لأول مرة في تاريخ الديمقراطية الموريتانية؛ منذ أن تم تخصيص منصب الوزير الأول لمنطقة الشرق، يفشل كبير الوزراء في حشد التأييد للحزب الحاكم في الاستحقاقات الانتخابية. لقد ظلت منطقة الشرق الموريتاني، وخاصة الحوض الشرقي، مخزونا انتخابيا يرفع الرؤساء قبعاتهم احتراما له وطمعا فيه،

وبالمقابل ظل الوزراء الأوائل المنتمون لتلك الجهة أوفياء لذلك الاحترام، ومستميتين في أن تكون منطقتهم عند حسن ظن الأنظمة المتعاقبة.

ولم يقتصر الفشل في حمل ساكنة المنطقة الشرقية على التصويت لخيارات الحزب الحاكم على الوزير الأول، بل شمل وزراءه المنحدرين من المنطقة، حيث بدت الحكومة فاقدة للتنسيق وللقدرة على التصرف بم يخدم مصلحة النظام، بل ومصالح أفرادها بصفة شخصية.

غير أن المراقبين لم يتفاجأوا بالنتائج الهزيلة التي حققها الحزب في مدينة النعمة؛ عاصمة ولاية الحوض الشرقي، حيث كسب حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإسلامي المعارض المعركة، متسلحا بضعف أداء الحكومة وإقناعها للناخبين، رغم قيادتها من طرف شخص محسوب على المنطقة، فهو مجرد محسوب عليها؛ كما يؤكدون.

ويرى المحللون أن الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف انحاز لبعده الاجتماعي في ولاية لعصابه على حساب منشئه المعين على أساسه، فلم يبق على فروعه في ولاية الحوض الشرقي، ولم يفلح في التواصل مع جذوره في ولاية لعصابه.

ذلك أن الهزيمة التي مني بها الحزب الحاكم في معقله الرئيسي بعاصمة ولاية الحوض الشرقي، عادت لتلاحقه في منطقة بعده الاجتماعي، وبالذات في مدينة كرو، حيث شهدت المدينة ما يمكن أن يسمى تسونامي سياسي جرف كل قلاع الحزب الحاكم في الاستحقاقين البلدي والنيابي، وهي المدينة التي نالت الحظ الأوفر من التغطية الإعلامية والاهتمام السياسي خلال الحملة الانتخابية، واستقطبت أكبر كم من وزراء حكومة ولد كمحمد الأغظف بمن فيهم وزراء سيادة.

وفي مقاطعة باركيول، حيث البعد الاجتماعي للوزير الأول، سقط الحزب الحاكم في خمس بلديات من أصل ثمانية، في إشارة بالغة الوضوع على فشل سياسات الحكومة في منطقة تسمت أخيرا ب(مثلث الأمل)، رغم احتفاظها بمميزات لقبها السابق (مثلث للفقر). وفي ولاية الحوض الغربي، الواقعة ما بين منشأ وجذور الوزير الأول، لم يفلح الحزب الحاكم في حسم مقاعد مقاطعتي كوبني والطينطان لصالحه، بسبب ما يصفه البعض بعقاب الناخبين للحكومة بسبب فشل سياساتها في المنطقة.$

ويرجع المراقبون إخفاق الحزب الحاكم في تأمين الخروج من الدور الأول منتصرا إلى أسباب أخرى قد لا تتعلق بخيبة أمل المواطنين من تجسيد برنامج الرئيس على أرض الواقع؛ والذي صوتوا له في الانتخابات الرئاسية، ولكنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بما وصفوه بحشر الوزير الأول أنفه في كل شاردة وواردة بالبلد، حتى أنه تصرف كرئيس منتخب، حيث انتزع صلاحيات هياكل الحزب الحاكم المنتخبة، فرشح وأقصى، وعدل لائحة مرشحي الحزب حتى وهي بين يدي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وهو ما أسفرت عنه موجة غير مسبوقة من الانسحابات في صفوف الحزب، خاصة من قبل قيادات تتوفر على رصيد انتخابي يحتاجه الحزب في معركته التي تستهدف الحفاظ على أغلبية برلمانية موروثة عن الفترة الانتقالية الأولى.

