الصفحة الأساسية > الأخبار > كيفه في ذاكرة التاريخ/ محمد المختار ولد سيد محمد

كيفه في ذاكرة التاريخ/ محمد المختار ولد سيد محمد

السبت 15 آب (أغسطس) 2020  06:22

كيفه في ذاكرة التاريخ ؛ محاضرة للدكتورمحمد المختار ولد سيدي محمد أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة نواكشوط ومدير الوثائق الوطنية وهو بالإضافة إلى ذلك أحد أبناء مدينة كيفه.

هذه المحاضرة سنوردها عبر حلقات أولاها بعنوان. :

المجال والسكان :

يعود تاريخ إسكان الحيز الجغرافي الذي تشغله لعصابه اليوم إلى عهود غابرة تنزاح عبر القرون إلى العصور الحجرية القديمة، والساعي إلى تلمس معالم تاريخ هذه الولاية يواجه إشكالا منهجيا مرده مرونة المجال المدروس تبعا للظروف الطبيعية، وصراع الإرادات السياسية، ودوائر تأثير السلط الروحية، وإغراءات الموقع الاستراتيجي المتحكم في المحاور الجنوبية على امتداد خط التماس بين حضارات الصحراء والممالك السودانية المرابطة على التخوم الجنوبية.

وتوحي الرسوم والآثار المادية والموجودات الخزفية في الكهوف وقمم التلال وسفوح الجبال وعلى جنبات الأودية في ارقيبه وسلسلة لعصابه وآفلة أن هذه المنطقة كانت مسرحا لحضارات بشرية عايشت حضارة آو كار وتشيت إن لم تكن جزءا منها، بحكم المشتركات المادية والتجاور والوظيفة المكانية.

ولئن كنا في موقع الحسم بشأن وجود عمران بشري يناسب طبيعة ومتطلبات ذلك العصر، فإننا نكون أكثر حذرا حين الحديث عن أصول تلك الساكنة، ومن أين جاءت تحديدا، وضمن أي نسق اجتماعي يمكن فرزها وتصنيفها، على أن ما يهمنا التركيز عليه هو الثابت وليس المتغير، وأقصد الأرض بمعالمها وعطائها، وإن اختلف الساكنون، ذلك أن الحضارة في أبسط تعريفاتها هي حاصل المجهود الذهني والعمل المادي لمختلف الأمم عبر الزمن ولا مجال فيها للإقصاء مادامت تعتمد التراكم والتكامل.

وفي غياب دراسة متقدمة في علم الانتروبولوجيا الاجتماعية تحسم الأمر بطريقة علمية مقنعة لمن يستهويه علم السلالات والأنساب، يمكن القول تجوزا إن التوبونيميا المحلية توحي بتعدد الأقوام الذين عمروا هذه المنطقة وسيروا هذا المجال الجغرافي عبر تاريخه الطويل ومصداق هذا الرأي أن سكطار وكرو واجنكه وجوك وديسق وكنكوصه وكنديكه وامبرواق وتبادي أسماء صوننكية.

في حين يعد أبزار وآمرجل وآفطوط وآقواويت وآمرش وآكرراي وتاهميره وتامشكط والتقاده تسميات بربرية، أما الغايره ولقران والملقه وبوقعاره ومقطع اسفيره وبوملانه وبلمطار وأم اشقاق ولمسيله والمنصور والسلطانية ولمنيحر وبلاعه وبومديد وغيرها فهي أسماء عربية بلا خلاف. وهذا ما يعزز الفرضية التي أشارت إليها بعض الدراسات والقائلة بتعاقب هذه المجموعات البشرية الثلاث على إدارة هذه المجال.

واستنادا إلى ما تقدم يبدو الحديث عن تزامن هذه المجموعات غير وارد نظرا إلى عدم اشتراك أي منها في اسم واحد، وتوزيعها عبر المكان مما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد أن الذين أطلقوا هذه الأسماء هم من السكان القارين، وليسوا من الراحلين بدليل أن هذه المواقع ليست على محور واحد.

ويجمع أغلب المؤرخين على أن الغالبية العظمى من قبائل لعصابه اليوم هي من المجموعات الحميرية التي عمرت الصحراء خلال العصر الوسيط في إطار الهجرات التي جاءت من جنوب الجزيرة العربية، وشكلت هذه القبائل الحلف اللمتوني الذي قاد الملحمة المرابطية خلال القرن الحادي عشر الميلادي، وقد تعززت هذه البنية الاجتماعية ابتداءا من القرنين الخامس عشر والسادس عشر بمجموعات مغفرية منها أولاد أمبارك وأولاد لغويزي، ومجموعات لقلال وإدوعلي القادمين من شنقيط، ومجموعات إدولحاج القادمة من وادان، وتجكانت القادمين من تنيكي،ومسومه، ومجموعات إدوبسات القادمة من آبير وتيرس، ومجموعات أخرى مثل الجعافرة القادمين من السهوه، والطلابه السباعيين، و القلاقمة، وأهل مولاي الزين وأهل الشريف أحمد الولي القادمين من الشمال، وغيرهم.

وفي هذه الربوع قامت وازدهرت حواضر علمية في تكبه وقصر السلام أسست على التقوى من أول يوم على يد أساطين العلم والصلاح من أضراب الطالب صديق الجوماني، ومحمد بوكسه والطالب مصطف ولد الطالب عثمان والطالب أحمد ولد الحاج الأمين، وشكلت هذه المراكز محور الصناعة المعرفية، وتعزيز اللحمة الاجتماعية، ومثلت معينا نهل منه صفوة علماء المنطقة أمثال الشيخ سيد المختار الكنتي، والمرابط سيد محمود الحاجي، والشيخ سيد الأمين الجكني، والطالب مختار البصادي، وأحمد المقري العلوي، ومحمد ولد الطالب عيسى المسومي وغيرهم.

وعلى المستوى السياسي دانت المنطقة عبر تاريخها لدول وإمارات ومشيخات مختلفة، ومثلت محور استقطاب إقليمي بحكم موقعها الاستراتيجي، وثقلها الاقتصادي، ومكانتها السامقة في الذاكرة الثقافية، فخضعت لإمبراطورية غانه قرونا قبل أن تصبح جزء من مملكة أوداغوست الصنهاجية، ثم سيطرت عليها الجيوش المرابطية خلال القرن الحادي عشر الميلادي، قبل أن تصبح ضمن مجال إمبراطورية مالي الإسلامية، وخلال المرحلة الحديثة كانت المنطقة ميدانا لتنافس محموم بين أولاد أمبارك وإدوعيش وهو صراع حسم لصالح إدوعيش على عهد الأمير محمد ولد أمحمد شين الذي قاد الإمارة عصرها الذهبي ، ورغم انفراط عقد هذه الإمارة بوفاته سنة1236، فإن المكونة الجنوبية ممثلة في اشراتبت ظلت تدير جزء كبيرا من المجال وتتقاسم النفوذ مع أرستقراطية أهل سيد محمود ذات الوزن السياسي والاجتماعي المحسوس حتي مطالع القرن العشرين حينما وضعت فرنسا يدها على عموم الإقليم، حيث عرفت المنطقة تحولا نوعيا تمثل في تأسيس المراكز الحضرية الجديدة استجابة لإكراهات المرحلة الاستعمارية، وما تقتضيه من إعادة رسم الو لاءات وترتيب الأولويات، وفي هذا السياق يتنزل تأسيس مركز كيفه.

2 مشاركة منتدى

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016