الصفحة الأساسية > الأخبار > الدكتور محمد ولد المنير يكتب : محاولة انتحار وتدشين طريق

الدكتور محمد ولد المنير يكتب : محاولة انتحار وتدشين طريق

الخميس 4 نيسان (أبريل)  22:20

كتب الدكتور محمد المنير :

إن محاولة حرق النفس هو دليل على مستوى اليأس الذي وصل إليه شبابنا. الخطورة ليست في محاولة الحرق ولكن في اليأس والقنوط، لأن الإقدام على هذا النوع من القرارات الراديكالية يرمز إلى مستوى عال جدا من فقدان الأمل. فبسبب اليأس أضرم شاب تونسي النار في جسده، وكانت الشرارة التي أشعلت ثورة عارمة. وبسبب اليأس انخرط آلاف الشباب في الحركات الإرهابية. فعندما لا يبقى لدى الشاب ما يخسره يصبح قادرا على كسر كل الحواجز، وتخطي كل الخطوط الحمراء. فمن أَقْدمَ على الانتحار يسهل عليه الإقدام على خطوات أكثر خطورة، لأنه أصبح بمثابة حطب يمكن أن يشتعل في أي وقت.

كذلك، عندما يُقْدم شاب على محاولة الانتحار، بصفة علنية، على مرأى ومسمع من الجميع، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، فهو يوجه رسالة إلى ضمائرنا، يذكرنا بمأساته ويؤنبنا لتقصيرنا وعجزنا عن انتشاله من وحل اليأس وفقدان الأمل، في ظل تدني مستوى التكافل والتضامن الاجتماعي الذي كان يسمح سابقا بامتصاص اليأس.

وعندما يقوم بمحاولة إضرام النار في جسده أمام القصر الرئاسي، فهو، في رمزية واضحة الدلالات، يُحمِّل الحكومة مسؤولية هذا القرار. فالحكومة هي من يَتَحمّل مسؤولية الإحباط الذي يلتهم شبابنا، حيث إنها لم تترك لهم خيارا سوى الهجرة أو الانتحار. فلا هي استجابت لطموحاتهم، ولا هي أعلنت الحرب على الفقر والبطالة والتهميش والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بل ساهمت في انسداد الأفق وانعدام الفرص، عن طريق ترسيخ عدم المساواة وتوسيع الفوارق الطبقية، لصالح أبناء الوجهاء والنافذين في الدولة، على حساب أبناء الشعب العادي، الذين لا يهتم بهم أحد، على الإطلاق. تلك الفئات التي لا تخضع لسلطة تقليدية، والموجودة في الأحياء الشعبية وفي ضواحي المدن الكبيرة، وفي بعض المناطق الداخلية، وساكنة "آدوابه" ما زالت تعاني من انعدام الخدمات الأساسية والفقر المدقع والهشاشة.

والسؤال المحير هو لماذا وصل مجتمعنا إلى هذه الدرجة المقلقة من القنوط ؟ الحقيقة أن الأنظمة المتعاقبة لا تستثمر في المواطن، لأنها لا تعتبره أولوية، وإنما عالة على الدولة. فهي لم تعكف أبدا على إيجاد حلول لتطلعات الشعب، بل كانت وما زالت تولي كل اهتمامها لمشاريع البنى التحتية، كالطرق والبناء والتجهيز، لأنها وسيلة سريعة لتحقيق عمولات تستفيد منها النخب الفاسدة المتحكمة في البلاد، ووسيلة لضمان الولاءات التقليدية وكسب ثقة الوجهاء، الذين يتمتعون حسب اعتقاد النظام بالنفوذ الضروري للتعبئة في فترة الانتخابات. والدليل على ذلك أن ميزانيات المشتريات يتم استهلاكها كليا وبسرعة، بينما ميزانيات النشاطات وتعزيز القدرات والتكوين لا يتم تنفيذها بنفس الشراهة، خاصة إذا كانت ممولة من طرف المنظمات الدولية التي تحرص على احترام قوانين الصرف المالي.

