مميزات القضاء الذي يعد اللجوء إليه لجوء حقيقيا للقضاء
وكالة كيفة للأنباء

ذا كان الحقّ في اللجوء للقضاء من الحقوق المعترف بها للمتقاضي في الشريعة الإسلامية وكذلك القوانين الوضعية الحديثة فإنّه تمّ تقرير خصائص أو أوصاف للقضاء الذي يعدّ اللجوء إليه لجوء فعليا للقضاء وبفقدها أو فقد بعضها لا يكون هذا القضاء حقيق باسمه وبالتالي يكون اللجوء إليه في عداد المعدوم لذلك نجد حديثا مطولا في الأصول المتعددة للشريعة الإسلامية عن الحكم وأهدافه ومن تجوز توليته لمنصب القضاء كما نجد في الاتفاقيات الدولية والإقليمية قواعد تقرّر الخصائص المميزة للمحاكم والطرق التي بها يمكن أن يؤدي القضاة وظائفهم في منء عن الضغوط من أيّ كان. كما أنّ التشريع الوطني لم يخل من نصوص تتحدث عن الموضوع بشكل مشابه لما ورد في تلك النصوص ويستفاد من كلّ ذلك أنّ ضمان اللجوء للقضاء يتضمن ضرورة أن يتصف القضاء الذي يلجأ إليه مواصفات من أهمّها الاستقلال والحياد، لذلك فإنّنا سنتعرض في مطلب أول لمصادر استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية والتشريع الوطني لنتعرض في مطلب ثان لتجسيد هذا المبدأ أي مبدأ استقلال القضاء في كلّ منهما. المطلب الأول: مصادر استقلال القضاء في الشريعة والتشريع الوطني تعود مصادر استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية إلى ما نصت عليه بعض الآيات والأحاديث وما تمّت صياغته في ظلال تفسير تلك الآيات والأحاديث من قواعد متعددة تراكمت عبر العصور وكذلك الحال بالنسبة للقوانين الوضعية ففي موريتانيا مثلا يعود تكريس مبدأ استقلال القضاء بالإضافة إلى الموروث من الشريعة الإسلامية لاتفاقيات دولية ونصوص وطنية عديدة سنستعرضها في هذا المطلب عبر تقسميه إلى فقرتين نتناول في أولاها مصادر استقلال القضاء في الشرعة الإسلامية لنخصص الثانية منهما لمصادره في التشريع الوطني. الفقرة الأولى: مصادر استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية بداية يجب التنبيه إلى أنّ مصطلح استقلال القضاء مصطلح حديث ناشئ عن تطور الفكر السياسي الغربي المتعلق بممارسة السلطة والبحث عن إيجاد السبل المثلى لتلك الممارسة فهو في الحقيقة تجسيد لمبدإ فصل السلطات الذي تمت صياغته بشكل قريب من الشكل المعروف عليه اليوم من طرف المفكر الفرنسي مونتسكيي ومعروف أنّ مبدأ فصل السلطات لم يكن معروفا في الفقه الإسلامي الذي كان فيه ولي الأمر قاضيا وقائدا للجيش يقوم بكل تلك الأمور في إطار ممارسته لإمارته على المسلمين أو يعين من يقوم بتلك الأمور باسمه غير أنّ هذا لا يمنع من القول بأن الشريعة الإسلامية عرفته بالفعل والقوة وهذا ما يستنتج من ورود كثير من الآيات القرآنية الحاثة على توخي العدالة في الحكم وتتوعد أهل الجور فيه بالعقاب والتي منها على سبيل المثال ما جاء في:
- الآية رقم:58 من سورة النساء في قوله تعالى:(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)
- الآية رقم:49 من سورة المائدة في قوله تعالى:(وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم)
- الآية رقم:26 من سورة ص في قوله تعالى (يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إنّ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب). كما وردت في السنة المطهرة أحاديث عديدة تأمر بالعدل بين الناس وترغب فيه ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأحاديث التالية:
- عن عمرو بن العاصي رضي الله تعالى عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر).
- عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل عرف الحقّ فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض به فجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحقّ فقضى للناس على جهل فهو في النار). وغير هذه الآيات والأحاديث كثير ووجه انطباقها على استقلال القضاء هو أنّه لا يمكن أن يتحقّق ما تأمر به من عدالة بين الناس من طرف أيّ قضاء إلا بعد الاعتراف للقضاء بالاستقلال التام الذي يوفر له الأمان من تأثير أيّ سلطة أو أيّ فرد عليه ونشير إلى أن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أدركوا أهمية القضاء المستقل العادل والدور العظيم الذي يلعبه في استقرار الأمة ورقيها وازدهارها وهذا ما يدل عليه قول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه ( إذا فسد القضاء فسدت الأمة ) ذلك أنّ أمة بها قضاء مستقل ونزيه يتمتع بسلطاته الكاملة لا يمكن إلا أن تكون أمّة صالحة ومستقرة وراقية اقتصاديا واجتماعيا كما أنّ إمامنا مالك رحمه الله ذهب إلى عدم جواز قبول تولية الإمام غير العادل فمن طلب منه إمام غير عادل أن يتولى القضاء وجب عليه الاعتذار عن ذلك (تبصرة ابن فرحون ج 1 ص 37) وربما يكون هذا هو سبب رفض الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لتولي منصب القضاء وإصراره على ذلك الرفض حتى أنّه ضرب ولم يقبل(بدائع الصنائع للكاساني ج 9 ص 94). الفقرة الثانية:مصادر استقلال القضاء في التشريع الوطني تنقسم مصادر استقلال القضاء في التشريع الوطني إلى مصادر دولية تتمثل في المواثيق الدولية والإقليمية التي صادقت عليها موريتانيا وهذا ما سنتناول في (ا) ومصادر وطنية بحتة تتمثل في قواعد متعددة تتقاسمها عدّة نصوص وطنية وهذا ما سنتعرض له في (ب). ا- المصادر الدولية والإقليمية لاستقلال القضاء في التشريع الوطني صادقت موريتانيا على عدة مواثيق دولية وإقليمية تكرس بصوت عال استقلال القضاء ومن بين تلك المواثيق على سبيل المثال لا الحصر:
- بالنسبة للمواثيق الدولية نذكر على سبيل المثال: •الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: الذي نصت المادة:10 منه على أن:(لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه ). •العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية: الذي نص البند رقم:(1) من المادة: 14 منه على أنّ: (الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون.).
