الصفحة الأساسية > الأخبار > لحراطين ومشكل الهوية

لحراطين ومشكل الهوية

الاثنين 22 تموز (يوليو) 2013  15:50

ابراهيم ولد اعبيد، نائب رئيس "إيرا"

عجبت لحال السود في أمريكا الذين مرت مطالبهم من أجل تحديد هويتهم بثلاث مراحل: كانوا يسمون بالسود الامريكيين . فوجدوا في التسمية طمسا و مسخا لهويتهم الإفريقية، و محافظة على النسبة التي تشتم منها رائحة التبعية و الإستعباد .فجاءت تسميتهم بالأفارقة الآمريكيين (الأفرو ـ أمريكيين) لعل و عسى أن يجد الجميع في هذا الإسم المركب ما يشفي غليله من حيث الاحتفاظ بالأصل والإنتماء للفرع ، ولكن لا ..فقد وصلت بهم الأحوال اليوم إلى أن أصبحوا يطلقون على أنفسهم صفة " الأفارقة ".

يقول البروفسور جان بول كوك من جامعة كلومبوس "نحن أفارقة مولودين بامريكا، مثلنا في ذلك مثل أي مولود يولد في أمريكا فإن القانون الأمريكي يعطيه مباشرة الحق في الجنسية لكنه يبقى فوق ذلك موريتاني أو تركي أو بوليفي ... " ثم ينظر إلي و يقول "نحن حراطين أمريكا " فلو كان للثقافة دور في تحديد الهوية لما وجد هؤلاء بدا من قبول التماهي و الأنصهار مع الأمريكيين البيض .. و لو كان للغة دور في تحديد الهوية لما كان لهؤلاء أي حق في الإنتماء لافريقيا.. فهؤلاء لا يتكلمون سوى الإنجليزية ولكن لم يحول ذلك دون انتمائهم للوطن الأم ولو من حيث الهوية .. نعم هم يرفضون الذوبان في أكبر دولة في العالم و اغناها و أقواها و أكثرها احتراما لحقوق المواطنين ...و يعتزون بالإنتماء لأفقر قارة و أحطها مستوى و أقلها شأنا ...

لم يقبل السود الأمريكيين التماهي مع أسيادهم على الرغم من أن اشواطا كبيرة قطعت في اتجاه التكفير عن الماضي و تحقيق العدل و المساواة..لقد عرفت امريكا حربا اهلية بين الجنوب و الشمال كان سببها رفض الشمال للاستعباد .. حرب قادها بيض ضد بيض من أجل إلغاء الرق ، مات فيها من البيض ما لم يمت في أي من الحربين العالميتين و لا في حرب لفيتنام و مع ذلك بقيت آثار الرق بادية في تلك الدولة الديمقراطية العظمى .. تولد عن ذلك نوع من الثورة ضد الوضع القائم خلق من السود مجتمعا متمردا رافضا لكل ما له علاقة بذلك الماضي المقيت ..كما تولد لدى البيض شعور بالذنب تحول إلى خوف و خجل هستيري من الأسود .. لقد ساعدت حالة الشعور بالذنب هذه في نجاح أوباما إضافة إلى مؤهلاته الأخرى من ذكاء و حنكة و بعد نظر ..حيث لم يستطع البيض و هم أكثرية ساحقة (أكثر من 80%) عدم التصويت له لأن ذلك سيفهم على أنه عنصرية !..

