الصفحة الأساسية > الأخبار > من أية مسؤولية يستقيل عمدة روصو؟!

من أية مسؤولية يستقيل عمدة روصو؟!

الثلاثاء 5 نيسان (أبريل) 2016  17:11

محمدو ولد البخاري عابدين

في الشائع عند بعض الموريتانيين عن المدينة التي تمتلك مؤهلات ومقدرات تجعلها أحسن حالا وعمرانا من المدن الأخرى، كالموقع أو الموارد المعدنية أو الطبيعية أو ثراء بعض أبناء تلك المدينة.. دون أن ينعكس ذلك إيجابا عليها، يقولون لك إن تلك المدينة " داعي عليها صالح.."، ومن هذه المدن التي يبدو أن عدة صالحين قد دعوا عليها دفعة واحدة في ساعة مستجابة الدعوة، مدينة روصو التي تمتلك من المقدرات ما لا تماثلها فيه من المدن الداخلية الأخرى سوى مدينة ازويرات المنجمية، أو مدينة نواذيبو بموقعها الجغرافي وموانئها التفريغية والتصديرية للحديد والأسماك..

فهذه المدينة التي تعتبر بوابة البلاد على غرب إفريقيا، وبها حركة تجارية نشطة تُتداول خلالها مئات الملايين من الأوقية يوميا، وهي عاصمة الزراعة في البلاد وكل أموال ومدخلات الزراعة ومنتجاتها تدور فيها بشكل يومي، وبلديتها تأخذ 6000 أوقية عن كل شاحنة من مئات الشاحنات التي تدخل المدينة موسميا محملة بالأرز الخام المحصود من الحقول، إلى جانب الضرائب على الأسواق العامرة ومصانع التقشير الكبيرة والصغيرة ومحاصيل العبارة، وهي إلى جانب ذلك عاصمة لإحدى أهم الولايات الرعوية وكل مدخلات التنمية الحيوانية ومخرجاتها من أعلاف وألبان تخرج منها وتدخل إليها، بالإضافة إلى وجودها على حافة نهر رقراق، وموقعها المفتوح على أربعة محاور حيوية كنواكشوط شمالا، والسنغال جنوبا، وبوكي وكيهيدي شرقا، وكرمسين والمحيط الأطلسي غربا.

ومع كل ذلك فهي تعد من أكثر مدن البلاد ترهلا وفوضوية وأوساخا، ويبدو أن هناك، على طول تاريخ هذه المدينة، خصوصا مع بداية مسلسل الانتخابات البلدية ميثاقا غير مكتوب بين سكان هذه المدينة وعمدهم المتعاقبين يقضي بأن لا يتغير شيء فيها، أو هكذا يقول لسان الحال، فمنذ أن عرفتُ هذه المدينة سنة 1992 وهي على حالها، باستثناء المرافق التي استحدثتها الدولة فيها مؤخرا، كالأربعين كلم من الطرق المعبدة التي فكت العزلة عن أحيائها، وإنارة أكبر شوارعها، وتحسين جودة تصفية مياه الشرب بها، وكذلك بناء مقر لمفوضية الشرطة والإدارة الجهوية للأمن ومدرسة للصحة ومركز استطباب وتخطيط أحد الأحياء العشوائية بها، وكل ذلك كان من ميزانية الدولة ودون أوقية واحدة من موارد البلدية.

لكن ما أعنيه ببقاء هذه المدينة على حالها منذ عرفتها،هو غياب أي مظهر أو معلمة ذات قيمة ومعنى يقال لك هذا من إنجاز البلدية، بالإضافة لتلك الوضعية الناجمة عن إهمال السلطات البلدية واستقالتها من مهمة تنظيم الحياة اليومية ونمط أنشطة السكان، إذ لا تستطيع المرور من شارع بمركز المدينة، أو الدخول على محل من المحلات التجارية إلا حبوا أو بعد خمس قفزات من فوق بائعة الخضروات، وبائع اللحوم، وبائع الخبز، وبائعة السمك، وبائع الملابس المستعملة.. والطريق العام محتل طوال اليوم من طرف أصحاب عربات الحمير والخيول، والشوارع تتدفق أنهارا بالمستنقعات خريفا، وفي المساء يتعالى نعيق الضفادع في الأرض ودخان حرق نخالة الأرز في السماء، ليتحول إلى رماد تحمله رياح الصباح إلى المدينة وسكانها، ولا تجد مسافرا ينوي عبور هذه المدينة وإلا ويُبرمج أوقات سفرة بحيث لا يدركه المبيت فيها!!