- بالنسبة للمواثيق الإقليمية ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: • الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب: الذي كرس هذا المبدأ عبر نصه في المادة:26 منه على أنه يتعين على الدول الأطراف في هذا الميثاق ضمان استقلال المحاكم وإتاحة إنشاء وتحسين المؤسسات الوطنية المختصة التى يعهد إليها بالنهوض وبحماية الحقوق والحريات التى يكفلها هذا الميثاق.

ب-المصادر الوطنية لاستقلال القضاء في التشريع الوطني نصت عدة تشريعات وطنية على مبدأ استقلال القضاء منها على سبيل المثال: •الدستور الوطني: الذي نصت المادة: 89 منه على أنّ القضاء مستقل إزاء السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وأن رئيس الجمهورية ضامن لهذا الاستقلال ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء بينما نصت المادة:90 منه على أنّ القضاء حارس للحريات الفردية وأنّه لا يخضع في إطار ممارسته لوظيفته إلا للقانون وهو محمي من جميع الضغوط التي يمكن أن تمس من استقلاله. •النظام الأساسي للقضاء: وهو قانون نظامي وتنص المادة: 7 منه على أن القضاة لا يخضعون في ممارسة وظائفهم القضائية إلا للقانون فليس لأي سلطة حتى لو كانت رئيس الجمهورية أو وزير العدل أو رئيس المحكمة العليا أن يوجه لهم أوامر تتعلق بممارسة وظائفهم القضائية. المطلب الثاني:تجسيد مبدأ استقلال وحياد القضاء يتجسد مبدأ استقلا القضاء من خلال حماية الاستقلال والحياد: مفهوم الاستقلال والحياد: يصعب التمييز بين هذين المصطلحين أعني الاستقلال والحياد لتداخلهما وضرورة وجود الأول منهما ليمكن الحديث عن الأخير لذلك فإن النصوص القانونية والاجتهاد القضائي وبعض الفقه كثيرا ما يذكرهما بشكل متلازم على أنّه يمكن التفريق بينهما على المستوى النظري على الأقلّ ذلك أن الاستقلال يتعلق أساسا بالخارج أي السلط الأخرى مثل السلطة التنفيذية أو التشريعية أو حتى الأطراف ومصدره في أغلب الأحيان القوانين الدستورية والنظامية فهو نتيجة حتمية لمبدإ فصل السلطات أمّا الحياد فيعود إلى النظام الإداري الداخلي للقضاء أو للمحكمة وعلاقتها بأطراف القضايا (Serge Guinchard Cécile Chainais et d’autre droit processuel droit fondamentaux du procès p 794) وسنتناولهما تباعا في فقرتين نتعرض في أولاهما لقواعد تجسيد استقلال القضاء بينما نخصص الثانية منهما لحياده. الفقرة الأولى: قواعد تجسيد استقلال القضاء وحياده في الشريعة والتشريع الوطني سنقسم هذه الفقرة إلى نقطتين نتناول في الأولى منهما(α) قواعد تجسيد استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية بينما نخصص الثانية منهما(β) لقواعد تجسيد هذا الاستقلال في التشريع الوطني α-قواعد تجسيد استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية لم يتناول فقهاء الشريعة الإسلامية استقلال القاضي في مواجهة السلطة التنفيذية (ولي الأمر) بالطريقة التي يتم بها تناولها اليوم من طرف فقهاء القانون والساسة و المنظمات الدولية مثل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية إلا أن حديثهم عن اختصاصات القاضي وعلاقته بالسلطة القائمة (ولي الأمر) يمكن أن يستشف منه أن الفكر الفقهي الإسلامي يميز بين استقلال القاضي في الحكم واستقلاله فيما يتعلق بالتعيين والعزل والاختصاص: ا-استقلال القاضي في الحكم: ويعتبر القاضي مستقلا إزاء جميع السلطات في الأمور المتعلقة ببته في القضايا ذلك أنّه لا يجوز لولاة الأمور أن يتدخلوا للقاضي في أحكامه مطلقا كما أن من المقرّر فيها أنّ من لا يقضي إلا بأوامر رؤسائه ليس من القضاة بل من الخدم ( ابن فرحون م-س ج 1 ص 39 )) ذلك أنّ العدالة في الحكم واجبة في كلّ الأحوال وكلّ الظروف وهذا ما يستفاد من نصّ وتفسير الآية (( لا يجرمنكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعدلوا)) وآيات أخرى كثيرة (إسماعيل بن عمر بن كثير المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير ص 221-222- 332 ) وينعدم احتمال تأثير ولي الأمر على أحكام القاضي إذا تذكرنا: •أنّ ما يحكم به القاضي معروف عند المسلمين ذلك أنّه يحكم بنصوص شرعية تدرس على نطاق واسع في المجتمعات الإسلامية. •أنّ وسائل الإثبات أي البيّنات التي يحكم انطلاقا منها محدّدة شرعا. •أن الشروط التي يجب توفرها في من يتولى وظيفة القاضي لا يمكن توفرها في شخص ليس له وازع ديني على درجة عالية من اليقظة التي تدفعه للتمسك بمقولة رضا الخالق أولى من رضا المخلوق وتعزيزا لذلك وردت أحاديث تتوعد من ولى غير الأكفئ على أيّ شيء من أمور المسلمين منها (من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمّر أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم) وحديث (من استعمل رجلا على عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين) . ب-استقلاله