إن الدرس الذي أود استخلاصه من هذه العجالة هو أن الهوية لا تحددها اللغة و لا الثقافة و لا حتى الدين ..إن الهوية هي اساسا تاريخ . و التاريخ ، لمن لا يعرفه ، هو مجموعة من الأحداث التي مرت و انقضت و تركت آثارا واضحة على المجتمعات و الشعوب.. فتاريخ الاستعباد في موريتانيا هو الذي ولد لحراطين . إنهم إذا نتاج تاريخي له كيان و خصوصيات ثقافية و له منظرين و فكر ثوري هو الذي تسبب في الحرق الرمزي لكتب الاستعباد .. و له مفاجآت أخرى ستظهر لاحقا ... فنحن لم نختر أن نكون احراطين و لا أن نكون عبيدا ..لقد أًختير لنا ذلك ..و نحن نرفض اليوم أن يتواصل الإختيار نيابة عنا مهما يكن المختار ! لقد قررنا أن نختار لأنفسنا ما اختار لنا التاريخ و هو أننا احراطين نتمتع بكل الصفات التي يتمتع بها الزنوج الأفارقة و نختلف معهم في أن لغتنا هي الحسانية.. لقد بقي الصحابة الأجلاء منتمين لأصولهم سلمان الفارسي و صهيب الرومي و بلال الحبشي .. و لم يقل أحد إنهم عرب على الرغم من أنهم أصبحوا مسلمين يتكلمون اللغة العربية و يتزوجون بنات العرب ..نحن أيضا زنوج أفارقة لا بولاريين و لا صونوكيين و لا ولوفيين بل احراطين ..إنها مكونة من مكونات الشعب الموريتاني خلقها التاريخ ككل المكونات الأخرى ..و من يحترمنا يسجل هذا الرأي و يحترمه و لا نطلب من أي كان أن يوافق عليه أو يخالفه بل فقط أن يحترم لنا خيارنا ... و عكس ذلك نعتبره إهانة لنا و محاولة لربطنا الدائم بالإستعباد و هذا شيء نرفضه جملة و تفصيلا !!!

لقد بدأ لحراطين في الستينات يتحركون من أجل التعبير عن ذواتهم و قد حققوا القليل في اتجاه ذلك و السبب هو أن بداية تحرك لحراطين واكبتها فكرة اختطاف ذلك التوجه و طمسه و توجيهه في اتجاه يخدم مصلحة دولة ـأو مجتمع ـ البيظان ..فقامت الحملات القومية التي بدأت مع البعثيين جادين و محاولين خطف لحراطين و التحكم فيهم حتى يقبلوا بالأمر الواقع و يكونون إذا أداة في يد الاسياد ... استخدموها للأسف الشديد في أحداث 1989 ضد إخوتنا الزنوج.. و في هذا السياق فرض التعريب على لحراطين "بوصفهم عرب "..و ترك للزنوج الحق في الإختيار حتى ينفصلوا ثقافيا عن العرب و خاصة عن لحراطين .. و تبعت ذلك محاولات الناصريين المتكررة في تدجين لحراطين و تركيعهم بواسطة الدولة و مخابراتها القوميين على راسهم محمد فال ولد بلال و حمود ولد عبدي و الكوري ولد احميتي ... فكان حل العمل من أجل التغيير و رفض المعاهدة و فتح الباب بين الناصريين و لحراطين من خلال حزب التحالف .. ذلك الحزب الذي سرعان ما تحول من واجهة لنضال لحراطين إلى واجهة لنضال العرب القوميين و قضاياهم التاريخية ..كلنا يتذكر صيحات الزعيم مسعود قائلا : العراق ..العراق ..فلسطين ...السودان .... فقد نجح مشروع الناصريين في فصل لحراطين (الحر) عن الزنوج بصفة تامة و تدخلت دراهم العقيد من خلال الخليل ولد الطيب و نيرانه الصديقة ...و أصبح إخوة الأمس أعداء اليوم و مات مشروع لحراطين أو كاد ... فكانت مبادرة انبعاث الحركة الإنعتاقية (إيرا)

إننا لم نبذل أي جهد يذكر من أجل انتزاع الحرية و بناء الهوية "الحرطانية" شامخة .. لقد قبلنا الخنوع و طلب الصدقة والبكاء ..ولم نقاوم بجدية .. لقد اكتفى الرعيل الأول من قياداتنا بالوظائف المشبوهة و التي هي عربون للخنوع ..فكلهم قبلوا بالوظائف و خيانة القضية إلا من رحم ربه ... و مازال هذا هو سلاح البيظان للمحافظة على حكمهم ..فكلما جاء رهط يعين حراطينه الذين هم هنا للتعبير بألوانهم و أصولهم عن عكس الواقع ( مثقفي الوظائف) ...