ومع أن نظام العشرية والنظام الحالي، الذي هو في الحقيقة امتداد لسابقه، ركزا على تبديد الاستثمارات في البنى التحتية والتجهيز، فما زالت أغلب مناطق البلد لا تتوفر لا على بنى تحتية ولا على أدنى مقومات الحياة، وكل ما تم إنجازه لا يرقى إلى تطلعات الشعب، لأنها مشاريع عادية في مجملها، ليس لها تأثير على الاقتصاد، ولا على الفقر المنتشر في جميع فئات الشعب، ولا على البطالة التي تنهش شباب البلد. باختصار، النتائج كانت على مستوى الطموحات المتواضعة.

من الطبيعي إذن أن يحاول شاب إضرام النار في جسده ومن الطبيعي أن يسافر الرئيس غداة الحادثة لتدشين طريق، فهذان الحدثان يؤشران على فشل كل سياسات الدولة في بناء مشروع تنموي يرتكز على تأهيل المواطن واعتباره رأس المال ومصدر الإنتاج، لكي لا يبقى عالة على المجتمع.

على العموم، لا يبدو أن هذا النظام يدرك الطبيعة الملحة للتحديات والمشاكل الهيكلية التي تقوض تنمية البلاد، ولا ضرورة إصلاحات جوهرية، كما ليس لديه الوعي والاستعداد الكافيان لتكريس مبدإ الاستثمار الحقيقي في الرأس المال البشري. كذلك، الشباب بصفة خاصة لا يحظى بالأولوية القصوى التي يستحقها من طرف هذا النظام. المشكل أن ولد الغزواني يسير على خطى من سبقه، ويرتكب نفس الأخطاء، لأنه محاط بنفس النخب التي أثبتت عجزها في الماضي، وتكرر اليوم نفس السياسات الفاشلة. لو كانت قادرة على بناء نهج مختلف لنجحت في تنفيذه في السابق. لذلك، ما دام هذا النظام يتبنى نفس التوجه، فلن يقدر على إخراج الشباب من حالة اليأس، ولن يكسب ثقة الشعب بهذه السياسات الارتجالية، مهما أنفق في البنى التحتية، ومهما وضع من حجر أساس، ومهما دشن من مشروع. حتى إنه لن يحقق ثلث ما أنجزه ولد عبد العزيز الذي كان همه الوحيد تشييد مشاريع البناء. لن يختلف مصير هذا النظام عن مصير ولد عبد العزيز، وسيأتي اليوم الذي لن يتذكر الشعب من إنجازاته سوى أنه أضاع سنوات وأجيالا في تكرار نفس الأخطاء ونفس الإخفاقات.

الحل الوحيد يكمن في القطيعة مع السياسات التي أثبتت فشلها، وفي تبني مقاربة جديدة تجعل من المواطن مركز الأولويات، باعتبار التعليم الأولوية التنموية الأولى. فمثلا لو كانت الدولة استثمرت في دراسة وتكوين الشباب، لكانت ضمنت لهم الحد الأدنى للعيش، ولسمح لهم ذلك بتحمل مسؤولية أسرهم والمساهمة الفعالة في الدخل القومي. لذلك يجب تخصيص %30 من ميزانية الدولة، على الأقل، لهذا القطاع، بدل أن يبقى حاضرا فقط على مستوى الشعارات السياسوية والخطابات الانتخابية المناسباتية، دون تجسيد حقيقي على الميدان. فأغلبية الوعود السياسية التي أطلقها ولد عبد العزيز، وبعده ولد الغزواني، لم يتم تحويلها إلى حقيقة ملموسة في الواقع، ولم يتم تجسيدها في ميزانية الدولة، فقد بقيت مجرد خطاب لا انعكاس له على أرض الواقع، وبقي الوضع كما كان عليه.

إن لم يتم تدارك الأمر والتعامل بصفة إيجابية مع المطالب الشرعية للشباب، والاستجابة لتطلعاتهم، عن طريق خلق بارقة أمل للانطلاق في تصحيح حقيقي للأوضاع، سيكون اليأس والقنوط الشرارة التي ستفاقم الاستياء وتؤجج الاحتقان الذي قد يفضي إلى مواجهة مباشرة بين النظام والشباب، وبين النخب الفاسدة الغارقة في الرفاهية والبذخ من جهة، ومن جهة أخرى الفقراء والمهمشون في انواكشوط وانواذيبو والمدن الكبيرة، مما سيقود إلى فوضى قد تشكل تهديدا لاستقرار البلاد والسلم الاجتماعي.

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016