داوم السكان في عشرات القرى ببلدية "تناها" الحدودية التابعة لمقاطعة كنكوصه بولاية لعصابه منذ فترة طويلة على دق كل الأبواب من أجل إيجاد حل لمشكلة العطش الخانقة.
اتصلوا بكل الإدارات المتعاقبة على الشأن بولاية لعصابه ، وطرحوا قضيتهم على كافة المنتخبين ، واسمعوا صوتهم المبحوح بالعطش لكل وجهاء ومتنفذي المنطقة ، لكنهم لم يجدوا من يصغي إليهم أو يلين قلبه لمعاناتهم أو يؤنبه ضمير أو وازع أخلاقي أو ديني فيتألم لما يعيشه إخوته و أبناء وطنه من أوضاع مزرية على أديم بلدهم.
سكان تلك القرى لم يتقدموا إلى حكومتهم بمطالب تعجيزية ولم يطمعوا يوما بأن تحاول هذه الدولة جعلهم في أحوال شبيهة مع نظرائهم في القرى المالية المجاورة، هناك لم يتحدثوا عن حقهم في تغطية صحية مناسبة ولاعن تعليم لائق لأبناهم أو كهربة لمساكنهم أو سدود وسياج لمزارعهم ، لكنهم فقط طالبوا بجرعة ماء تبقيهم أحياء لمواصلة الصراع مع أوجه البؤس وتحديات الحياة الأخرى المتعددة الأبعاد يريدون فقط أن يشربوا من الماء.
لقد دخلت وكالة كيفه للأنباء إلى هذه القرية الحدودية في وقت سابق ووقفت على العديد من أوجه مشاكل المواطنين هناك ورغم أنهم يفتقرون إلى كل شيء إذا استثنينا نقطتين صحيتين في تناها و البطحه لا تحتويان حتى على قطع القطن وأقسام دراسية في حجرات خربة أغلق بعضها ولا تجد كفايتها من المدرسين واللوازم ،فإن هؤلاء السكان صابرون ومحتسبون ولا يريدون الحديث إلا عن عصب الحياة (الماء ) ، لا يريدون غيره أبدا. .
إنك تشعر بالتمزق الداخلي والانهيار العصبي وأن تقف على الآبار والحفر الطينية التي حفرها السكان، نساء حوامل ومرضعات يحملن أطفالهن على ظهورهن ورجال مسنين وأطفال وفتيات؛ كلهم يدلي دلوه لجلب الماء من البئر ، يجف البئر فيجلس الناس على جانبه حتى يتجمع قليل من الماء فيعاودون الكرة وهكذا. نقاط شرب كثيرة الشوائب وغير صحية لا يغادرها الناس على مدار الساعة.
إنك تخال الناس عندها وكأنهم في مهرجان وذلك بغية ملء قربة أو حاوية صغيرة أو إناء. لقد تجمع السكان من حولنا آملين أن ننقل معاناتهم إلى من لم يسمعها من قبل ، لقد أقسم لنا رجال مسنين أنه في بعض الليالي لا تستطيع الأسر النوم في بعض القرى بفعل بكاء الأطفال من العطش.
في قري هذه البلدية يشرب الماء الصافي فقط من يستطيع جلب المياه من إحدى القرى المالية المجاورة.
المفارقة العجيبة أن القرى المالية المجاورة لهذه البلدية مثل "جنداكه" و"تمبخاره" وغيرها ولا تبعد أكثر من كيلومترين تتوفر على كل الخدمات الاساسية ، فيها طرق معبدة تربطها بكبريات المدن المالية وشبكات مياه وكهرباء واتصالات .
سكان تناها يشرب بعضهم من حنفيات القرى في الجمهورية المجاورة ومنها يتزودون بالثلج وبالمرطبات وباقي المواد التي تحتاج إلى التبريد وفي هذه القرى يشحنون هواتفهم بالكهرباء ويهتفون عبر اتصالات " أورانج المالية " وأما العملة السائدة والمحببة فهي أيضا العملة المالية.
في تلك القرى تحضر الدولة وتوفر للسكان ما هو أساسي في حياتهم وفي الجانب الآخر يعيش أهلنا في تناها على هامش الحياة وينظر إليهم جيرانهم بالدونية .
آمنة بنت صمب ربة منزل تقول بلسان الذي يتحدث بالقلب : "أرأيتم إن ساء التفاهم بيننا وأخوتنا بمالي يمكنهم أن يبيدونا بوضع قليل من السم في مياهم التي لا نستغني عنها.
هل يصدق أحد أن تحقق مالي تلك الإنجازات الكبيرة ونخفق في موريتانيا عن توفير الماء لقرية تناها ونحن الذين نملك الحديد والسمك والذهب والنحاس والأرنيوم.
لم يشفق لسكان تناها استجابتهم السريعة لضرائب البلدية ولم يشفق لهم الوقوف الدائم مع أحزاب السلطة ولم يشفق لهم تواضع مطالبهم التي أصبحت محصورة في جرعة ماء تبقيهم أحياء.