احتلت ولاية لعصابة الواجهة منذ أن اختارتها منظومة الأمم المتحدة خلال العقدين الماضيين ولاية نموذجية لتطبيق مقاربتها التنموية، ثم قامت الدولة بتوجيه العديد من المشاريع الكبرى لمكافحة الفقر إلى الولاية ، وتكاد نشرات الأخبار اليومية لا تخلو من نبأ يتعلق بالحركية التي تشهدها هذه الولاية حيث يتواصل الحديث إطلاق المشاريع التنموية و عن الملتقيات والورشات والأيام المخلدة، وتتعدد أسماء البرامج التي تتدخل وعن المنافع الهائلة المرجوة منها.
ذلك ما رفع من شهية السكان الذين أصبحوا في حالة ترقب دائم لكل بادرة يمكن أن تساهم في التخفيف من وطأة الحرمان التي يعيشها أغلبهم.كان آخر ذلك ما نشهده اليوم من صخب داخل مشروع progres ؛ حيث تضع الحكومة تحت جناحه مشروعا جديدا يوجه لحماية البيئة.
ومع تقدم الأيام، لم تتجسد هذه التدخلات على أرض الواقع في عمل ملموس أو أن تلوح في الأفق بوادر الإعداد الجيد لعمل مثمر قد يكون له حظ من النجاح، أضحت ملامح المستقبل أكثر وضوحا وبدأت الآمال تخبو وفهم السكان أنه لا جديد تحت الشمس.
هل يتعلق الأمر بنظرة تشاؤمية تقفز على الواقع وتتمنى الأسوأ؟ هل يتعلق الأمر "بأكاذيب الصحفيين والساسة"؟ أم أن الأمر يتعلق بعملية نهب بشعة وقذرة يتعرض لها جيش الفقراء الذي يتضور بؤسا وجوعا في ولاية لعصابه؟
القاعدة الخلفية
إنها مبالغ ضخمة لمشاريع متعددة ومتنوعة يمكن أن تساهم فعلا في التخفيف من جزء من معاناة بعض السكان، لكنها انحرفت عن غرضها وتلقفتها جيوب متمرسة أعماها الجشع فتحول أصحابها إلى قطاع طرق؛ لا يجدون أي اعتراض حتى من طرف منتخبي الولاية الذين جعلوا منافعهم الخاصة وحساباتهم السياسية هدفا وحيدا لا يحضر معه في أذهانهم أدنى اهتمام بمصالح السكان.
لا ينبغي أن نتصور أن الفساد على المستوى الجهوي حالة شاذة أو خاصية تطورت محليا وإنما يجب أن ننظر إليه كامتداد طبيعي أو أبن غير شرعي لما يجري هنا على المستوى المركزي. غير أن أخطر ما في الأمر هو أن ولاية لعصابه أصبحت متنفسا أو قاعدة خلفية لطقمة من البيروقراطيين في الإدارات المركزية تتخذها ملجأ تتعاطي فيه الفساد بعد أن بدأ يضايقها الحديث عن الإصلاح على المستوى المركزي.
إن مليارات الأوقية الموجهة لهذه الولاية أكثر من كافية لإسالة لعاب هؤلاء، فجعلوا من مدينة كيفه قبلة لهم يحجون إليها بمناسبة وبدون مناسبة. ولم يعد لهم من شغل سوى تنظيم الورشات والملتقيات والأيام التحسيسية وغير ذلك من المسميات التي ليس لها من معنى سوى تبرير بعض المصروفات التي تذهب إلى حقائبهم.
إن من يشاهد هؤلاء المسؤولين السامين وهم يتحايلون على مبالغ زهيدة تتعلق بعدد الأقلام والدفاتر أو بالتعويضات التي تدفع للمشاركين في مناسباتهم، يدرك فعلا عمق الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها إدارتنا ومدى الانحطاط الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان عندما يتجرد من أي وازع يحميه من الانزلاق في درك الرذيلة.
لا هم لهؤلاء سوى القرصنة والابتزاز، وهم من يشكلون الخطر الحقيقي على مستقبل الولاية وعلى خبز فقرائها، باعتبارهم الشبكة الأكثر تماسكا وتمرسا والتي تجد امتدادات لها في صفوف الممولين والشركاء الذين يتباهون بالترويح للحكم الرشيد ويتظاهرون بمحاربة الفساد.
لا يعاني سكان لعصابه إذا من الفقر والجهل والمرض فحسب، وإنما يعانون أيضا من سياسة جهنمية هدفها إنهاكهم أكثر وتفقيرهم أكثر. وهذا هو الدرس الأول الذي يمكن استخلاصه من الممارسات اليومية لمن يفترض أن يسهروا على تنمية الولاية.
الوالي:
ستقفز أسئلة مشروعة إلى ذهن القارئ حول الدور الذي يلعبه والي الولاية على هذا المسرح؟ أين هو مما يحدث؟ كيف يسمح باستمرار هذا الوضع؟ وهي أسئلة لا يمكن حصرها كما أن الإجابة عليها ليست باليسيرة، غير أنه تجدر الإشارة إلى أنه حديث عهد بالمهمة ،ويمكن فهم موقفه انطلاقا من أن آفاق المرحلة الحالية التي تشوبها بعض الضبابية بالنسبة للكثيرين ممن يعتبرون بأن الحديث الجاري عن الإصلاح ومحاربة الفساد هو مجرد موضة عابرة سرعان ما يختفي وهجها وتعود المياه بعد ذلك إلى مجاريها غير أنه لو قدر للوالي أن يجد مستشارا أمينا لنصحه بأن يحسم أمره بأسرع وقت مما يمكنه من أن يستبق الأحداث ليضمن لنفسه موقعا محترما في إدارة المستقبل.
صحيح أنه يكرس الكثير من الجهود للترويج لانجازات مزعومة وأن كل شيء هنا على ما يرام ، غير أنما يجب أن يفهمه هو أن ذلك معركة خاسرة سلفا وأنما يستحق المراهنة هو الوقوف إلى جانب السكان والسعي إلى تحسين ظروف عيشهم وحماية حقوقهم من عبث المسؤولين الفاسدين المفسدين. فالمهم ليس أن يتعلم المرء كيف يبني بيته وإنما المهم كيف يجعله قويا حتى إذا ما هبت العاصفة وجد لنفسه مكانا يركن إليه. وغيوم العاصفة بدأت تتشكل وتلوح في الأفق وهي قادمة لا محالة.
وبعد:
لا نهدف من وراء ما سبق إلى بث الفزع في نفوس المفسدين، وإن كان قض مضاجعهم يعتبر عملا نبيلا، بقدر ما نهدف إلى التنبيه على وضع خطير يمس حقوق عشرات الآلاف من المواطنين عانوا بما فيه الكفاية من الإذلال والتهميش وأصبحوا في أمس الحاجة إلى من يمد لهم يد العون.
إذ ليس من المقبول أن تستمر حفنة من المسؤولين الفاسدين في التلاعب بمصير ما يقارب نصف المليون تحت أغطية مختلفة وأن لا يدفعوا مقابل ذلك ثمنا أكثر من ممارسة عادة النفاق أثناء الحملات السياسية أو دفع رشوة لهذا المسؤول أو ذاك.
فمشكلة فقراء لعصابه تتمثل في عدم إتاحة الفرص أمامهم، أي في غياب العدالة والمساواة. وفي ظل الظروف الراهنة لن يكون مصير البرامج التنموية المعلن عنها لمحاربة الفقر أحسن حالا من كل البرامج السابقة.
الشيخ ولد أحمد المدير الناشر لموقع وكالة كيفه للأنباء