هذه الوضعية التي أصبح الجميع مسلما بها اليوم كأحد مميزات ومعالم مدينة روصو، وبالنظر إلى المقدرات الكبيرة لهذه المدينة والتي ذكرناها آنفا، كان من السهل تغييرها لو كانت المدينة حظيت عبر تاريخها بعمدة يهتم أو يفكر أو يبدع ويُبادر.. فبهذه المقدرات والموقع المميز كان يمكن لروصو أن تصبح لؤلؤة الجنوب وبكل جدارة، وهي بإطلالتها المميزة على النهر، تمتلك شاطئا على طولها كان يمكن تحويله إلى كورنيش تقام عليه الفنادق والحدائق والمنتزهات والمطاعم والمتاجر الراقية واليخوت والزوارق السياحية، ويصبح واجهة استقبال للقادمين من الجنوب ومحطة للعابرين من الشمال، لكن هذا الشاطئ ظل متروكا لنباتات الدخن الإثيوبي ( التيفا ) مشكلة مخابئ لبضائع المهربين ومكبا للقمامة وتلويث النهر الذي هو مصدر لمياه الشرب، بالإضافة لبعض الاستخدامات الأخرى كقضاء الحوائج..!

فقد ظل الحظ ظل واقفا أمام هذه المدينة في الظفر بعمدة مناسب، واليوم يستقيل عمدتها الحالي من عمادتها على إثر صراع سياسي أكد لكم أنه ليس صراعا على خدمة المدينة والتغيير من واقعها، وإنما هو صراع سياسي كغيره من الصراعات السياسية السلبية التي جلبها لنا ما يسمونه بالديمقراطية واللامركزية التي لا مؤهلات لها على أرض الواقع، وما كان شيئا سيتغير ولا فرقا سيحدث لو أن الطرف الآخر هو من تولى تسيير البلدية، لأنهما من نفس الطينة وبنفس الإرادة والتفكير والطموح! ومن سوء حظنا أن أغلب البلدان إما أنها خضعت لاستعمار أجنبي أقام بها الكثير من البنى التحتية لخدمة تمكنه وبقائه، أو أنها بعد استقلالها قيض الله لها رجالا انهمكوا في البناء والتعمير حتى إذا جاءت " موضة " الديمقراطية واللامركزية وجدت أمامها الحد الأدنى من المرافق والبنى الأساسية، فتولت السلطات البلدية تسييرها وصيانتها وإضافة ما ظهرت الحاجة إليه منها.. لكن الأمر لم يكن كذلك عندنا، فلا الاستعمار ترك لنا تلك المرافق والبنى، ولا الخمسين سنة من عمر استقلالنا وظفناها لإقامتها، لتأتينا ديمقراطية ولامركزية لا بنية تحتية عقلية واجتماعية لها، ولا بنية تحية مادية لها كذلك!

منذ سنة 1986 وإلى غاية 2007 ومدينة روصو لها عمدة يتربع على رأس مجلسها البلدي هو صو دينا، ولم يواجه في تاريخ تسييره لهذا المجلس صراعا سياسيا معيقا لتسييره، ولم يتعرض لما يقول العمدة المستقيل اليوم إنه يتعرض له من عرقلة وضغوطات، فما الذي غيره صو دينا من واقع هذه المدينة على مدى عشرين عاما، سوى بضعة كيلومترات من الطرق انطمرت تحت الوحل والطين، أو كيلومترات أخرى من الاسمنت أوكلها لمقاول زبون، تآكل اسمنتها في سنتها الأولى وبرزت قضبان الحديد المدعمة لها، فأصبح أصحاب السيارات يفضلون السير على جانبيها تجنبا لحفرها وقضبان حديدها؟!

لم يهتم صو دينا يوما بتغيير واقع مدينة روصو، فعلاوة على غياب الإرادة لديه، فإنه كان قليل الإقامة فيها لأنه كان وزيرا في حكومة ولد الطايع ونائبا في برلمانه، ولا يهمه من أحوال المدينة سوى أن يدخلها وسط زغاريد أنصاره وهتافاتهم ب " صو يلخلَ " فينثر عليهم النقود، وله عبارته المشهورة التي دأب على ترديدها كلما انتقد أحد واقع المدينة حيث يقول " هذه مدينتنا نحن نتصرف فيها كيف نشاء ومن لا يعجبه العيش فيها فليتركها لنا "!!

