لقاءات الرئيس توماني توري قبل يوم مع نظيره البوركينابي والنيجيري ومهاتفته التي تكاد تكون يومية لبوتفليقه ورسائله للمغرب والسينغال ومشاوراته الفرنسية تضع موريتانيا في عزلة إقليمية متزايدة... فالماليون رغم تصريحاتهم المتزنة يحاولون عمليا محاسبة موريتانيا على ما يعتبرونه موقفا داعما للتمرد.

والغريب أن موريتانيا لم تسوق موقفها لا داخليا ولا إقليميا ولا دوليا، وبدل أن يفهم "تفهمها" لمسوغات تحرك مقاتلي جبهة تحرير أزواد على أنه فرصة لإيجاد قوة محلية تتصدى لكتائب القاعدة وعصابات الجريمة العابرة للحدود في منطقة خارج سيطرة الدول فسر على أنه دعم سافر لمتمردي الطوارق ليحققوا هدفهم المعلن وهو الانفصال... وجمع الماليون الأدلة والقرائن المؤكدة لدور موريتاني بهذا الاتجاه وساعدتهم في تزكية دعاويهم تصريحات وزير الخارجية الموريتاني التي لم تكن ضرورية ولم تكن محسوبة العواقب... ثم جاءت مقابلة ولد عبد العزيز مع "لوموند" وزادت الأمور غموضا وعكست ارتباك النظام الموريتاني وعدم توفره على استراتيجية محددة لإدارة الصراعات الإقليمية، فالظاهر أن ولد عبد العزيز ووزير خارجيته لم يفهما بعد أن وضع البيض في سلة واحدة أمر مضر وقاتل، فموريتانيا بضبابية رؤى قيادتها وترهل ديبلوماسيتها تتجه نحو الحائط لتكون الخاسر الأكبر... فإليها نزح عشرات الآلاف من المدنيين بما يمثله ذلك من عبء إنساني وإليها بدأت تتوافد فلول المسلحين الفارين في وجه الجيش المالي الذي استعاد المبادرة والذين سيشكلون عبئا أمنيا إضافيا في منطقة ما يزال خطر القاعدة محدقا بها... ولن تكون نوايا الماليين المخدوشين في سيادتهم إزاءها كما كانت سابقا... ومن الغباء الديبلوماسي أن لا تتدبر الديبلوماسية الموريتانية المتغيرات الإقليمية المتسارعة من حولها وتحاول مواكبتها صيانة لما يمكن صيانته... فبالإمكان بل من الضروري الملح قبل فوات الأوان أن تطرح موريتانيا مبادرة إقليمية لوقف الأعمال المسلحة بشمال مالي وأن توفر لها غطاء فرنسيا ودعما جزائريا إقليميا عربيا وإفريقيا، وأن تقنع فرقاء الصراع بجديتها وإيجابية دورها وتوازنه في المراحل القادمة. إن عدم المبادرة يضع موريتانيا في عزلة قاتلة ويجعلها مكبا لسلبيات النزاع بشمال مالي... إن التاريخ والجغرافيا ونزوات القادة عوامل كلها جعلت موريتانيا جزءا من المشكل، فلماذا لا تبادر موريتانيا لتكون جزءا من الحل؟

الرأي المستنير