الذكرى الخامسة لرحيل ولد محمد الراظي .. مسيرة حافلة لقائد استثنائي !!
وكالة كيفة للأنباء

يصادف ال 28 مارس مرور 5 أعوام على رحيل أبرز الزعامات السياسية بولاية لعصابه، وبهذه المناسبة تحاول وكالة كيفه للأنباء في هذه الورقة التعرض لجوانب من مسيرة حياة حافلة لقائد استثنائي اختط لنفسه طريقا خاصا.ولد مدللا في إحدى أكبر العائلات الإقطاعية نفوذا بالمنطقة فاختار أن يعيش متمردا ثائرا وأن يموت فلاحا إنه الزعيم محمد محمود ولد محمد الراظي:

إبن زعيم القبيلة الذي تحول إلى كادح!:

ولد ذات يوم من سنة 1943في بيت زعامة تقليدية في مضارب حي (الحلة ) قرب بئر "تزهريت" شمال مدينة كيفه ولد تسمى بأسماء أجداده ،فجاء اسمه محمد محمود، آلت الزعامة التقليدية إلى والده وعمره سنتان.

ولما كانت قوانين المستعمر الفرنسي تفرض على رؤساء القبائل آنذاك دفع أبنائهم إلى المدرسة فقد دخل محمد محمود المدرسة الفرنسية سنة 1949، و درس في المدرسة رقم 1 حالا بكيفه، ولما أنهى دروسه الأساسية التحق بسلك التعليم وحول مدرسا إلى مدرسة "أندرنيه" التابعة الآن لبلدية هامد بمقاطعة كنكوصة وذلك سنة 1961. وكانت هي أول نقطة يعمل بها.

قبل أن يتم تحويله إلى عدة مدارس بعدد من الولايات حيث تنقل بين مدارس دسق، كيفه، كرو ،مقامة ، تجكجة، مونكل ،" والي جنتا " و "جوك" وكانت تحويلاته على الدوام عقابية تعسفية نظرا لنزعة التمرد و الحس النقابي ، وقد وجدت السلطة في هذا الصدد مأزقا كبيرا فكلما حل الرجل بمكان عمله الجديد لقي من الأهالي كل الحفاوة والترحيب ثم يبدأ بنشر فكره التقدمي.

يذكر صديقه خطري ولد محمد الناجم أنه كان يبدى جدية ومثابرة على عمله منقطعة النظير رغم ما كان يواجهه من بطش ومضايقات من قبل مرؤوسيه، فكان يواظب على واجباته المدرسية كل يوم فكان على سبيل المثال لا يعير أي اهتمام لأي شيئ قبل تحضير درس اليوم الموالي.

دخوله العمل النقابي والحركى:

في السنوات القليلة التي تلت الاستقلال دشنت النخب الوطنية نضالاتها من أجل التعريب بقيادة النقابات التعليمية ؛وهو ما أدى إلي تلقف سريع للفكر القومي الناصري ، لكن أحداث 1966 العرقية كشفت عن خطورة المشكل الوطني وتعقيده وعما يتهدد التعايش بين مكونات الشعب الموريتاني، وفي هذا الخضم ولدت الحركة الوطنية الديمقراطية منادية بقيم العدالة والوحدة الوطنية ومحاربة الإقطاع والعبودية .

وفي سنة 1969 كان محمد محمود ولد محمد الراظي أحد المشاركين في الإضراب الذي نفذته نقابة المعلمين الفرنسيين، ثم حول إلي مدينة تجكجة سنة 1970 حيث وجدها ملتهبة بفعل النشاط القوى لخلايا الكادحين ، وفي هذا الظرف بالذات تعرف المرحوم علي مصطفي سيدات ومحمد ولد مولود وعلى عائشة بنت مني التي تزوج بها يومئذ حيث كانت هذه المجموعة تنشط في العمل السري وتقوم بأنشطة نضالية مكثفة في الخلايا الثورية للحركة الوطنية الديمقراطية فانخرط محمد محمود في هذا التنظيم بكل قناعة وحيوية وشارك في الاجتماعات السرية،ارتوى من معين دعوته للحرية والمساواة ووحدة المظلومين ضد الامبريالية العالمية وحلفائها الاقطاعيين في الداخل.

