الذي فات على المعارضة الموريتانية وكافة القوى الوطنية الراغبة في التغيير وتحقيق التناوب الديمقراطي بهزيمة أحزاب الدولة والعسكر والعشائر هو تغييب مناقشة معضلة مكاتب التصويت القبلية في الأوساط القروية الريفية في الفرص التي أتيجت خلال السنوات الماضية خاصة في الفترة الانتقالية التي عقبت انقلاب 2005؛ وشهدت أكثر الحوارات الوطنية جدية وتم التوصل إلى أهم شروط الشفافية.
في كل ولايات الوطن توجد هذه المكاتب التي تخص قبائل بعينها، ومعروف مال لأحزاب السلطة والطبقة المهيمنة من مصلحة انتخابية في الكيانات القبلية الجبانة حيث يَسْهُلُ التوجيه وتربح أساليب الترغيب والترهيب.
لذلك تتنافس القبائل في تحقيق أكثر عدد ممكن من الأصوات لمرشحي "الدولة" ولا يمكن أن تنكشف أسرار القبيلة إذا أرادت أن تحصل على نصيب من الكعكة وتتجنب العقاب، وعليها أن تصوت في ذلك الاتجاه. وهناك يبلغ جنون زعماء العشائر وأطرها الحدود القصوى فلا تتحدث حينئذ عما يحدث من تزوير وتلاعب.
يجب على الطيف الموريتاني الراغب في تطوير العملية السياسية الكف عن العبث وتضييع الوقت فقبل إيجاد صيغة للقضاء على هذه الصناديق الجائرة أو الحد من تغولها فلا وجود لشفافية. إنه أمر في غاية الأهمية لهذه القبائل أيضا فهو يجنبها الكثير من الحرج والتكاليف وهي مرغمة في أحايين كثيرة للتصويت رغما عن رغبتها.
في كل مرة يتم الفرز تظهر النتائج المختلطة في المدن معبرة عن إرادة المواطنين وحريتهم وحين تصل "الصناديق القبلية" ينقلب الأمر وتطوي أحزاب السلطة المسافات ويتم إسدال الستار مجددا على الأمل. إنها الوسيلة الوحيدة الباقية في يد السلطة والقوى الظلامية لتكريس الأمر الواقع وعرقلة أي تقدم ديمقراطي.