الزموا منازلكم تقوا أنفسكم

  تقع قرية كورجل العريقة جنوب مدينة كيفه، في نقطة المنتصف بينها ومقاطعة كنكوصة .

  تأسست هذه القرية مع بدايات القرن التاسع عشر ميلادي ،  قبل أن تصبح فيما بعد بلدية من أكبر بلديات المقاطعة كيفه ولعصابه عموما .. جاء  ذلك نتيجة  لموقعها الجغرافي  وما تزخر به من مقومات اقتصادية واجتماعية وثقافية .

  لقد  تأسست على التقوى والحب والتكافل والمآزرة والمساواة .. على يد رجال عظماء ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر .. ما خانوا الأمانة وما ضيعوا حقا لأحد . تقبل الله منهم !

  كانت بلدية كورجل من الناحية الإقتصادية تحوي سوقا متكاملا . فهي  نقطة الوسط بين مدينتي كيفه  وكنكوصة؛  لذلك تعتبر محطة الاستراحة المثلى لأصحاب الشاحنات و سيارات النقل المتجهة  نحو الجنوب إلى كنكوصة ، ول ينجه ، سيلبابي و حتى جمهورية مالي ، أو لتلك القادمة من هنالك باتجاه كيفة .

  ومن ناحية أخرى فقد حبى الله  قرية كورجل بإحدى أكبر واحات لعصابه .. تمتد هذه الواحة الغناء  على طول الشريط من بداية القرية الشمالية حتى نهايتها جنوبا، في لوحة جغرافية بديعة ؛ حيث المنازل على  التلة (السيفْ) وتحتها الشريط المستوي الصلب نوعا ما (الرك أو أدرك) لينتهي في الواحة التي تمتد على طول الشريط غربا، كما يحدها شرقا وادي لمسيلة الممتد حتى كركور .

 و يعتبر موسم الكيطنة  فترة زمنية أخاذة تجود فيها الواحة بما لذ وطاب من رطب جني،  على أشكال مختلفة و ألوان زاهية ؛ حيث بصكر والمهبولة واحمر ولخذيرة و تنتركل .... إلخ  فيتوافد  المصطافون من كل حدب وصوب .. من المدن و القرى المجاورة .

 وفي فترة الخريف هنالك زراعة في الوادي المذكور اشكيك لتؤتي السنابل أكلها عند كل حصاد .

  أما في فصل الشتاء فيكون هنالك موعد آخر مع الفلاحين، تحت ظلال النخيل،  فيبدعون في زراعة  الخضروات و ينتجون محصولا وافرا يطعمون منه  ويتصدقون ، و يبيعون الفائض في أسواق المقاطعة كيفه و بأسعار مناسبة .

  ومن الناحية الثقافية

كانت مدرسة كورجل من أكبر مدارس المنطقة إشعاعا؛ حيث خرجت أطرا ودكاترة ومهندسين ومحامين وقضاة ..... الخ ، يعود الفضل في ذلك للوالد والمربي والمعلم المقتدر /أحمدو ولد البح (monsieur ) رحمه الله الذي كانت فترته فترة إشعاع ثقافي وأخلاقي وديني في القرية قل نظيرها في المنطقة . لقد خَرَجَ جيلا مثقفا ومكونا تكوينا ثقافيا واجتماعيا ساعد إلى حد بعيد في بقاء تلك الشمعة تنير الدرب للأجيال اللاحقة .

من الناحية الإجتماعية

فقد كانت بلدية كورجل تمثل مفهوم التعايش بين جميع أطيافها ومكوناتها ، وتحمل كل معاني الضيافة والمآزرة والتكافل الإجتماعي .

 كانت القرية تمد اليد وتنشر البساط لكل زائر أو مقيم ؛ سواء كان  إداريا أو زائرا عاديا  أو سائحا  على أنغام "أطعين" طبل الوالد محمد ولد القابة رحمه الله  وزغردة ورقص الوالدة فاطمة منت أحيمد (توت) وباقي الفريق،  ورائحة بارود فردي الوالد كربه "كبه"  و بتحرك و دفع وتشجيع من العمدة والشيخ التقليدي الوالد الفاضل/ أبراهيم ولد سيدي محمود ولد يب رحمه الله و نفعنا  ببركته .

وهو يتحرك في القرية عاقد أكمامه (عاكد أكمامو) وكأن الفنانة /عيشة فال منت أعل أنيبط ول حيبلل تشدو :

    كَانْ أعْكَـدْتْ أكْمَــامَـــكْ

     يَـلِّ ايْـــدُومْ أيَّـامَــــكْ

   دَبْــشْ أخْـيَـامْ ألْـطَـامَــكْ           يَـكَانَـكْ  فَـــمْ وْ فَـــــمْ

    مَـا جَـبْـــتُ كَـــدَّامَـــــكْ

      مَـكْــرُودْ   وْ  مُحَــــزَّمْ

   وَنْــتَ بَـعْـــدْ أخـْيَــامــَكْ

     فَـوْكْ  أنبيَتْ    سَـلَّـــمْ

يردد وبصوت عال : أيو أيو أدركان أدركان ! حيث يقام الحفل أو إستقبال الضيوف .  رحم الله السلف وبارك في الخلف .     يومها كانت البلدية متكاملة وصوتها مسموع ورأيها مأخوذ بعين الإعتبار من طرف كل الحكومات .

أما اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين مازالت هذه البلدية الكبيرة والعريقة تعيش وسكانها يرون السراب ماء ! فإلى متى سيستمر هذا الحال  ؟

أم أن  النخبة السياسيةالحالية من أبنائها هم السبب فيما آلت إليه ؟   #إسقوا كورجل !

بقلم : الدكتور /محمد الأمين ولد الشيخ ولد محمود

الزموا منازلكم تقوا أنفسكم