"موريتانيا على درب التحديات"، هذا هو عنوان المذكرات التي كتبها أول رئيس للبلاد، الرئيس الراحل المختار ولد داداه رحمه الله تعالى، تحدث فيها عن التحديات التي طرحت لجيل التأسيس، اليوم وبعد 61 عاما من الاستقلال الوطني، ورغم الأنظمة المتعاقبة، ما زالت أغلب تلك التحديات ماثلة اليوم، وقد استعصى تجاوزها على كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلد رغم اختلاف أساليبها في الحكم.

إذا تجاوزنا القرارات والأفعال التأسيسية كإنشاء مؤسسات الدولة، وسن القوانين والرموز الوطنية، سنجد أن موريتانيا لم تقطع خطوات كبيرة بعد مرحلة التأسيس، رغم دعايات الأنظمة الحاكمة بخصوص إنجازاتها التي يصفها أنصارها أحيانا بـ "التاريخية" و"العملاقة"، وذلك بدليل أن أغلب التحديات المطروحة للحاكمين اليوم تتعلق بخدمات وحقوق أساسية تجاوزها أغلب دول العالم، كتوفير الماء والكهرباء والسكن والغذاء والدواء والتعليم، ثم يأتي من بعد ذلك الحرية والكرامة.

صحيح أن هذه المشاكل مطروحة لأغلب دول العالم الثالث، لكن إذا نظرنا إلى الأرقام والمؤشرات الإحصائية في موريتانيا فإنها ستحدثنا بشكل مخيف قل مثله في المنطقة، عن نسب الفقر، وانتشار الأمراض والأمية والبطالة، وكذا انعدام الخدمات الأساسية في الأرياف وترديها في المدن، إضافة إلى مخلفات العبودية، والتفاوت الطبقي والتمييز ضد المرآة.

إلى جانب العقليات والرواسب الاجتماعية التقليدية، تتحمل الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد المسؤولية الكبرى في استمرار هذا الواقع لمدة ستة عقود،خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الثروات التي تتوفر عليها البلاد والمساعدات التي حصلت عليها والايرادات التي حققيها طول هذه السنين، مما خلق حالة من التهميش والغبن والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، تشكل اليوم عوائق حقيقية في وجه تنمية وتطوير البلاد.

حاولت كل الأنظمة الحاكمة تغيير هذا الواقع رغم اختلاف مواردها ومقارباتها السياسية والاقتصادية، بدءً من تأسيس الدولة إلى "هياكل" توزيع "الإسعافات" الغذائية على الجماهير، مرورا بـ "الدمج" و"تضامن" "رئيس الفقراء"، وانتهاءً بـ "التآزر"، لكن أغلب تلك المحاولات كانت مجرد علاجات موضعية مؤقتة، لم تستطع تحقيق هدفها النهائي في القضاء كليا على واقع الفقر والتفاوت.

"مجابات" تفتح ملف التهميش على كافة المستويات، خاصة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وننشر في هذا الملف مقالات لبعض المفكرين والأكاديميين والكتاب، إضافة إلى أخذ رأي بعض الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، وكذلك التحقيقات الميدانية التي أعدها فريق المجلة.

تهدف "مجابات" من وراء هذا الملف إلى التعريف بالمهمشين في البلاد، وتسليط الضوء على مكان الخلل في المقاربات التي انتهجتها الأنظمة السابقة من أجل إيجاد حلول لهذه المشاكل التي لا توجد تنمية حقيقة مستدامة من دونها.

التحرير/ مجلة مجابات