وأدى دخوله الحركة إلي توجه الكثير من شباب مجموعته التقليدية إلي " الكادحين " في السبعينات وكان يمثل لدى قادتها فتحا مبينا ، وذلك نظرا لانتمائه لبيت الرئاسة القبلية، فكان السائد آنذاك هو تمنع هذا التنظيم الاجتماعي عن هذه الحركة وتصنيفها خصما خطيرا وذلك أن فلسفتها تقوم علي مقاومة القبلية والإقطاع والرق والانتصار للمهمشين ، لذلك كان وجود الرجل بين الفلاحين رافعا شعار المساواة مفارقة كبيرة ومدهشة .

كانت سنة 1971 سنة ساخنة جدا وحافلة بالأحداث ، فقد قررت النقابات العمالية تنظيم مهرجان بثانوية البنات حالا فواجهته السلطات بالقمع الشديد وتم اعتقال 20 من النقابيين وحولت هذه الأحداث تلك السنة إلي سنة بيضاء خاصة عندما دخلت الثانويات في تلك الاحتجاجات ، فكان محمد محمود ولد محمد الراظي محركا أساسيا لهذه الأحداث وقد أظهر- يقول رفيق دربه المصطفي ولد بدرالدين - شجاعة وإقداما قل نظيرهما في اندفاعه في ذلك النضال و بشكل مبهر.

لقد كان صاحبنا من بين الحركيين الذين عارضوا الاندماج في حزب الشعب الموريتاني وتصدى لذلك الخيار بقوة شديدة . ومن تجليات إيمانه الذي لا يتزحزح بقضيته أتى محمد محمود يوما بزوجته عائشة إلي بيت والده محمد الراظي في قرية "دسق" وقد هب عدد من "لحراطين " كل يريد إسداء خدمة للضيوف الوافدين فرفض الزوجان " الكادحان " ذلك وخاطبا "لحراطين " نحن إخوتكم وأصدقائكم وسواسية معكم كأسنان المشط فانصرفوا إلي شأنكم .

وأخذا في جلب مياه الشرب علي الحمير بنفسيهما وطحن الزرع في"المهراز " وإعداد طعامهما ثم يشرفان علي حلقات توعوية وتثقيفية للمزارعين بالمنطقة لشحن عقولهم بما تبشر به مبادئ الحركة الوطنية الديمقراطية.

ورغم أن ذلك كان أمرا مفاجئا لوالده وللرأي العام المحلي فإن محبة محمد الراظي لولده وإعجابه به- يقول خطري ولد محمد الناجم - حالت دون أن يصدر منه أي رد غير لبق اتجاه الولد واكتفى بنصيحته قائلا : ما دمت مصرا علي هذا الكد والتقشف وضنك العيش فالمدينة أكثر ملاءمة من هذا الريف القاسي .

وخلال هذه الفترة حول محمد محمود إلي قرية "سيو " قرب "متم " وقد أجرى الرئيس المختار ولد داداه اتصالا بوالده محمد الراظى وطالبه بالضغط علي محمد محمود من أجل التخلي عن فكر " الكادحين " ودعم نظامه ؛ ومقابل ذلك يتعهد بتعيينه في منصب سام فقام محمد الراظي بالذهاب إلي محمد محمود في " سيو " لحثه على قبول عرض الرئيس فرفض ذلك رفضا باتا واستمر في التمسك برؤيته.

وفي حادثة طريفة؛ يروى نجله سيدي محمد أنه وهو طفل قام ذات يوم بشراء علبة "شوكولا " لاستخدامها في فطوره وتفاجأ بها في أحد الأيام وهي خاوية وأخذ يتهم كل أحد في البيت ولما حان الزوال إذا بمنشورات "صيحة المظلوم " تغطي العديد من الأبنية الرسمية لمدينة منكل ليكتشف الطفل سيد محمد أن المادة التي ألصقت بها المنشورات هي " شوكلاته " التي افتقدها فأخبر والده محمد محمود بذلك فأجابه قائلا: لقد استخدمت في ما هو أحسن من أكلها فلا تتحدث في الأمر كي لا يحبس أبوك .

