ثمة تفاصيل كثيرة ستتضح صورتها أكثر بعد أسبوع واحد مع اقتراع 23 نوفمبر الجاري، وإعلان نتائج الانتخابات .

ومن التفاصيل المثيرة لفضول المحللين معرفة من هي القوة السياسية التي ستحتل المركز الثاني انتخابياً بعد الحزب الحاكم في اقتراع 23 نوفمبر، وذلك لأن الحزب الذي سيحتل المركز الثاني ستكون له الكلمة الفصل إما في تحالف النظام أو قيادة المعارضة .

تشير التوقعات الأولية إلى أن هذا المركز سيكون من نصيب أحد ثلاثة أحزاب معارضة هي “تواصل” (الإخوان)، و”التحالف الشعبي” الذي يقوده رئيس البرلمان، وحزب “الوئام”، أو حزب “الحراك الشبابي” (الموالي)، على أن مساحة المفاجأة مفتوحة في خارطة انتخابية معروفة بصعوبتها، وتدخلها أحزاب جديدة تخوض الانتخابات لأول مرة كحزب حركة التجديد، والكرامة، والإصلاح، فيما تسعى وزيرة الخارجية السابقة الناها بنت مكناس لعودة حزبها بقوة إلى البرلمان وكذلك حال كبريات أحزاب الأغلبية الرئاسية الأخرى .

بعد أسبوع واحد، وفي 23 نوفمبر الجاري، ستشهد موريتانيا ولادة خريطة سياسية جديدة، والسؤال المهم هنا هو كم ستخلف تلك الخريطة من أصدقاء جدد وأعداء جدد على أبواب المعركة الحقيقية، معركة الانتخابات الرئاسية .

المصدر: "الخليج"

1 مشاركة

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016