الصفحة الأساسية > الأخبار > رحلتي إلى الساحرة كنكوصة../ الأستاذ : إسلمو أحمد سالم

رحلتي إلى الساحرة كنكوصة../ الأستاذ : إسلمو أحمد سالم

السبت 28 أيلول (سبتمبر) 2019  15:24

(1)كنت قد أخذت صورة جميلة على كنكوصة و جمالها، و تضاريسها الساحرة ، و البحيرة التي لا تنضب ، و الأشجار الضخمة ، و نمط السكان و الحياة ، أيام درست فيها الأخت خديجة بنت أحمد سالم في التسعينات ...

برمجت الرحلة بعجالة تجهيزات و أفكار و غادرت متأخرا في حدود العاشرة و النصف ، و ليس المكان ببعيد فهو يبعد عن كيفة حوالي 80 كلم ، في طريق حديثة النشأة ، لكن التموجات التي تنبئك بها اهتزازت السيارة تعرفك بالشهيرة ATTM ، فلا يغرنك البساط الأسود النظيف ، فسرعان ما سيصاب الطفح الجلدي و الحساسية الشديدة و ربما الدمامل .

تكثر على الطريق القرى و التجمعات ، و تكثر اللوحات المعلنة عن الامكنة ، و لقد عجبت من لوحات عديدة تعرف بأمكنة أسر و عشائر ، فقلت ربما كان ذلك من استعداد الناس للضيوف ، فهم لا يتخفون منهم ، رغم علمي أن ماضي السياسة القريب قد قسم المقسم و أكثر من الصراعات حتى داخل نفس الأسرة .

من كيفة حتى كنكوصة تمر بتجمعات شتى و مجتمعات شتى ، و ربما تكون الحداثة ولدت إنفراط عقد بعض المجتمعات ظاهريا ، و عملية بحث عن الأصول و الأعراق قد أكثرت من الأسماء و المسميات.

الجغرافيا هنا ساحرة بلا استثاء ، و البساط الأخضر الموشى بالأشجار من كل الأصناف يمتد من البداية حتى النهاية ، مع بعض التموجات الصخرية و الرملية التي تبين عن قممها باستحياء ، و برافقك عن يمنيك السهل السحيق المكتنز بالأشجار و الغدران، الممتد يمين الكثبان الضخمة غير المتحركة و التي تحاكي تموجهات المنخفض الذي يشرف علية من الغرب مجموعة كدى و هضاب صخرية تخالها غيما أو مزنا تلامس الأرض.

في أجواء ساحرة كهذه ، مع ان الشمس قد غابت في الغيوم ، و الرياح البارد المدعمة بمكيف اليابانية تدغدغ المشاعر ، سرنا في ما يشبه الخيلاء ...

(2)..مررنا بتجمع (كروجل) على مسافة 38 كلم من كيفة ، و تكتنز القرية في داخلي الكثير من المشاعر ، فهنا استوطن قوم شم كرام ، أوغلوا في الفضائل و العراقة ، و هنا تبين لك التضاريس عن منظر خلاب متنوع العناصر ، و هنا يبتسم التاريخ معلنا عن ماض تليد ،و ثقل توارثه الأجيال ، و هناك لا يفارقني الألم لفراق زينة شباب لعصابة ، الأستاذ المصطفى ولد الشيخ الذي لملم معه أشياءه الجميلة و غادرنا منذ أسابيع .

في القرية رغم أن القوم قاطرة المجتمعات ، فهم يستخديمون اسمها ميسم على الماشية ، فعلى ذوات الظلف تقرأ الكلمة (كورجل) بكتابة واضحة ، و ربما عبر ذلك عن الإرتباط بالأرض و التواضع الذي هو سجية في هؤلاء الأفذاذ.

تتوالى الصور و الملاحم ، و تأتي المعالم الجميلة و يدق التاريخ في كل مرة على الباب ليتحدث عن المكان.

مررنا على تجمع (لكنيبة ) الساحر ، فاستذكرت (كيفان شور لكنيبة و أم النور) الذي يلحن في مقام لبتيت ، و بالأخص: آن يعربي ... شنواسي يا الشكور

أطيوري فايدي ... ، و أنروغ أطيور

دخلنا في تجمع (سوروملي) و لن تخطئ عينك الواحة و المنحدر و الكثيب الذهبي العالي المرصع بالأشجار، الذي يشرف عليها من الشرق، و لعل سلاسة المسميات هنا تعبر عن إرتباط الإنسان لالجمال و التمتع بالرفاهية ، دون حاجة للتعفيد و التدقيق ، رغم أن مسميات أخرى تحكي تعلق مجتمعنا بالمحاكاة و الرغبة في التواصل مع محيطه العربي ، كالفلوجة و السعادة و غيرها .