ثابر محمد محمود علي المشاركة بكل حيوية في الأنشطة السرية التي كانت تجريها بشكل مكثف خلايا "الكادحين " وكلف بتنفيذ عشرات المهمات الصعبة ، وكان من بين المحضرين بقوة لمؤتمر الشباب الذي نظم في شهر أغسطس 1977 حيث استطاع مع رفاقه حصد غالبية المناديب بمقاطعة كيفه .

وحسب رفيقه سيد محمد ولد صناب فقد كان الرجل بالنسبة لهم مكسبا استراتيجيا وكانوا يسعون دائما إلي توليه لمهام حيوية ودقيقة ولكنها في النهاية لا تعرضه للاعتقال فبقاؤه طليقا يعتبر هما كبيرا بالنسبة لقادته ، ويضيف ولد صناب : إنهم قرروا في سنة 1970 تنظيم مظاهرة من ثلاثة أجنحة تنطلق من ثلاثة أماكن بمدينة كيفه في اتجاه المنصة الرسمية تطالب بتوزيع المعونات الغذائية علي الفقراء ونظرا للقمع الذي واجهته هذه المظاهرة فلم يستطع غير الجناح الذي يقوده محمد محمود الصمود والوصول إلي المنصة ،إنه رجل لا يتسرب إلي قلبه الخوف أبدا - يقول ولد صناب - مضيفا أنه تنقى من الفوقية والإقطاع والطبقية بشكل مثير حقا للاستغراب .

يقول الأستاذ عينين ولد احمد الهادى :تعرفت علي محمد محمود سنة 1969 إبان تفجر الاحتجاجات النقابية وكان رجلا مؤمنا حقا بقضيته وفي سنة 1972 كان يمر بي دائما بمدينة مقطع لحجار في طريقه إلي مدرسته بضواحي كيهيدي وقد طلبت منه في إحدى المرات حين كان يبيت معي أن يقضي معي اليوم التالي لكنه أعتذر وذهبت معه إلي محطة الركاب وودعته وفي الزوال أخبرت بان الدرك أوقفه فجئت إليه وأخذت أمزح معه:لقد امتنعت عن القيلولة معي فألقي بك الدرك في المخفر.

لقد كان متابعا بشكل دقيق من قبل الأمن - يقول عينين، ويواصل مستطردا أعرف في هذا الرجل: الصدق والشجاعة المطلقة والكرم النادر والحب العميق للوطن .

وأما صديقه أخيارهم ولد اسويدانه فقد تذكره قائلا :

كان محمد محمود صلبا في مناصرة القضايا العادلة ولينا مع أصدقائه وعامة الناس وكان شجاعا مقدما نفسه في الخطوط الأمامية للنضال . إنه شخصية وطنية كبيرة .

انتخب محمد محمود سنة 1981 مندوبا جهويا لإتحاد العمال الموريتانيين بولاية لعصابة وفي ال 4 ابريل 1989 وبالتزامن مع تفجر الأحداث العرقية في موريتانيا تم اختياره أمينا عاما للاتحاد العام للعمال الموريتانيين بعد نجاح مجموعة الحركة الوطنية الديمقراطية بالدفع به بعد ما رفضت الحكومة المرشح الزنجي ممادو صار واعترضت القوى اليسارية علي مرشح الناصريين الكوري ولد احميت؛ فظهر ولد محمد الراظي مرشحا مقنعا ومناسبا في خضم ذلك المنعطف الخطير الذي تشهده موريتانيا في ذلك الوقت ، وحينها بادر الرجل إلي إصدار بيان عاجل يحمل فيه مسؤولية الأحداث الأليمة للنظامين الموريتاني والسنغالي ويطالب فيه بتوفير الأمن والحماية للسنغاليين ، ثم أصدر في ال4 ابريل 1991 رسالة يطالب فيها بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في التجاوزات الإنسانية وبالديمقراطية وبفتح مفاوضات بين النقابات والشركاء ودخل في مواجهات مفتوحة مع النظام.

وفي ال2 يونيو 1991 اندلع ما سمي بإحداث الخبز في انواذيبو وتم اعتقال عدد من النقابيين وكان محمد محمود في جنيف لحضور مؤتمر هناك فقطع الزيارة وعاد فورا إلي انواكشوط، وأعطيت التعليمات للشرطة باعتقاله غير أن أمواج العمال المستقبلين أفشلت الشرطة في تنفيذ ذلك الأمر.

