الصفحة الأساسية > الأخبار > تأبين وعرفان بالجميل للراحل محمد المختار ولد القاسم

تأبين وعرفان بالجميل للراحل محمد المختار ولد القاسم

الأحد 25 تموز (يوليو) 2021  12:13

جزى الله خيرا جميع الإخوة الذين شاركونا في مصيبة والدنا وشيخنا محمد المختار بن القاسم "بتار" ؛ سواء الذين تجشموا عناء السفر وأبوا إلا أن يحضروا أو الذين ظلوا أيام التعزية معنا تاركين أشغالهم وهمومهم الكثيرة أو الذين اتصلوا معزين داعين بالخير مُثنين بما عرفوا من خصال الخير في الوالد.

نقول للجميع جزاكم الله خيرا وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. إخوتنا أثنيتم بما علمتم؛ و(أنتم شهداء الله في الأرض من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة)، ويعلم الله أن مناقب الوالد ومآثره كثيرة متنوعة، ومن باب (اذكروا محاسن موتاكم ) فإني لا أدري من أين أبدأ ولا حيث أنتهي:

تكاثرت الظباء على خراش@ فما يدري خراش ما يصيد.

كان الوالد رحمه الله من حملة القرآن أهل الله (مجازى فيه)، يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، له ورد يومي يظل يكرره، فإذا جنّ عليه الليل انتصب قائما به محافظا على رواتب الفرض والأذكار المطلقة والمقيدة ، يستيقظ الساعة الثانية ليلا ولا يزال مشغولا بالقرآن والذكر حتى يصلي الضحى.

كان فقيها متمكنا يستحضر نص النازلة سيما مختصر الشيخ خليل؛ إذ كان كثير التعهد له ودائم المراجعة له ولأبوابه الأخيرة، فبعد أن يصلي العصر في المسجد ويحضر الدرس اليومي في التفسير يذهب إلى البيت، ويجلس منفردا مراجعا المختصر وشروحه، واحيانا منهج الزقاق أو مراقي السعود وشرحيه " فتح الودود" للولاتي و"نثر الورود" للشيخ آبه ولد اخطور، وتارة يفعل ذلك بين صلاة الظهر والعصر.

كان رحمه الله نحويا له موهبة في الإعراب. درس على شيوخ عدة، منهم والده القاسم ولد محمد الأمين وخاله وابن عمه الشيخ محمد فال بن المختار والشيخان محمد المصطفى بن سيد يحي والسالك ولد آبه المسوميان، وخالنا الشيخ حمود بن متار، والشيخ محمد البخاري السباعي، وبعضهم يقدمه في الدرس ، وذكر لي - رحمه الله - أن الشيخ محمد كان يقول له ليتك درست علي كذا كذا؛ نسيت أنا ، ويلقبه بالخال، لأننا أخوالهم ولله الحمد، وكان ابنه شيخنا "لارباس" حفظه الله لا يقول لي إلا "الخال".

كان الوالد من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية، يحرص على معرفة المساكين والضعفة من العشيرة وغيرها يواسيهم بماله، ويحث غيره على ذلك، يعطف على الأيتام ويحنو عليهم لا يرى أحدهم إلا واساه وأدناه، وإذا اقترب حول زكاته كان همه وشغله الشاغل تأدية الزكاة، وأحيانا تكون الماشية بعيدة منه فيحزبه ذلك ويتكلف حتى يؤدي ما فرض الله عليه من طيب ما كسب بسخاوة نفس.

ما سمع خيرا ذُكر به أحد إلا أحب ذلك المذكور، كثير النصح والإرشاد ؛ لا يكاد يسمع عن أحد شيئا يرى أنه يحتاج النصيحة إلا نصحه.

كان رحمه الله بعيدا عن الرياء والسمعة زاهدا يرقع ثوبه ويخيطه، ويصلح نعله لا يحب من اللباس إلا ما خف حِملا وقيمة.

إذا رأيته حسبته لا علاقة له بالعلم والمعرفة، ولا مكانة له في الأهل والعشيرة، ولا ينبئك عنه إلا من ناله معروفه أو خالطه عن كثب.

والله ما شغله عن الصلاة في المسجد مرض ولا مطر ولا تعب ولا إرهاق، بل تراه ذاهبا إليه في الليلة المطيرة ومع شدة المرض والتعب.