انتخب لها بعد ذلك العمدة فاسا يريم عن حزب " التكتل " وقيل هذا دكتور ويعرف ما تعانيه مدينته لكن شيئا لم يتغير أيضا، علما أنه لم يشكوا هو الآخر من عرقلة أو ضغوطات سياسية بل إنه تقرب كثيرا لرئيس الجمهورية بعد وصوله للحكم واستقبله بحفاوة وامتدحه ودعاه ب (Mon general ) إذا كان هناك من يقول إن السبب في سوء أدائه هو كونه عمدة من حزب معارض، لكنه فقط لا يملك الإرادة هو الآخر وظل يتنقل بين عمله في نواكشوط ومواعيده في المستشفيات الفرنسية.

ثم انتخب بعده العمدة سيدي جارا، وقيل هذا شاب طموح ورجل أعمال متفتح وطموح ويمكنه أن يقدم شيئا لمدينته، ولكن مرت سنتان ونصف وحتى بوادر أي تغيير في التعاطي والنهج لم تظهر على الأرض ولا حتى في نهاية الأفق! و بالمناسبة لا علاقة لسيدي جار بحزب الوئام الذي لم يترشح عن طريقه إلا بعد الطواف على عدة أحزاب أخرى على رأسها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ولم ينتخبه سكان روصو إلا لأنه ابن مدينتهم، مثلما انتخبوا فاسا يريم وصو دينا من قبله على الأساس ذاته ودون أي دور للاعتبارات الحزبية، لا للحزب الجمهوري ولا لحزب التكتل ولا حزب الوئام..

فالناس ينتخبون أبناءهم فقط لأنهم أبناءهم، لتصبح العلاقة التي تحكم المنتخب المحلي وناخبيه في حد ذاتها هي أكبر عائق أمام التنمية والتغيير، علاقة تدليل من طرف الناخب المحلي لناخبيه لأنهم أهله ولا يريد الإقدام على إي تغيير أو إصلاح سيكون على حساب امتيازاتهم، أو يمثل تحديا لنظمهم وعقلياتهم، والناخبون من أهل المدينة بدورهم فالعمدة ابنهم، وقد أوصلوه إلى هناك عبر معركة حمية و " اتفاريط اركابي " مع قوى تقليدية محلية أخرى، وحسبهم أن يظل في منصبه حتى دون أن يحرك عودا من مكانه، أما الأحزاب فلا تستطيع محاسبة عمدها لأنها تدرك ألا فضل لها في فوزهم، مادام العمدة بمكانته بين أهله هو من أنجح الحزب وليس العكس، فتدللهم هي الأخرى مكتفية بجانبهم " الديكوري " وهكذا يضيع الوقت والزمن والفرص، وتضيع المصالح العمومية!!

أنا لست من أبناء مدينة روصو، لكنني من أبناء البلد وأحب هذه المدينة بحكم عملي وإقامتي فيها لعشر سنوات، وأتردد عليها كثيرا بحكم علاقاتي فيها، ويحز في نفسي ضياع مقدراتها والفرص الكثيرة التي تؤهلها لأن تكون من أكثر مدن البلاد عصرنة وجذبا، ولي تجربة وحيدة مع العمد الموريتانيين كانت مع عمدة مدينة أطار السيد سيد أحمد ولد أهميمد، فعندما كنت أعمل هناك قبل سنوات مررت يوما من أمام البلدية، فقلت سأدخلها لعلي أقابل العمدة أناقشه في أمر عندي، دخلت من الباب الأمامي للبلدية وكان أول ما صادفني هو باب مكتب العمدة المفتوح وهو جالس به بمعية شخص آخر، ترددت في الدخول قائلا لعل الأمر يتطلب أخذ موعد مقابلة أولا، لكنه بادرنى بالقول تفضل، تفضل.. دخلت فأجلسني على مقعد مع الترحيب رغم أن لا علاقة ولا معرفة مسبقة بيننا ولم يراني من قبل، حييته وقلت إنني أعمل الآن بمدينة أطار ولكنني استغربت من هذه المدينة التي ترتفع فيها درجات الحرارة صيفا إلى بشكل كبير، ومع ذلك لا توجد بها الأشجار لتوفير الظل وتلطيف الجو، وأنني مستعد لإقامة مشتلة لتوفير شتلات الأشجار بمجهودي الذاتي، على أن تتولى البلدية غرسها ورعايتها وتعبئة السكان لزراعتها، فأبدى إعجابه بالفكرة واستعداده لتبنيها، وخرجت من عنده على أن نظل على اتصال وتنسيق حول الموضوع، لكن شاء القدر أن تنتهي فترة عملي هناك قبل تجسيد تلك المبادرة، وأذكره اليوم بتلك الفكرة خصوصا بعد حل مشكل النقص في المياه بمدينة أطار..