في ما يتعلق بالتعيين والعزل وتحديد اختصاصاته 1- بالنسبة للتعيين: وهنا يجب التنبيه إلى أنّ القاضي في الفكر الفقهي الإسلامي ممثل للإمام ونائب عنه فهو من يعينه يقول ابن عاصم في تحفة الحكام معرفا القاضي: منفذ بالشرع للأحكام له نيابة عن الإمام هذا مع أنّ هناك أقوال تذهب إلى أنّ لجماعة المسلمين تعيينه إذا حال مانع بين الإمام وتعيينه لكنّ التعين هنا يكون باسم الإمام وفي هذا الإطار يذهب ابن خلدون إلى أنّ القضاء كان للخلفاء وأسندوه إلى غيرهم لانشغالهم عنه بأمور أخرى من أمور الملك ومن يعينون فيه ليسوا إلا عمالا لهم كغيرهم من العمال (عبد الرحمن بن خلدون مقدمة ابن خلدون ص 212-213 ) 2- بالنسبة للعزل: لولي الأمر عزل القاضي متى شاء فهو وكيل عنه وكما هو معروف فإنّ للموكل عزل وكيله هذا مع وجود أقوال في الشريعة الإسلامية يشي ظاهرها بعدم جواز عزل القاضي العادل ومنها على سبيل المثال: • في المذهب المالكي: ما جاء في التبصرة من عدم مدح عزل القاضي العادل بمجرد الشكية ومن باب أولى بغيرها (ابن فرحون م-س ج 1ص 103 ) •في المذهب الحنبلي:الذي ورد فيه قول بعدم جواز عزل القاضي العادل وذلك لأنّ القاضي العادل عند توليته (يصير ناظرا للمسلمين على سبيل المصلحة لا عن الإمام ويفارق الموكل فإنّ له عزل وكيله لأنّه ينظر في حقّ موكله خاصة)( أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي الأحكام السلطانية ص 65) وهذا ما يستنتج منه في عمومه أنّ في الفقه الإسلامي قواعد شبيهة بما تمّ تقريره حديثا من أمور تستهدف حماية استقلال القضاء وتجب الإشارة إلى أنّ إمكانية العزل لم يعتقد المسلمون يوما أنّها تشكل عائقا أمام استقلال القاضي. 3-استقلال القاضي في ما يتعلق بالاختصاص: الاختصاص هو الصلاحية التي منح القانون للموظف أو الهيئة والتي بموجبها تمّ تخويلها ممارسة الوظيفة التي أسندت إليها والتي هي البتّ في النزاعات المعروضة عليها بالنسبة للمحاكم التي هي القضاة في الشريعة الإسلامية وينقسم الاختصاص إلى:
- اختصاص نوعي:ولولي الأمر الحقّ في تقييد اختصاص القاضي النوعي حيث يمكنه أن يعين له قضية معينة يقضي فيها بين خصوم معينين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عقبة بن عامر وعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما (د/محمد بن عبد الله بن محمد المرزوقي سلطة وليّ الأمر في تقييد سلطة القاضي ص 94) كما يمكن أن يقيد اختصاصه بأنواع معينة من القضايا تشكل في مجملها اختصاصه كما فعل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حيث قال ليزيد بن سعيد ابن أخت النمر اكفني في بعض الأمور الصغار(م-س ص 95)
- اختصاص الترابي: لولي الأمر كذلك تقييد اختصاص القاضي ترابيا بأن يجعله قاض لمكان معين دون غيره وهذا ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ببعثه لقضاة إلى أماكن معينة .
- تقييد اختصاص القاضي زمنيا: لا يحول شيء دون تقييد ولي الأمر لسلطة القاضي بتعيينه قاض في مكان معين أو للبت في قضايا معينة لمدّة محدودة زمنيا (م-ن ص 125) فيجب النظر في ما يتعلق بهذا الموضوع إلى قواعد الوكالة ذلك أنّ القاضي مجرد وكيل لولي الأمر حسب بعض الآراء والأقوال السائدة في الفقه الإسلامي خاصة المالكي كما سبقت الإشارة إلى ذلك . β-استقلال القضاء في التشريع الوطني يفرق فقهاء القانون الوضعي بين نوعين من الاستقلال بالنسبة للقضاء فهناك استقلال داخلي كما أنّ هناك استقلال خارجي. 1-الاستقلال الداخلي:وبتكريسه يحرص على عدم التبعية داخل القضاة فهم في رتبة واحدة يستوي منهم من في المحكمة العليا مع القضاة الموجودين في أصغر المحاكم من ناحية الرتبة والعلاوة فلا فرق بينهم إلا فيما يتعلق بتعويض الأقدمية كما أنّ النيابة العامة تكون فيه مستقلة استقلالا وظيفيا تاما عن وزير العدل وهذا النظام مطبق في إيطاليا وأثبت نجاحه فيها(Serge Guinchard et Cécile Chaiais op cit pp 833-834) . 2-الاستقلال الخارجي: ويقصد به استقلال القضاء أو المحكمة في مواجهة الأفراد وكذلك السلط الأخرى أي السلطة التشريعية وهذا ما سنتناول في (ا) والسلطة التنفيذية وهذا ما سنتناول في (ب) وكذلك استقلاله في مواجهة الأطراف وهذا ما سنتناول في (ج). ا-استقلال القضاء في مواجهة السلطة التشريعية: وتجسيدا له يحظر على السلطة التشريعية: • أن تحل محلّ السلطة القضائية في البتّ في القضايا وهذا ما نص عليه المشرع الوطني في المادة الأولى من التنظيم القضائي التي جاء فيها أنّ العدالة تقام باسم الله من طرف المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف ومحاكم الولايات والمحاكم الجنائية والمحاكم التجارية ومحاكم الشغل ومحاكم المقاطعات وكلّ محكمة أخرى تنشأ بقانون ونشير إلى أنّ هذا النص معزّز بما تنص عليه المواد:89 - 