ثم قام بجولة في مدن الشمال للتحضير للإضراب العام وحظي باستقبالات حاشدة وهو ما أدى إلي قيام الحكومة بإصدار أوامرها لعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحاد العمال الموريتانيين بتعليق محمد محمود عن أمانة الاتحاد عبر إجراء مسرحي ؛ إذ تم التوقيع عن أعضاء غير حاضرين وأعلن عن تكليف محمد أعل ولد ابراهيم الملقب "دينا" بتسيير الاتحاد .

لقد أصدرت اللجنة العسكرية حينئذ مسودة الدستور الجديد للبلاد الذي يطلق التعددية السياسية ثم جاء العفو العام؛ وبالتوازي مع كل هذه التطورات استمر محمد محمود في مواصلة معركته النقابية ، ثم كان من بين المؤسسين للجبهة الوطنية من أجل الوحدة والتغييرFDUC وبعد ذلك حزب اتحاد القوى الديمقراطيةUFD وعين مديرا جهويا لحملة أحمد ولد داداه لرئاسيات 1992 على مستوى ولاية لعصابه .

يقول المصطفي ولد بدر الدين : كان تولي محمد محمود لإتحاد العمال نقطة تحول إذ أظهر جرأة وصلابة بلا حدود وبدا الرجل قائدا لا يشق له غبار وكانت الحركة الاحتجاجية التي فجرها من خلال النضال النقابي قد مهدت بشكل مباشر لرسائل ال50 وال125 المطالبة بالديمقراطية .وبذلك يكون هذا الرجل قد ساهم بشكل محورى في الانفتاح الذي دخلته البلاد سنة 1991 مكرسا جهوده يومئذ للدفاع عن الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والديمقراطية .

الانتقال إلي الزعامة التقليدية:

في ال 2 مارس 1992 توفي محمد الراظي ولد محمد محمود الذي كان يشغل منصب رئيس القبيلة ورافق جنازته ولده محمد محمود ولم يخطر علي بال الأخير- حسب مقربين منه - أن يتولى هذه المهمة وكان يضمر في نفسه تولية أحد الأعمام ، غير أن ضغوطا كبيرة مورست عليه جعلته ينصاع أخيرا إلي تقبل الأمر الواقع.

ويقول رفاقه في الحركة أنه استشارهم في تولي ذلك الأمر وقد باركوه له وذلك نظرا لثقتهم القوية في شخصه واعتقادهم أنه لن يدفع مجموعته إلا لما فيه الخير لموريتانيا وانطلاقا من القيم التي آمن بها-يقول المصطفى ولد بدر الدين-

وحسب زينب بنت سيديني التي كانت قريبة من الرجل فترى أن قبول محمد محمود ولد محمد الراظي لتولي شأن القبيلة قد انطلق - فيما سمعت منه- من تقدير وتحليل معمق للوضع المحلي والوطني حيث تخرج البلاد لتوها من أحداث التسعينات المؤلمة ولما تندمل جراحها بعد، وكان الشك و تحطم الثقة بين مكونات الشعب الموريتاني من بين أمور أخرى تنذر بعودة شبح المجابهة وكانت أطراف وطنية تذكي ذلك ، وهو ما أجبر محمد محمود على تولي ذلك المنصب التقليدي فبادر إلى بث روح السكينة والاندماج والإخاء بين هذه المكونات على الأقل بولاية لعصابة وشكل بديلا عن ارتماء الطبقات المهمشة في أحضان المتطرفين واستغلالها فيما يسيء للوحدة الوطنية ويهدد استقرار البلاد. لقد ارتقى- تقول بنت سيدني - بالعمل القبلي فكون حلفا كبيرا من كل القبائل ذابت فيه النعرات والاهتمامات الضيقة بشكل ترجم موريتانيا الكبيرة .

