الصفحة الأساسية > الأخبار > موريتانيا ما بين الاستقلال والاستغلال/ الحسن محمد الشيخ

موريتانيا ما بين الاستقلال والاستغلال/ الحسن محمد الشيخ

الثلاثاء 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023  07:41

الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص

لم تعرف بلادنا في القرون الوسطى ولا الحديثة أي نظام سياسي يحكمها إلا ما كان من دولة المرابطين؛ فقد ظلت عصية على النظام والتنظيم لأسباب بعضها جغرافي وبعضها تاريخي، ومع تنامي التوسع الاستعماري الأوروبي في العالم كانت المنطقة محط الأنظار لموقعها الجيوستراتيجي.

دخل المستعمر الفرنسي إلى البلاد مع مطلع القرن العشرين في حدود ال 1900م بعد بعثات استكشافية ورحلات استشراقية ثم اتفاقيات على مدى عقود بين الفرنسيين في الضفة الجنوبية للنهر الصنهاجي(السنيغالي) وبعض الأمراء والمشاييخ على الضفة الشمالية له. وقد كان الاتفاق المبرم بينهم وبعض هؤلاء الأعيان سنة 1899م نقطة تحول جذرية؛ حيث منحهم الضوء الأخضر للدخول والاجتياح، غير أن المقاومة العسكرية كانت في البدء بالمرصاد للمستعمر؛ فضربت وأوجعت؛ إلا أن الفرنسيين المدججين بالسلاح والمحاطين بالأعين والعملاء تمكنوا في النهاية من بسط سيطرتهم على كامل البلاد سنة 1920م؛ فاتخذت فرنسا حينها كل السياسات والأساليب الاستعمارية انطلاقا من المبدأين الاستعماريين المعروفين : "اجمع واحكم" فكانت "الحصرات" و "الصنكات" و"فرق تسد" فكانت "الزوكة" (التغريب). وعمدت إلى تمرير أجندتها، من نهب للثروات ونشر للقيم العلمانية، وصناعة للعمالة التي تحولت مع الزمن إلى التملق والتزلف لأنظمة الاستبداد.

وبعد خروج فرنسا منهكة ضعيفة من الحرب العالمية الثانية، تصاعدت ضدها حركات التحرر في العالم التي ساعدها وجود نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي المنتصرتان في الحرب، وكذلك هيئة الأمم المتحدة الداعية إلى إفساح المجال للشعوب من أجل تحقيق مصيرها.

في هذه الفترة شهدت البلاد مخاضا عسيرا و لياًّ للأذرع بين المناهضين لفرنسا -وأغلبهم شباب حديث العهد بالسياسة والانفتاح - من جهة، وموالين لها من أعوان مترجمين وموظفين وأعيان ووجهاء... وأمام الضغط الخارجي العالمي والنضال السياسي الداخلي اضطرت فرنسا إلى منح الاستقلال رغم انتصار رغبتها الاستعمارية في الاستفتاء الديكولي. وبذلك طوت مرحلة استعمارية دامت ستين عاما من الاستغلال والنهب ومحاولة طمس الإرث الثقافي الإسلامي للمجتمع، وغمط الهوية العربية فيه.

خرجت فرنسا من البلاد ظاهريا وهي التي لم تبنِ مرفأ ولا جسرا ولا طريقا، لكنها نهبت وشردت وقتلت، وكرست العبودية وحمت الممارسات القبلية المشينة واستهترت بالسكان واستغلت المستضعفين وأذلت الجميع.

استقلت موريتانيا بعد ستين عاما من استعمار لم يترك غير فكرة قيام دولة في منطقة لم تعرف في الماضي القريب ولا المتوسط أي نظام سياسي جامع.

ترك الاستعمار الفكرة مشوبة بنظام قبلي طبقي يعمل على إعاقة البلد الناشئ -ولايزال- رغم ما بذله الجيل الأول من محاولة بلورة مفهوم الدولة، ورغم ما بذله جيل الكادحين من تأطير وتثقيف وتوعية بضرورة مسايرة ركب الأمم المتحضرة والتخلي عن جاهلية منتنة. وهكذا بدأت الدولة الوليدة (موريتانيا) أولى خطواتها مع نهاية العام 1960م، وحكامها مزهوون بجميل الحظ ومنبهرون من ثقل العبء ؛ عبء مسؤولية بناء بلد مترامي الأطراف، تسوده البداوة والتخلف، لكنه يمتلك ثروات واعدة ستكشف الأيام والسنوات اللاحقة عن قيمتها، وعن قدرتها على النهوض به. وقد اتضح أن موريتانيا تمتلك:

- ثاني أكبر منجم للحديد في افريقيا إلى جانب منجميْ النحاس والذهب المستغليْن .. مع وجود النفط والغاز المكتشفيْن حديثا بالإضافة إلى معادن أخرى لم تستغل بعد.

- ثاني ثروة سمكية على المستوى العربي

- ثالث ثروة حيوانية على المستوى العربي

- أراضي صالحة للزراعة تكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وأكثر.

- بحيرات سطحية وجوفية غير مستغلة. وأودية تضيع مياهها هدرا.

- اماكن سياحية كثيرة متنوعةٌ تنوعَ تضاريس البلد (الصحراء والشواطئ والسهول والأودية والمدن العتيقة والتاريخية) .

وتسارعت الأيام والأحداث، وتنوعت الأحكام والأنظمة؛ فكانت النتيجة:

- أن البلد في المرتبة 134 من حيث جودة التعليم، و157 على مؤشر الأمن الصحي العالمي لسنة 2019م

- أن أغلب المدن والقرى تعاني من شح في الماء الصالح للشرب، وخدمة الكهرباء ضعيفة في مناطق وغير متوفرة إطلاقا في مناطق واسعة من البلاد رغم وجود فائض في الإنتاج يتم تصديره.

- أن البطالة منتشرة بين الشباب

- أن الهجرة تستقطب الكثير من أبناء الوطن من بينهم أكثر من 4%من أصحاب الأدمغة.

- أن هناك استيرادا شبه تام للمواد الغذائية الضرورية (الحبوب والخضروات والزيوت....) و استيرادا كليا للدواء والملابس والأثاث والمركبات.

- أن هذه هي موريتانيا باختصار ؛ ستون عاما من الاستعمار وستون أخرى من الاستقلال والنتيجة تساوي مائة وعشرين عاما من الاستغلال الممنهج للموارد وللشعب.

وعلى هذا الأساس، فهل سننتظر ستون أخرى حتى ننعم ببلد مستقيم مستقل، مستغل مواردَه الاقتصادية والبشرية خيرَ استغلال..!؟

الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت النص

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016