90-91 من الدستور من أن القضاء هو حارس الحريات الفردية والعامة فحراسة الحريات تتضمن حتما أنّه لا يمكن المساس بهذه الحريات إلا بمقتضى حكم قضائي يأذن بذلك المساس أو أن يكون المساس بها خاضعا على الأقل لرقابة حارسها الذي هو القضاء كما أن الفقرة الأخيرة من المادة:7 من ق ت ق تنص على أنّ (للمحاكم المنصوص عليها في القانون وحدها أن تصدر الإدانات) وحراسة القضاء للحريات الفردية والعامة يعود تكريسها للقانون الطبيعي وإلى مقتضيات وظيفته Louis Favoreu et Patrick Gaia et d’autres droit des libertés fondamentales p 79 • أنّه لا يمكن للسلطة التشريعية أن توجه أوامر إلى السلطة القضائية مهما كانت هذه الأوامر سواء تعلق الأمر بالبت في القضايا أو تسيير المحاكم؛ • أنّه لا يمكن للسلطة التشريعية تطبيقا لاستقلال السلطة القضائية عنها أن تلغي أحكام القضاء أو أن تصدر ما من شأنه المساس بقوة الشيء المقضي به خارج الحالات المنصوص عليها في القانون مثل تلك المتعلقة بالعفو العام... ؛ ب- استقلال القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية :يتجسد استقلال القاضي إزاء السلطة التنفيذية حسب لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة انطلاقا من تفسيرها للمادة:14 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك اجتهاد المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان المطبق للمادة:6 خاصة الفقرة (1) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي تشبه المادة:14 من العهد سالفة الذكر في أمور كثيرة جدا يعتبر تقريرها والعمل بها ترجمة لاتصاف القضاء في دولة معينة بالاستقلال و سنتناول بعض ذلك عبر التعرض لأهمّ هذه القواعد في ما يلي: 1-أن لا يكون تعيين القضاة في الوظائف القضائية متعلقا بالسلطة التقديرية للسلطة التنفيذية: لذلك فإنّ إسناد الوظائف القضائية يكون من اختصاص القضاة أنفسهم ممّا يعني أن تكون إدارة القضاء بصفة عامة وخاصة الجالس منه على الأقل ذاتية غير أنه يلاحظ في بلدنا أن السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل هي التي تقوم بتحويل القضاة من منصب إلى منصب ومن مكان إلى مكان وذلك رغم أنّ المادة:8 من النظام الأساسي للقضاء تنص على أنّه لا يمكن عزل أو تحويل أيّ قاض إلا بطلب منه أو لعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة وبعد رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء وأنّ المادة:4 من ذات القانون تنص على أنّ قضاة الحكم يعينون في مختلف الوظائف القضائية بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء فهذه النصوص ليست في الحقيقة إلا حبرا على ورق لأنّ المجلس الأعلى للقضاء تتلى فيه التحويلات فقط ولا يلعب أيّ عضو من أعضائه خاصة ممثلي القضاة المنتخبين من طرفهم لهذه المهمة أيّ دور في اقتراح التعيينات بل إنّ رئيس المحكمة العليا في بعض الأحيان لا يعلم عنها شيئا إلا بعد تلاوتها عليه داخل المجلس وهذا ما يحدث في حالات عديدة للمفتش العام للقضاء والسجون هذا بالإضافة إلى أنّ القضاء الواقف لا يتمتع بأيّ ضمانة من هذا النوع حتى على مستوى النصوص ذلك أنّ أفراده يعينون بمذكرات يصدرها وزير العدل خارج المجلس الأعلى للقضاء حسب نص المادة:4 من النظام الأساسي للقضاء كما تنص المادة:49 من النظام الأساسي للقضاء على أن المجلس الأعلى للقضاء ينعقد بدعوة من رئيسه أي رئيس الجمهورية وهو من يحدّد جدول أعماله بناء على اقتراح من وزير العدل وهذا ما يشهد لما ذهبنا إليه سابقا من تحكم السلطة التنفيذية في القضاء وضعف مشاركة ممثلي القضاة في عمل المجلس وأنّ النصوص المتعلقة بتكريس استقلال القضاء في البلد مجرد حبر على ورق . 2-أن لا يخضع استمرار مأمورية القضاة في ممارستهم لوظائفهم للسلطة التقديرية للسلطة التنفيذية : وذلك بأن لا يكون للسلطة التنفيذية تحويل القاضي متى شاءت تحويله ذلك أن تحويل القاضي عن منصبه يمكن أن يشكل عزلا له عن قضية معينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهذه الحالة شبيهة بسابقتها وبالتالي واضح من عرضنا للواقع والنصوص أن القضاء الموريتاني لا تتوفر فيه هذه القاعدة وذلك لأن المجلس الأعلى للقضاء الذي يشكل انعقاده مناسبة لتحويل القضاة يحدّد تاريخ انعقاده من طرف رئيس الجمهورية الذي يدعو لانعقاده متى شاء ويحدّد جدول أعماله بناء على اقتراح من وزير العدل الأمر الذي لا دخل للقضاة فيه. 3- أن لا يكون للسلطة التنفيذية تدخل في المسار المهني للقاضي: وذلك من ناحية التنقيط والترقية لذلك فإنّ الترقية يجب أن تكون بشكل تلقائي ما لم يتعرض القاضي لعقوبة تأديبية تبرّر عدم ترقيته بنصها على الحرمان منها مدّة معينة ويجب أن يتمتع القضاة بحقّ الطعن في القرارات التأديبية التي يمكن أن يتعرضوا لها ابتغاء تحقيق الأهداف التالية:
- الحرص على تمكين القاضي موضوع المتابعة التأديبية من حقوق الدفاع لأنّ التشكيلة التأديبية للمجلس الأعلى غير معصومة؛
- الدفع بالتشكيلة المعنية إلى بذل مزيد من الجهد وتوخي الحيطة والحذر في ما تصدر من قرارات؛
- زرع مزيد من المصداقية في القرارات الصادرة عن الهيئة بالإدانة أو التبرئة ونشير إلى أنّ قرارات المجلس الأعلى للقضاء غير قابلة لأيّ طعن في الوقت الحالي فهو "معصوم" من الخطإ رغم أنّ أكثر قراراته تكون مثارا للجدل لأنّها تتوخى تطبيق قرارات سياسية كما هو الحال في قرار الأخير الذي صدر بتشكيلة غير مكتملة منع بعض أفرادها من الانضمام لها بأمر من أحد أعضائها النافذين رغم أنّهما كانا بالباب ورغم أنّ الفقرة الثانية من المادة:49 من ق ن ق تنص على أنّ التشكيلة التأديبية تبتّ وهي مكتملة إلا إذا طلب أحد أفرادها الإذن له بالتغيب عنها وقدّم عذرا يبرّر ذلك ممّا يعني عدم المشروعية المزدوجة لهذا القرار؛ -يمكن أن تضاف إلى هذه الأمور أن يكون المجلس الأعلى في تشكيلته التأديبية للقضاة خال من أي ممثل للسلطة التنفيذية غير المدعي العام ويجب أن لا يحضر المداولات ذلك أنّه يلاحظ أنّ التشكيلة الحالية للمجلس الأعلى للقضاء محشوة بكثير من ممثلي السلطة التنفيذية المفتقرين قطعا للحياد كما أنّه من بين أعضاء التشكيلة المفتش الذي يقوم عادة بإعداد التقرير الذي بموجبه تكون إحالة القاضي المعني لمجلس التأديب؛ ويجب التنبيه إلى أن القضاء الجالس في موريتانيا يتم تنقيطه من طرف جهتين لا يمكن لأيّ كان الجزم بأنّهما مستقلتين انطلاقا من المعايير الدولية للاستقلال وهما: *رئيس المحكمة العليا:طبقا للمادة:25 من ق ت ق وهذا يعين بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية لمدّة خمس سنوات طبقا للمادة:14 ق ت ق ويمكن أن لا ينهيها نظرا لأنّ لرئيس الجمهورية إعفاءه من مهامه قبل انتهاء مأموريته طبقا للمادة:18 من ذات القانون ونشير إلى أن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان شدّدت على ضرورة تقرير عدم إمكانية العزل مهما كانت المدة (Serge Guinchard Cécile Chainais op Cit. 796 ) وكثيرا ما يتم تعيينه من خارج القطاع وسبق أن عين على المحكمة العليا شاعر موريتاني كبير لم يدخل أيّ جامعة للقانون وهذه الأمور كلّها يمكن أن تثير كثيرا من التساؤلات حول حياد واستقلال رئيس المحكمة العليا أضف إلى ذلك أن الطريقة التي يتم بها التنقيط تتسم بالغرابة ذلك أنّ المنقط كثيرا ما ينقط قاض لم يره مطلقا ولم يقف على أيّ عمل له بل إنّه كثيرا ما يعجز العاقل والأحمق عن إيجاد أيّ تفسير للمعايير التي يتمّ على أساسها هذا التنقيط؛ *المفتشية العامة للقضاء والسجون:وهذه تعمل تحت السلطة المباشرة لوزير العدل حسب نص المادة:10 من ق ت ق ممّا يدفع إلى الشك في استقلالها ومصداقية ما تقوم به من تفتيشات. 3- بالنسبة للأطراف: تنص القوانين عادة علي قواعد من خلالها تتم حماية القاضي من الاعتداءات التي يقوم بها الأطراف ويكون القاضي عرضة لها أثناء ممارسته لوظيفته أو لسبب يتعلق بها وفي هذا الإطار بعد أن نصت المادة:15 من ق ن أ ق على قاعدة عامة مفادها حماية القاضي من التهديدات وأنّ الدولة تعوض له عمّا يصيبه من أضرار بمناسبة عمله تضمن القانون الجنائي الموريتاني قواعد تعاقب المعتدين على القضاة بمناسبة ممارستهم لوظائفهم ومن هذه المواد على سبيل المثال لا الحصر:
- المادة:204 التي تعاقب إهانة القاضي بالقول أو الكتابة أو الرسم بعقوبة تتراوح بين خمسة عشر يوما وسنتين من الحبس ما لم تكن الإهانة وقعت أثناء الجلسة فإن وقعت أثناءها كانت العقوبة الحبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات؛
- المادة:210 من ذات القانون التي بموجبها(يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل من ضرب قاضيا أو ارتكب ضده أي اعتداء مادي أو عنف أثناء تأديته لوظيفته، أو بمناسبتها ولو بدون سلاح أو لم ينجم عنه جرح. وتطبق العقوبة الأشد إذا كان الاعتداء المادي واقعا أثناء جلسة للمحكمة. ويمكن علاوة على ذلك أن يحرم الجاني من الحقوق المنصوص عليها بالمادة 36 من هذا القانون لمدة خمس سنوات على الأقل وعشر سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ انتهاء العقوبة ويمنع من الإقامة لمدة مساوية للمدة المذكورة).
- المادة: 213.التي نصت على أنّه: ( إذا أدى العنف المستعمل ضد الموظفين والأعوان المبينين في المادتين 210 و212 إلى إراقة الدماء أو الجرح أو المرض يعاقب عليه بالسجن أو بالقصاص أو الدية. وإذا ترتبت عليه الوفاة وثبت ذلك بشهادة الطبيب تكون العقوبة هي القصاص أو الدية.)
- المادة 214. التي نصت على أنّه ( يعاقب على الضرب بالسجن في الحالة التي لا يسبب فيها هذا العنف إراقة دماء أو جرح أو مرض، إذا ارتكب مع ترصد وسبق إصرار.)