وفي هذا المضمار يقول لقظف ولد محمد العبد مجهشا بالبكاء : لم يستطع محمد محمود أن يكون رئيس قبيلة وظل رجلا وطنيا بامتياز وكان بمثابة الطوق الذي فيه تذوب كل الفوارق ونحن معشر "لحراطين " لو ظل حيا لما احتجنا لوكالة للتضامن أو أخرى لمحاربة الرق،فقد كان يرحمنا ويعطف علينا ويولينا من التقدير ما يولي لأبنائه وأعمامه ، وكمثال من أمثلة كثيرة لا تحصي فقد ضاع مني قطيع غنمي البالغ 90 وبحثت عنه دون جدوى ولما علم المرحوم ساق إلي 100 شاة . مضيفا أن قصة الطفل يحفظ ولد محمود ولد أمبارك المنتمي لأسرة معدمة والذي ولد مقعدا تكفي لإبراز عناية الرجل بالضعفاء والمعوزين حيث أرسله محمد محمود على نفقته إلى فرنسا فشفي شفاء تاما وعاد إلى ذويه.

ويقول خطري ولد محمد الناجم : قام محمد محمود فور توليه لقيادة القبيلة بجولة في كافة المناطق التي تهمه وشدد على تحريم قطع الأشجار والإضرار بالبيئة وأوصى الجميع بأن الماء والعشب مشاعين لا ملكية لأحد عليهما .

في سنة 1994 رشح الحزب الجمهوري لائحته لبلدية كيفه رافضا كافة اللوائح التي تقدم بها حلف ولد محمد الراظي فقام بالاتصال بكافة القوى التقدمية التي تنشد التغيير وشكل لائحة تمكنت من هزيمة الحزب الجمهورى ويقول رفيقه في النضال محمد ولد سيد احمد أنه اقنع المجموعات القبلية الموجودة في حلفه باعتماد التناصفية مع تلك القوى فكان رقم 01 محمد محمود ورقم 02 خليل ولد الدد عن حزب إتحاد القوى الديمقراطية وعلى هذا المنوال رتبت اللائحة.

وقد جاء الاتصال المباشر بين الرجل والحزب الجمهوري بعيد هذه الانتخابات وبعد توليه لعمدة البلدية التي شغلها حتى سنة 1998 م . ثم عين رئيسا لمجلس إدارة ميناء انواكشوط المستقل سنة 2002.

و جاءت الفترة الانتقالية التي قادها أعل ولد محمد فال ما بين 2005و2007 وكان محمد محمود علي وشك دعم رفيقه القديم محمد ولد مولود قبل تراجعه عن ذلك نظرا للضغط الهائل الذي مارسه العسكريون على المجموعات القبلية من أجل مساندة مرشحهم سيدى ولد الشيخ عبد الله .

ظل محمد محمود علي صلة وثيقة برفاقه القدامى المندمجين بحزب اتحاد قوى التقدم رغم الصراع السياسي بينهما خصوصا ابتداء من سنة 1996 . ويقول الدكتور خليل ولد الدد إن العلاقة بينه وإياهم ظلت حميمية وبلغ ذلك أن ساهم المرحوم في التبرعات لصالح حملة الحزب 2007 .

وكالة كيفه للأنباء استقبلت شهادة مكتوبة من الباحثة الفرنسيةMariella Villasante Cervello التي كانت تعد بحثا، في التسعينيات عن تكتل أهل سيد محمود تقول فيها: عرفت الرجل متواضعا جدا ،وذا كرم لا يوصف ،وهادئا بصرامة ويقول الحق دون مجاملة ، وكنت أتعب عندما امشي معه في شوارع كيفه لكثرة من يستوقفونه ويسيرون بجانبه .

لقد علمت بخبر وفاته وحزنت لذلك وآسف إذ لم أتمكن من زيارة ذويه وحين أتذكر أنني لن أتحدث معه علي مائدة الشاي أدرك أن لا جدوى من تلك الزيارة .

وقوفه ضد انقلاب ال6 أغسطس 2008 :

في صبيحة ال6اغسطس 2008 استولى محمد ولد عبد العزيز علي السلطة في انقلاب عسكري وتم تحييد أول رئيس مدني منتخب و تشكلت حينها الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي دشنت العديد من الأنشطة والاحتجاجات المناوئة للانقلاب ، المطالبة بعودة الشرعية ، وقد دعم محمد محمود هذا الاتجاه وأعلن معارضته لهذا الانقلاب وشارك في التظاهرات التي نظمت في هذا الصدد ،وكان حاضرا للمهرجان الوحيد للجبهة الذى أقيم بمدينة كيفه وترأسه يحي ولد سيد المصطف .

