لا جدال في وجود أغلبية صامتة تمثل أكثرية الشعب، ولا جدال في أن تلك الأغلبية بدأت تتململ وتنجرف نحو حراك التغيير الذي يسري في اوصال مجتمع لم توصله ديمقراطيته المعلبة إلى تداول السلطة أو التناوب عليها، ولم تمكنه من إعادة العسكر إلى ثكناتهم، وطبعا لم تفتح له سبل التنمية التي هي جوهر الديمقراطية وغايتها.

وفي الآونة الأخيرة بدأت قوى "ناعمة" "كانت نائمة" في أوساط الأغلبية الصامتة تعبر عن نفسها من خلال مقاربات جديدة منطلقها أن السقف الذي تتنافس تحته الموالاة والمعارضة بتراكماته وحساباته لا يمكن أن يلبي مطامح الجميع، وأن تفاقم ازمات موريتانيا وتنامي الاحتقان وغياب حلول موضوعية مقبولة يحتم الإدلاء بكل الدلاء في بركة الهم الوطني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الطوفان وقبل أن تغرق السفينة بمن فيها.

وفي سياق تحرك تشاركي تداعت شخصيات من مشارب مختلفة وربما لغايات متباينة ضمت ولد الواقف العائد من سفر تيه سياسي مؤلم ووزير الخارجية السابق الفاعل السياسي محمد فال ولد بلال والمخضرم الداه ولد عبد الجليل وموسى افال ويسلم ولد ابن عبدم والشيخ سيد أحمد ولد باب أمين تداعت هذه المجموعة إلى تشاور بدأ بتقييم الأوضاع واتفق على تشخيص من 5 نقاط من أهمها:

1- استشعار الانسداد السياسي الذي لم يسبق له مثيل، فالثقة معدومة بين الفاعلين السياسيين والشعب محبط وجائع ومنهك ولم يعد يصدق أي شيء وآفاق الخروج من النفق السياسي غائبة لأن الانتخابات مؤجلة إلى أجل غير مسمى والغليان الشعبي في تصاعد وينذر بكل المخاطر.

2- من سمات الوضع كذلك تصاعد التوتر بين المعارضة والموالاة، فالأمور وصلت حد القطيعة وكل جهود النظام لاحتواء المعارضة فشلت وكل جهود المعارضة لإسقاط النظام أخفقت حتى الآن.

3- تنامي الاحتجاجات الشعبية واتساع نطاقها وعجز النظام عن التعاطي معها إلا بالقمع شكل بؤر توتر تنذر بانفلاتات لا تحمد عقباها بدأت تقضي على آخر مظاهر السلم الاجتماعي.

4- الجفاف الذي أدى إلى نفوق متواصل لثروات البلاد الحيوانية وجعل شبح المجاعة يخيم على مليون موريتاني في شتى مناطق البلاد وتعامل النظام الأرعن معه بصورة عبثية شعبوية لن تحول دون كارثة محدقة بالبلاد والعباد وبالإنسان والحيوان.

5- سوء تعاطي النظام مع الأوضاع الإقليمية ومواقفه الجزافية التي حولت موريتانيا من أرض لقاء وتواصل وتكامل إلى بؤرة محاصرة يتربص بها جيرانها الدوائر ويكبت شعبها الجائع الذي جبل على جلب أرزاقه من خارج الحدود داخلها ثمنا لمواقف نظام لا يستنبط مصالح موريتانيا الحيوية.

تدارس أقطاب الخيار هذه النقاط وشكلوا تنسيقية برئاسة ولد باب مين وولد بلال للاتصال بالرؤساء السابقين وقادة الرأي وهيئات المجتمع المدني والمواطنين العاديين لتوسيع دائرة النقاش حول هذه القضايا الجوهرية.

وحسب آخر الأخبار فقد اتصلوا بالفعل بالرؤساء اعلي ولد محمد فال وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ومحمد خونه ولد هيداله ومحمد محمود ولد أحمد لولي وبشخصيات مثل بارو عبد الله وأحمدو ولد عبد الله، ويواصلون تحركهم واتصالاتهم ويتوقعون أن تصب جهودهم في ندوة تشاورية وطنية تتدارس أوضاع البلاد ويصدر عنها كتاب أبيض يتضمن مقترحات لإخراج البلاد من أوضاعها الحالية.

ورغم أنهم يرفضون البوح بجوهر أفكارهم وينتظرون ما تسفر عنه الاتصالات ولقاء التشاور وما يدون في الكتاب الأبيض المرتقب لحل أزمة موريتانيا ما بعد الانقلاب الأخير، فإن بعض التسريبات أفادت باحتمال اقتراح مرحلة انتقالية تغطي ما تبقى من مأمورية الرئيس الحالي ولد عبد العزيز والاتفاق على عدم ترشحه لولاية ثانية وبعض الأفكار المتعلقة بدمج الحرس الرئاسي والجيش الوطني واقتراح آليات واضحة لفك الارتباط بين العسكر والسياسة وقد تشمل المقترحات اقتراح تسيير تشاركي لخطط مكافحة الجفاف ضمانا لوصول مخرجاتها للمتضررين الحقيقيين.

والظاهر أن دعاة القطب الآخر يحاولون الانطلاق من حيث انتهى الحوار المجزوء لحسم القضايا الجوهرية التي ظلت عالقة... وهذه مقاربة دعت لها بعض أطراف الموالاة وقد لا تمانع المعارضة غير المحاورة في سبر أغوارها إذا تضمن كتاب المقترحات الأبيض شروط المعارضة التي حال تجاهل النظام لها دون مشاركتها في الحوار السابق.

ومهما يكن من أمر فإن مبادرة قطب الخيار الآخر مرهونة بحسابات متباينة، فالبعض يحاول من خلالها مجرد اللحاق بقاطرة الحوار المجزوء، وهنالك آخرون يريدون امتطاء صهوة الحراك الشعبي لكي لا يفوتهم نفير التغيير وهنالك بعض أجنحة النظام المقدرة للمخاطر ترى من خلال تحرك القطب الآخر قشة نجاة يمكن التمسك بها، وهنالك شخصيات جادة فعلا في إيجاد مخرج يمنح البلاد خيارا آخر يفتح بريق أمل في جدار الانسداد، ففي أي اتجاه تسير الأمور؟

يعقوب ولد سلام/ الرأي المستنير