- المادة 215. التي نصت على أنّه (يعاقب بالإعدام على الضربات أو الجروح إذا ارتكبت ضد أحد الموظفين والأعوان المنصوص عليهم بالمادتين 210 و212 حال مباشرتهم لوظائفهم أو بمناسبتها إذا استعملت بنية القتل ووقع بالفعل.) الفقرة الثانية: حماية حياد القاضي في الشريعة والتشريع الوطني يقصد بحماية حياد القاضي تلك القواعد الهادفة إلى حمله على أن يكون متزنا في سلوكه المهني وفي أعين المتقاضين وسنتعرض لها في نقطتين نخصص أولاهما لقواعد حماية حياد القاضي في الشريعة الإسلامية (α) بينما نخصص الثانية لحماية هذا الحياد في التشريع الوطني (β) α-حماية حياد القاضي في الشريعة الإسلامية بالإضافة إلى ما تمّ ذكره سابقا من ضرورة تمتع القاضي بكثير من العلم والورع حمى الفكر الفقهي الإسلامي حياد القضاء إزاء الأطراف بعدد - ليس بالقليل- من القواعد المنسجمة مع ما يسمى اليوم عندنا بأخلاقيات المهنة (لمعرفتها في القانون الفرنسي يمكن الرجوع إلى Guy Canivet / Julie Joly Horard la déontologie de magistrat) فبتمسك القاضي بالآداب وقواعد اللياقة المسطرة في كتب الفقه يقتنع الناس بحياده ذلك أنّه:
- يجب عليه أن يتفطن إلى نفسه ويأخذها على كلّ ما من شأنه أن يرفعه عند الله وفي أعين الناس ويدرك أنّه محط أنظار العامة والخاصة وقدوة لهم جميعا فبذلك تتعزز مصداقيته الشخصية كما يضفي ذلك كثيرا من الاحترام على أعماله (ابن فرحون م-س ج 1 ص 46) ويجعله فوق الشبهات عند المتقاضين؛
- كره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا من دعاهم لمأدبة مثلا ولا شك أن على رأس أهل الفضل عند مالك القضاة (م-ن ص 49) وذلك لكي لا يظنّ العامة أنّ لمن قبلوا دعوته حظوة عندهم كما أنّ في تلبية تلك الدعوات وبحضورها يعرض القاضي نفسه للاختلاط بالعامة ممّا يمكن أن يمس من هيبته في نفوسهم؛
- يمنع عليه أخذ الهدية من أيّ كان إلا ممّن ولّاه أو ممّن كان يتهادى معه قبل تعيينه فقد قيل لعمر بن عبد العزيز ترد الهدية وقد أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان يهدى له تقربا لمقام النبوة أما نحن فيهدى لنا لولايتنا فهي إذا رشوة حرام أخذها (م-ن ص 48)؛
- تمنع عليه زيارة غير من ولّاه أي ولي الأمر أو ذوي القربى؛
- يكره عليه أن يستعير أو يستدين ما لم تدعوه ضرورة ملحة إلى ذلك بل إنّهم ذهبوا إلى وجوب أن يغنى الفقير ويقضى دينه عند توليه لمنصب القضاء ( م-ن ص 44)ح
- روى ابن سحنون عن مالك أنّه لا ينزل ضيفا على أحد من رعيته زيادة على ذلك تحث الشريعة الإسلامية القاضي على الابتعاد عن التهمة والنأي بنفسه عن كلّ ما يمكن أن يؤدي إليها ومن ذلك أنّه لا يحكم بعلمه حسب بعض الأقوال التي اعتمد ابن عاصم عند قوله: وفي الشهود يحكم القاضي بما يعلم منهم باتفاق العلمـــــا وفي سواهم مالك قد شــــــدّدا في منع حكمه بغير الشهداء وقوله: وعدل إن أدى على ما عنده خلافه منع أن يـــــــرده وحقه إنهاء ما في علمــــــه لمن سواه شاهدا بحكمه هذا مع أن في الشريعة الإسلامية قواعد شبيهة بما يعرف عندنا اليوم بمسطرة الرد والخصومة حيث قرّر الفقهاء: •بالنسبة للرد:أنّه لا يجوز للقاضي أن يحكم لنفسه ولا لمن لا تجوز شهادته له أو عليه ممّا يعني أنّه لا يمكن أن يحكم على عدوه أو لأبيه وأخيه وهنا يمكن أن يقاس على هذا كلّ المواضيع المتعلقة بالقرابة الشديدة أو حتى الأمور المتعلقة بالتهمة لاتحاد المصالح التي تعتبر من أهمّ الأمور التي تقف وراء أسباب العزل القانونية (أبو عبد الله الحطاب ج 6 ص 348-349) ؛ •بالنسبة للمخاصمة: جاءت في كتب الفقه الإسلامي أمور تدل على جوازها ذلك أنّ القاضي الجائر الذي ثبت جوره بإقرار أو بينة يجب أن يعاقب عقوبة موجعة وأن يفضح ولم تجز بعد ذلك توليته ولا حتى شهادته ( م-س ص 351) ويمكن أن يخاصم القاضي أيّ شخص أثبت أنّه حكم عليه بالجور؛ β-حماية حياد القاضي في التشريع الوطني في إطار تفسيرها لحياد المحكمة المنصوص عليه في المادة:14 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ذهبت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أنّ حياد القاضي يفترض أن لا يكون لأعضاء المحكمة معارف مسبقة عن الموضوع المثار أمامها بشكل يمكن أن يؤدي لتغليب مصالح أحد الأطراف و يضرّ بالطرف الآخر الأمر الذي جعلها تنتقد بشدة: • الإجراءات التي يكون فيها رئيس المحكمة أو أحد أعضائها مارس وظيفة التحقيق والاتهام والحكم في قضية واحدة