لقد انهالت الضغوط القبلية علي الرجل لحثه علي دعم الانقلاب والابتعاد عن معارضته من منظور القاعدة الشائعة القاضية بأن القبائل لا تعارض ، فرد بأنه لن يرغم أيا على اتخاذ هذا الموقف أو ذاك و بأنه هو شخصيا لن يسلم موريتانيا ولن يخذلها ولن يغامر بمستقبلها مؤكدا لمحدثيه في شأن الانقلاب أنه دعي من طرف اعل ولد محمد فال ومحمد ولد عبد العزيز سنة 2007 وطلبوا منه دعم المرشح المدني سيدى ولد الشيخ عبد الله وقد استجاب لذلك من منظور طي صفحة الانقلابات .

أما الآن . يقول محمد محمود لزواره - فلست مستعدا لمساندة كل من حاز عيارات نارية واغتصب السلطة . ثم امتنع عن تسلم مرتبه من الميناء كما فعل أثناء الفترة الانتقالية خلال المدة الفاصلة بين مأموريته الأولى والثانية .

تضاعفت الضغوط وأصبحت قرية دسق قبلة لرسل الانقلابيين من أجل إرغام محمد محمود على التراجع وحين تكسرت آمالهم على صلابة الرجل ؛ قاموا بعزله عن رئاسة مجلس إدارة ميناء انواكشوط فبادر برد كلما بيده لهم ، إذ أرسل إليهم سيارة الميناء وعفريتها(أكريك) وعجلتها الاحتياطية (سكور) وحتى شفرة الهاتف.

ثم قرر القيام بزراعة سده المعروف "بأكرج" ، حيث اجتمع بالمزارعين وطلب منهم التوجه إلى الزراعة بقوة وانكب معهم في العمل وانتقى سيارة "بيكوب " متهالكة" مكان سيارة الميناء الفاخرة GX

ويقول مزارعون عملوا معه أنه استثمر ما عنده في استغلال ذلك السد الكبير وأن حصاده ذلك العام كان اسثنائيا حيث أكلوا وباعوا وخزنوا.

ويحكون أنه استقبل أحد الأشخاص السامين في سده جاء لدعوته للعدول عن معارضة الانقلاب فأكرمه وأحسن وفادته ثم أهدى له خنشة من " آدلكان" وأخرى من الزرع وثالثة من النبق وقال له هذا أفضل لك من أن تعود بدعم محمد محمود لانقلاب على رئيس منتخب.

وفاته:

في مساء يوم السبت ال 28 من شهر مارس 2009 وفي حدود الساعة السادسة مساء كان " الفلاح" محمد محمود ولد محمد الراظي يخرج من حقله بعد يوم شاق من البذر، ولما استوى على مقعد سيارته عائدا إلى منزله في " دسق" كانت رصاصة منسية في جعبة بندقيته صيده عند موعد القدر، إذ أشعلها الزناد فجأة من حركة المقعد فاستقرت في جسده.

نقل فورا على متن سيارة أخيه سيدي محمد إلى مستشفى كيفه وفي الطريق أسلم الروح لخالقها.

سار الخبر المفزع وبسرعة كبيرة وفي كافة الأرجاء .تدفق الآلاف إلى مستشفى كيفه . قيل لهم مات الرجل. وسينقل حالا إلى مدفنة آبائه " بأفيرن " الواقعة على بعد50 كم شمال شرقي كيفه.

أذنت الجموع المتدافعة لدى بوابات مستشفى كيفه وراء "الجثة الهامدة" في تلك اللحظات العصيبة لصيحات الأسى أن تتعالي دون حدود ، و للقلوب أن تتمزق كما تريد، و للدموع أن تنهمر ما شاءت. إنها حقا ليلة طويلة ،ظلماء و حزينة.

عندما يعيش الإنسان لذاته تبدو حياته قصيرة فتنتهي بانتهاء عمره المحدود ، أما عندما يعيش لغيره فإن حياته تكون طويلة عميقة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقته لوجه الأرض.

رحم الله محمد محمود وطيب ثراه وأسكنه جنات الخلد .

إعداد وكالة كيفه للأنباء


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2014-03-30 01:45:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article6215.html