والله ما رأيته متيمما إلا حين أجريت لعينه عملية جراحية وأمره الطبيب بالتيمم ، لكنه أعاد تلك الصلوات من بعدُ لأن نفسه لم تطب بذلك وخاف ألا يكون حكمه التيمم، ولقد رأيتُه في شدة الألم من الظهر يتوضأ وتُغسل له رجله لأنه لم يقدر على غسلها.

في الأشهر الأخيرة ضاعف العمل وخفف من مخالطة الناس، وذكرت لي إحدى الأخوات أنها تُشفق عليه من كثرة ما يجهد به نفسه من الطاعة، وخافت ان يكون به وسوسة فقلت لها كثرة العبادة وقلة النوم والعزوف عن الدنيا والانقطاع إلى الله يُحمد الله عليه.

صلى العشاء في المسجد وذكّر الجماعة بفضل صيام عرفة ورغّبهم فيه، وحين رجع إلى البيت أمر أن يُهيأ له سحوره، وبعد ذلك أصيب بغيبوبة أفاق منها يقرأ القرآن ويشهد شهادة الحق :لا إله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم الروح لبارئها. وبالجملة فقد كان الوالد "بتار" عابدا زاهدا كريما جوادا مقبلا على أمر دينه ودنياه محافظا على تلاوة القرآن محبا للمسلمين ساعيا في خدمتهم ونصحهم.

(إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا "بتار" لمحزونون). أختم هذا المنشور ببعض المراثي بادئا بما كتب شيخنا المقرئ الفقيه الأديب الإمام الدكتور سيدي عبد القادر بن الطفيل رئيس لجنة المصحف الموريتاي: يامن له بالقلب أرحبُ منزلِ* وودادُه عما يشوب بمعزلِ

يبقَى على صفو الوداد وقل مَن* يبقَى بغير تغيُّر وتحوُّل

قد تعلمون المرء ليس بقادر* يوما على ردِّ القضاء المنزَل

فاصبر على مُرِّ المصاب فإنه* يُفضِي إلى حلْوِ الثواب الأجزل

ومحمدُ المختار أصبح وافدا* ضيفا على ربٍّ كريم مُجزِل

ولقد تزود للرحيل ولَم يزل* ذَا رحلةٍ لله غيرَ مرحَّل

لا زال في أعلى الجِنان مخَلَّدا* بجوار خير الرسْل أشرفِ منزِل

تُلقَى عليه من الكرام تحيةٌ أبدا ويُسقَى من رحيق سَلْسَل

والله أفضل حافظ وخليفةٍ في الأهل يَخلُفه بكل مؤمَّل

ثم الصلاة على النبي وآله* وصِحابه الغُرِّ الكرام الكُمَّلِ

وما كتب أخونا الأستاذ الأديب الأريب الفقيه المتفنن إسماعيل بن محمد بن إسحاق:

تجيء ركاب الليل بالعجب الإمر@ فتبدل حلو الأمر بالسمج المرّ

وتجعل هما وافتراقا وشدة@ مكان سرور واجتماع مع اليسر

ومن كان ذا لب تساوى نوالها@ لديه زعاقا كان أو كان كالخمر

رضينا قضاء الله فينا وحكمه @ وليس لنا بعد المشيئة من أمر

أحب لقاء الشيخ بتّارِ ربُّهُ@ فلبّى نداهُ بعد ما حاز من ذُخر

على أنّ بتّارا تطيش لرزئه @ حلوم ذوي الأحلام من جلل الأمر

فقد كان للعافين مفتاح رحمة@ وغيثا مريعا لم يزل قطره يجري

وكم قام بالمعروف في الناس آمرا@ وكم ريء ينهى عن مقارفة المطر

وكم جاءه من أسكر الجهل عقله@ فزالت به عن عقله نشوة السكر

فصبرا بنيه إن فيما أصابكمْ @ مصابا لنا طرّا نداويه بالصبر

وللشيخ عند الله ما شبّ طالبا@ له من حصول الفوز بالذُّخر والأجر

تلقّاه بالفردوس الاعلى بجنة @ جزاءً له الأنهار من تحتها تجري

وحفّتكمُ من رحمة الله بعده@ جنود تقيكم ما يخاف من الدهر

كتبه الشيخ الدكتور لمات محمد المختار

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016