وهذا ما نجد له صدى في التشريع الوطني تمثل في المادة:236 من ق إ ج التي جاء فيها (لا يمكن لأي قاض أن يجلس بصفته رئيسا أو مساعدا في قضية مقدمة للمحكمة الجنائية إذا كان قد قام فيها بإجراء متابعة أو تحقيق أو شارك في حكم أو قرار صادر من محكمة ما يتعلق بتلك القضية) ولم يرتب القانون على مخالفتها أي شيء اللهم مجرد كونها من أسباب الرد وهذه ما تقرّره المادة:603 من ق إ ج هذا بالإضافة إلى أنّ التشريع الوطني خرج على هذا في حالتين على الأقل هما: *حالة خاصة بالمحكمة الجنائية:وتتعلق بأنّه يستثنى من هذا المنع القاضي المعين من طرف المحكمة الجنائية أو رئيسها من أجل القيام بتحقيق تكميلي طبقا للمادتين:264-280 من ق إ ج فإنّه يمكنه أن يشارك في الحكم في القضية التي قام فيها بتحقيق تكميلي؛ *حالة عامة متعلقة بالجنح: يجوز للقاضي في القضايا المتعلقة بالجنح بصفة عامة أن يقوم بالتحقيق الإعدادي وبالحكم في هذا النوع من الجرائم وذلك تطبيقا للمادة:44 من ق إ ج التي جاء في الفقرة الثانية منها (إذا تخلف قاضي التحقيق أو مرض أو عاقه عائق آخر فإن رئيس محكمة الولاية يعين بقرار قاضي تحقيق مؤقتا محله. وإذا لم يقع ذلك التعيين فإن رئيس محكمة الولاية يقوم بوظائف قاضي التحقيق. وفي هذه الحالة الأخيرة فإن لرئيس محكمة الولاية أن يحكم في قضايا الجنح التي قام بالتحقيق فيها. ). • الوضعية التي يمكن فيها للادعاء العام أن تؤثر على قرار المحكمة وقد يثار حياد القاضي في المسائل التي لها علاقة بمصالحه هو أو أقربائه أو من يسأل عنهم وتكريسا لصيانة حياد القاضي وحماية لمصداقية القرارات التي تصدر عنه تنص قوانين لإجراءات على إمكانية استبعاده من طرف الخصوم عن طريق مسطرة العزل كما أنّ له هو أن يطلب عزل نفسه إذا رأى ذلك ضروريا لحسن سير العدالة وصون مصداقية قراراتها سواء تعلق الأمر بإمكانية أن يؤثر تشابك مصالحه مع مصالح أحد أطراف القضية أو لأيّ سبب آخر وعندما لا يطلب القاضي عزل نفسه في هذه الحالات يمكن للخصم الذي يخشى تأثير تشابك مصالح القاضي مع مصالح خصيمه على الحكم في القضية أن يستبعده عن طريق مسطرة العزل وسنتعرض لها في (ا) أو عن طريق مسطرة التشكك المشروع التي سنتناول في(ب) أما إذا تعلق الأمر بشبهات خطيرة يمكن أن تبرّر إثارة الشكوك في نزاهة القاضي كان لمن يدعي ذلك مخاصمة القاضي المعني وهذا ما سنعرض في (ج) ا- مسطرة العزل أو الرّد يراد بمسطرة العزل منح الأطراف أو أحدهم إمكانية استبعاد قاض من البتّ في قضيته نظرا لأنّه يتهمه بأنّه لن يكون محايدا وذلك لأسباب ملموسة نصّ عليها المشرع بالنسبة للمادة الجزائية بالمواد:603 إلى 609 ق إ ج بينما نظمتها في المجال المدني المواد:262 إلى 271 ق إ م ت إ وأطلق عليها المشرع مسطرة الرد لكن الشروط تبقى متقاربة في المجال المدني والجزائي هذا إن لم تكن واحدة بالنسبة للقانونين كما سيتضح ممّا يلي وسنتناول الموضوع عبر التعرض للأسس التي يمكن أن تبرّر طلب الرد بينما نتعرض بعد ذلك للقضاة الذين يمكن ردّهم ثم المسطرة الواجب إتباعها في مجال رد القضاة: ᴵ-الأسس التي يمكن أن تبرّر ردّ القضاة: تطبيقا للمادة:262 من ق إ م ت إ يمكن للخصم ردّ القاضي إذا وجد هذا الأخير في أحد الوضعيات التالية: 1. -إذا كان للقاضي أو زوجه مصلحة شخصية في النزاع؛ 2-إذا كان القاضي أو زوجه من أصول أو فروع أحد الأطراف؛ 3-إذا كان القاضي أو زوجه دائنا أو مدينا أو وارثا أو واهبا لأحد الأطراف؛ 4-إذا كان للقاضي أو زوجه أو للأشخاص الذين تحت ولايته أو وصايته أو الشركات أو الجمعيات التي يساهم في إدارتها أو رقابتها، مصلحة في النزاع؛ 5-إذا كان القاضي أو زوجه قريبا أو صهرا إلى الدرجة الرابعة مع دخول الغاية لوصي أو مقدم أحد الأطراف أو لإداري أو مدير أو مسير شركة طرف في النزاع؛ 6-إذا وجد القاضي أو زوجه في حالة تبعية بالنسبة لأحد الأطراف أو زوجه؛ 7-إذا سبق للقاضي أن عرف الخصومة بوصفه قاضيا أو محكما أو وكيلا أو أدى شهادة في واقعة النزاع؛ 8-إذا وجد نزاع بين القاضي أو زوجه أو أقربائهما أو أصهارهما المباشرين وبين أحد الأطراف أو زوجه أو أقربائه أو أصهاره من نفس الدرجة؛ 9-إذا كان للقاضي أو زوجه نزاع منشور أمام محكمة يوجد بها أحد الأطراف بوصفه قاضيا؛ 10-إذا كان للقاضي أو زوجه أو لأقربائهما أو أصهارهما المباشرين خلاف يشبه النزاع المثار بين الأطراف؛ 11-إذا وجدت صداقة أو عداوة مشهورة بين القاضي وأحد الأطراف.