ولأن تجربتي مع عمدة أطار كانت مشجعة، على الأقل من حيث بساطة العمدة وانفتاحه وبابه المفتوح، فقد شجعني ذلك في إحدى المرات وأنا في زيارة لمدينة روصو على مقابلة عمدتها " سيدي جارا " حاملا نفس الفكرة التي طرحتها من قبل على عمدة أطار، باعتبار المدينتين تتقاسمان نفس الوضعية من حيث ارتفاع درجات الحرارة صيفا وغياب أشجار الظل والزينة بهما، وإن كانت روصو تتميز عن أطار بكثرة المياه والمناخ شبه الإستوائي المشجع على البستنة وزراعة الأشجار.. دخلت البلدية وقلت إنني أريد مقابلة العمدة، فقال لي بعض المراجعين وجدتهم أمامي هناك: اقطع تذكرة لمدينة نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة وأطلب لقاء أمينها العام، فقد يكون ذلك أسهل لك من لقاء العمدة..!

لا نعرف ماذا ستؤول إليه أمور بلدية روصو، وسيان تراجع عمدتها عن الاستقالة كما لمح لذلك رئيس حزبه، أو استلمها مجلس بلدي من خصومه، فالأكيد أن لا شيء سيتغير، والأكيد أيضا أن استقالة العمدة لو لم تأت عبر مهرجان جماهيري وتتناولها وسائل الإعلام لكان خبرها مر على سكان المدينة دون شعور وربما قالوا " ما كنا ركوبا ولا طحنا " فالشيء الوحيد الذي سيفتقدونه بغياب العمدة لن يكون سوى اختفاء رجال " الدوتي " بجولاتهم اليومية على باعة الشوارع، أو اختفاء أشخاص يظهرون من حين لآخر وهم " يداعبون " الأوساخ التي تغطي الأرض متظاهرين بأنهم ينزعونها..!

لذلك أقترح، وأنا جاد في ما أقول، إخضاع هذه المدينة ل " انتداب مركزي مرحلي " لا عمدة فيه ولا مستشارا بلديا، وإنما لجنة تنفيذية من الخبراء والإداريين على غرار السلطة المشرفة اليوم على منطقة نواذيبو، وذلك من أجل استغلال المقدرات الكبيرة لهذه المدينة ورسم وتنفيذ خطط شاملة لترقيتها وعصرنتها من كل النواحي، وتجسيد قابليتها لأن تصبح مدينة نموذجية، ومن ثم تسليمها لمجلس بلدي تنتخبه لتسييرها، فلا أمل لهذه المدينة بعد ثلاثين سنة من تعاقب العمد وتراكم عوامل وعلامات الشيخوخة والتدهور لمدينة بهذا الموقع وهذه المقدرات، وقولوا ما شئتم عن مخالفة ذلك لسياسة اللامركزية وقانون البلديات والانتخابات، بل والدستور واعتبروني إن شئتم رابع الوزراء بلا حقيبة ولا حتى " كلاسير ".. فمن تقولون له ذلك يؤمن فقط بالشريعة الإلاهية كتابا وسنة وما أجمع عليه السلف، مما لن ننظر لأمر فيه إلا وجدناه لجلب مصلحة جلية، ولا لنهي فيه إلا وجدناه لدرء مفسدة بينة، أما ما غير ذلك من النظم والقوانين وإجراءات القطع من مجتمعات وقيم مغايرة واللصق بمجتمعات أخرى، فذلك أشهدكم على مجاهرتي بالكفر به، على الأقل إلى أن نصبح قادرين على مسايرته وعيا ومسؤولية واستيعابا.. فهناك أمور كثيرة يمكننا البدء فيها من حيث انتهى الآخرون كاستخدام الآلة والأزرار مثلا، لكن الإنسان والمجتمع ليسا آلة ولا أزرارا..

أقلام حرة

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016