تكررا كلمة (الحلة) على الطريق ، فقلت لعل لمؤسسة (الحلة) ذات الصلة بالمقاطعة امتدادات هنا ، أو ربما كان اختيارها للاسم هو بحث عن رنين الكلمة و تجذرها في وجدان المجتمعات..

(3)تقع مدينة كنكوصة على ضفتي البحيرة ، و بمحاذة كثيب ضخم يحشر المدينة من الشرق ، في موقع ساحر قل نظيره في البلدة ، و يمتد المنحدر الذي يحتضن البحيرة و الواقع بين طرفي المدينة حتى وادي كركور الذي يصب في النعر السيغالي .

ترصع جنبات البحيرة أشجار الدوم و الغضى و جوز الهند و النخيل ، و لا يستطيع طرفا المدينة التواصل إلا عبر الزوارق التقليدية .

قضينا مقيلا ممتعا في بادية شرق تجمع (أدفيعه) ، و أثار انتباهي المدنية الطافحة و الهدوء الكبير ، و احتشام النساء و الخلق الرفيع للرجال ، في التجمع ، الحركية التي طغت على التجمع قبيل صلاة الظهر فالصلاة في المسجد ، و تكررت دفس الحركية مع صلاة العصر ، و عرفت من مرافقي أن الأسر ذات امتداد اجتماعي من تجمع القديمة في كيفة ، الذي اختط لنفسه مكانة مرموقة تتجاوز الاعتبارات التقليدية في المجتمعات الريفية .

رغم تنوع الفسيفساء الاجتماعية في المدينة ، فإن الانتماء لها هو الأساس ، و يرجب السكان بالوافدين و السياح ، الذين لا تخفى سيماهم من الانبهار و الحيرة التي تتملكم من سحر المدينة ، كما أثار انتباهي استعداد الجميع للخدمة و حل مشاكل و استفسارات الزائرين .

يمر الطريق المعبد خارج المدينة و يتوقف فجأة معلنا عن حقيقة أهرى من حقائق مشاريعنا التي تراعي مصلحة المنفذ على حساب المستفيد ، فلم أجد مبررا مقنعا لعدم اختراق المدينة غير ذلك ..

(4)بعد صلاة العصر انطلقنا لاستكشاف معالم السياحة في المدينة ، و اخترقنا المدينة طولا ، فلاحظنا مباني قديمة لعلها مشروع عمراني أجنبي ، و ذلك االتنوع في بناء المنازل الذي يعكس الميستويات المادية للسكان ..

عند المعبر الرئيسي للبحيرة تجد السياح و المواطنين العابربن بين العدوتين ، و وسيلة التنقل هي الزوارق التقليدية الصغير التي تعمل بالمجداف ، و يبهرك جمال البحيرة و اسجارها و عرضها ، في مشهد مساء جميل ..

اكترينا زورق عبور و لقد تنلكني الفزع خوفا من رهاب البحر الذي يصيبني عادة ، لكنني الارتخاء و الشعور بالمتعة و الانطلاق كان سائدا طوال الرحلة ذهابا و عودة .

من مشاريع الغشرية التي لم تر النور : استصلاح البحيرة و دعم زراعة الخضروات ، و كذلك بناء جسرا يربط بين أطراف المدينة ، لكن ربما كانت تلك المشاريع مما لا يرى بالعين المجردة .

لأول مرة في حياة البحيرة نضوبها في السنة الماضية و السنة التي قبلها ، بسبب قلة الامطار و بعض السدود ، لكن الوزارة تدخلت و اعادت للبحيرة القها ، و دبت في المدينة الحياة من جديد .

مع الغروب ودعنا المدينة ، لكننا لم نشبع ناظيرنا من معالمها الجميلة و اشجارها ، و لم نجد وقتا لتلمس أوجاع الناس و إكراهاتهم ، لكن تاريخ المنطقة كان يعزف انشودته الجميله ، تارة مع ازيز الرصاص و عراي اسروزي ، و تارة مع تراتيل العباد و النساك و صرير المسبحات .

كنكوثة سحر يحفر في النفس ثورا لا تزول و جمالا ياسر الالباب ..

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016