ᴵᴵ-القضاة الممكن ردّهم: نصت القرة الأخيرة من المادة:262 على أنّه:(لا يجوز رد النيابة العامة إذا كانت طرفا رئيسيا.) كما نصت الفقرة الثانية من المادة: 604 من ق إ ج على أنّه لا يمكن ردّ النيابة العامة دون أن تقيد ذلك بشيء وذلك ربما يكون نظرا لأنّ النيابة العامة في المجال الجزائي تكون طرفا رئيسيا وهذا يعني أنّ قاضي النيابة لا يمكن ردّه إلا في المجال المدني وبشرط أن تكون طرفا رئيسيا الأمر الذي يدعو للأسف لأنّ المادة الجزائية أكثر خطورة ويمكن لقاضي النيابة أن يجد نفسه في نفس الوضعية التي يجد فيها القاضي الجالس ذاته حتى وإن كان قاضي النيابة لا يحكم فإنّه كان على المشرع أن يطبق عليه مسطرة العزل صيانة لهيبة القضاء ومصداقية العدالة وسمعتها خاصة في هذه الظرفية التاريخية التي يتعرض فيها القضاء لهجوم غير مسبوق من طرف السلطات والخصوم . ᴵᴵᴵ-مسطرة الرد:نشير إلى أنّ مسطرة عزل القضاة تعتبر مسطرة بسيطة فهي لا تتطلب حسب نص المادة:263 من ق إ م ت إ أكثر من : •تقديم طلب من المعني أو من وكيله الموكل توكيلا خاصا إلى :
- رئيس محكمة الاستئناف المختص إذا تعلق الأمر بقاض يعمل في محاكم الدرجة الأولى
- رئيس المحكمة العليا إذا تعلق الأمر بقاض يعمل في محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا ويجب أن يتضمن الطلب اسم القاضي المراد عزله عن الملف كما يجب أن يشرح الأسباب التي دعت إليه ويرفقه بوسائل إثبات للمزاعم التي وردت في الطلب. •أن يتم تقديم الطلب قبل تاريخ الجلسة أو على الأقل قبل ختم المرافعات فيها. وتجب الإشارة إلى أنّ تقديم طلب الرد لا يترتب عليه ردّ للقاضي أو توقفه عن النظر في الموضوع ما لم يأمر بذلك رئيس المحكمة المختصة بعد أخذ رأي المدعي العام ولم يبين النص أيّ مدعي عام يعني غير أنّه يستنتج من السياق أنّ القاضي المختص إذا كان رئيس محكمة الاستئناف كان المعني هو المدعي العام لدى هذه المحكمة أمّا إذا كان القاضي المختص هو رئيس المحكمة العليا كان المعني هو المدعي العام لدى المحكمة العليا ذلك أنّ ما يترتب على تقديم طلب الرد هو:
- تبليغ العريضة التي قدم طالب الرد هي ومذكرته التكميلية إن وجدت بالسلم الإدارية إلى القاضي المطلوب ردّه؛
- للقاضي المطلوب ردّه ثمانية أيام للرد على المذكرة المقدمة من طالب الرد؛
- بعد تقديم المذكرات للقاضي المختص يبت بقرار غير قابل لأيّ طعن في الموضوع وذلك حسب مقتضيات المادة:265 من ق إ م ت إ وفي حالة رفض طلب الرد فإن مقدمه يحكم عليه بغرامة مدنية تتراوح بين عشرة آلاف ومائة ألف أوقية حسب نص المادة:266 من ذات القانون ويبدو أن رئيس المحكمة العليا لا يمكن ردّه . ب- مسطرة التشكك المشروع لم يتناول قانون الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية مسطرة التشكك المشروع بكثير من التفصيل بل اكتفى بالإشارة إليها في العنوان المتعلق بمساطر خاصة مثل ردّ القضاة ومخاصمتهم لذلك فإنّه نصّ في المادة: 268 ق إ م ت إ على أنّه ( تخضع الإحالة بسبب التشكك الشرعي لنفس شروط القبول والشكل المقررة لطلب الرد مع استثناء واحد يتمثل في أنها ترفع في جميع الحالات أمام رئيس المحكمة العليا.) وعموما تتعلق الإحالة بسبب التشكك المشروع بحالات يكون القاضي فيها أو المحكمة متهمة في حيادها كما هو الحال مثلا بالنسبة:
- للنزاعات التي يثيرها بعض سكان مدينة معينة ضدّ سوء خدمات شركة يكون القاضي أو أفراد المحكمة من بين الضحايا لكنّهم لم يشكوا ففي هذه الحالة والحالات المشابهة لها يمكن للشركة أن تستعمل مسطرة التشكك المشروع من أجل نقل القضية إلى محكمة أخرى. وفي المجال الجزائي تقابل هذه المسطرة مسطرة الإحالة من محكمة إلى محكمة أخرى التي نصت عليها المواد:597 إلى 602 من ق إ ج وذلك على النحو التالي:
- في ما يتعلق بالاختصاص وتطبيقا للمادة:597 آنفة الذكر للمحكمة العليا وحدها إحالة قضية من محكمة إلى محكمة أخرى سواء تعلق الأمر بجناية أو جنحة أو مخالفة وسواء كان ذلك لدواع: * تتعلق بالأمن العمومي * بحسن سير العدالة * التشكك المشروع
- في من له تقديم طلب الإحالة: * للمدعي العام وحده تقديم طلب الإحالة في الأمور المتعلقة بالأمن العمومي وتلك المتعلقة بحسن سير العدالة وذلك تطبيقا للفقرة الأولى من المادة: 598 من ق إ ج *في ما يتعلق بالتشكك المشروع فللمدعي العام لدى المحكمة العليا أو لدى محكمة الاستئناف أو كيل الجمهورية أو المتهم أو الطرف المدني أن يقدمه للمحكمة العليا حسب الفقرة الثانية من المادة السابقة وعموما يجب تبليغ الطلب لجميع الأطراف المعنيين ولا يؤثر مجرد تقديمه على سير الدعوى وعند رفضه يمكن تقديمه مرة أخرى إذا ما استجدت أمور تستدعي ذلك أي أمور جديدة تستدعي الإحالة. ج- مسطرة مخاصمة القضاة وهي مسطرة خطيرة تستهدف استبعاد قاض من البت في قضية أو التعويض عن أضرار ناجمة عن تصرفات قام بها أثناء درس القضية أو حكمه فيها وسبق تناولها في مقال سابق نشره تحت عنوان مبدأ البتّ في فترة معقولة نكتفي بالإحالة إليه لمعرفة أسبابها ومسطرتها وآثارها.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-01-01 13:52:08
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article12825.html