اما مستعبدنا فقد بذل كل شيء من أجل "تسوية هويتنا مع التراب" و مسخها و التآمر ضدها ..و لقد ساهمت الأحكام المتعاقبة في هذا البلد في ذلك حيث لم يعول المختار ولد داداه على أي مكانة يستحقها لحراطين بل كان تصوره لهم ككل الإقطاعيين هو أنهم جزء لا يتجزأ من مجتمع البيظان مثلهم في ذلك مثل الغنم و الخيمة و الأرض الزراعية و النخيل ...أما الأحكام العسكرية فكانت فرصة سانحة لتطبيق مخططات القوميين و الإسلاميين الذين يهمهم إقناع العرب بأن موريتانيا دولة عربية ...عقدة العروبة.. ولا يهمهم تشخيص المشاكل الداخلية و حلها نهائيا ..و هذا المشروع العروبي الإسلاموي يقوده اليوم حزب تواصل ..فهم يناضلون الآن لإعادة مرسي إلى كرسي الرئاسة في مصر و لا تهمهم أحداث كيهيدي و لا عنصرية الدولة ضد لحراطين في الكزرات و الترحيل و لا العبودية العقارية التي قد تجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه

إن كل القرائن و الأسباب متوفرة لعدم قبول عروبة نحن منها براء .. لقد استعبدنا من طرف العرب و جهلنا من طرفهم و عانينا الغبن و التهميش .. لقد اتفق كل البيظان على أنهم و لحراطين شيء واحد (كلاميا على الأقل)...الكل يحافظ على نفس العبارة ..نحن كمثل علاقة بياض العين بسوادها ..و يوردوا الحديث النبوي الشريف "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "..و الله يعلم أنه في القاموس الموريتاني هذا الحديث لا يعتد به أحد ..و إلا فلماذا لا يقبل بياض العين الزواج من سوادها مهما كان تقواه أو شهادته أو خلقه ..؟ لماذا احتكرتم العلم و منعتم الماعون ؟ لماذا ؟

إن محاولة الموريتانيين لجر لحراطين إلى العروبة هو لحاجة في نفس يعقوب ..نعم يحتاج البيظان في موريتانيا إلى لحراطين لتبرير تحكمهم في الدولة و الاقتصاد حتى يبينوا للزنوج بأنهم اقلية تتمتع بنسبة تتناسب طرديا مع عددها ..و لقد كانوا ـ إلى حد ما ـ أوفياء مع الزنوج إذ منحوهم دوما المكانة التي تتناسب مع نسبة وجودهم في البلد و ذلك منذ قيام الدولة الموريتانية .. قبل أن يتحكم العسكر الذي يحركه الفكر القومي العربي الذي خلف أحداث سنوات الجمر 1986ـ1991... لكن يجب أن نعترف للزنوج الموريتانيين بأنهم قاوموا بصبر و حكمة حتى بدأت الأمور اليوم تعود إلى ماقبل عهد العساكر ..أما نحن فإن نضالنا الحقيقي هو ذلك الذي بدأ منذ 2010 و أعطى إلى حد الآن نتائج محسوسة على مستوى تغيير العقليات و شد الإنتباه حول المشكل... و غدا لناظره قريب ....

وددت إذا من خلال هذا النص أن أقدم نظرة يتبناها معي الكثير من الموريتانيين حول هذا المشكل لكي تكون أرضية لنقاش فكري عميق و صريح حول هذا الموضوع الذي حان الوقت لحسمه و تجاوزه ..فأهل مكة أدرى بشعابها ...

اضف تعقيبا

الأخبار قضايا تحاليل تقارير آراء حرة اصدارات مقابلات أعلام هواتف تهمك منبر كيفة أخبار الجاليات الظوال أسعار الحيوان صور من لعصابه قسم شؤون الموقع والوكالة تراث دروس كاريكاتير نساء لعصابه قناة كيفة انفو سوق كيفة
صفحة نموذجية | | خريطة الموقع | متابعة نشاط الموقع RSS 2.0
جميع الحقوق محفوظة لـ " وكالة كيفة للأنباء" - يحظر نشر أو توزيع أو طبع أي مادة دون إذن مسبق من الوكالة ©2014-2016