ويقول البعض إن تصرف ولد محمد الأغظف كرئيس منتخب، ربما يكون عائدا إلى تكليفه؛ ولو ظاهريا على الأقل، بإدارة البلاد خلال فترة علاج الرئيس من إصابته في الـ 13 أكتوبر 2012، وإحاطته بأفراد الحرس الرئاسي وهو يخلف الرئيس في تصدر صلاة العيدين، وما واكب تلك الفترة من اجتماعات تحاول الدفع به إلى القصر الرئاسي، وذلك في ذروة التسريبات التي تحدثت عن عجز الرئيس، وخاصة الاجتماع الذي عقده القوميون بمنزل دفالي ولد الشين،

وقرروا فيه دعم خلافة ولد محمد الأغظف لولد عبد العزيز، فضلا عما قيل حينها بأن بعض قادة المؤسسة العسكرية أبلغوا الوزير الأول بتزكيته لرئاسة البلاد في حال شغور منصب الرئيس. ومنذ تلك اللحظة بات ولد محمد الأغظف يعمل انطلاقا من كونه رئيسا للجمهورية، وليس كوزير أول مشرف على تنفيذ برنامج رئيس عينه لهذه المهمة، وأصبحت لدى الرجل علاقات قوية بقادة عسكريين تولوا مهمة إقناع ولد عبد العزيز بأنه الرجل القوي القادر على مقارعة المعارضة وكسب ود الناخبين، لكن ورق التوت بدأ يتساقط بمجرد فرز نتائج الاقتراع.

ولأن ولد محمد الأغظف أدرك مبكرا أن إعلان نتائج الشوط الأول من الانتخابات بصورة فورية؛ كما هو حال جميع الاستحقاقات السابقة، وتسليم محاضر الفرز لممثلي اللوائح المتنافسة، سيكشف أوراقه أمام الرئيس محمد ولد عبد العزيز؛ الذي كان يريد لهذه الانتخابات أن تكون جسرا لعبوره إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، سارع الوزير الأول إلى التواصل مع اللجنة المستقلة للانتخابات بغرض منع تسليم المحاضر وإعلان النتائج الأولية.

وعلى الفور أشرف ولد محمد الأغظف؛ بنفسه ودونما توكيل لأحد، على النتائج المعلنة من قبل اللجنة بعد أن يتم تعديل أرقامها لصالح مرشحين "معينين"، فتم التراجع عن إعلان نجاح لوائح معارضة في أكثر من مكان، وتم تقليص حصة أحزاب تواصل والتحالف الشعبي والوئام المعارضة، ومنعت لوائح أحزاب في المولاة من حسم الشوط الأول، كالكرامة في نواذيبو، وأخرى من التأهل للشوط الثاني كالفضيلة في توجنين، كما منع نواب رفعتهم النسبية من الحصول على حقهم في ولوج قبة البرلمان الجديد، كما حصل في نواذيبو وكوبني؛ على سبيل المثال، فضلا عن منع نواب في الحزب الحاكم من تجاوز الشوط الأول من النيابيات بغرض إسقاطهم، لأنه لم يرشحهم أصلا.

ويرى بعض المحللين أن محاولات الوزير الأول الالتفاف على صلاحيات الرئيس والحزب الحاكم واللجنة المستقلة للانتخابات، لا يمكن أن تتم دونما تواطئ من جهات عليا في السلطة التنفيذية والجيش، وربما أخرى خارجية، تستهدف رفع الغطاء الشعبي عن كل ما يمت بصلة للرئيس محمد ولد عبد العزيز في وجه الانتخابات الرئاسية التي باتت على الأبواب. فالبعض بات يرى ولد محمد الأغظف الرئيس المقبل لموريتانيا، تماما كما يرى هو نفسه الرئيس الحالي لها، منذ إصابة الرئيس قبل أكثر من عام.

فهل ستقضي هزيمة الحزب الحاكم في عقر "ديار" الوزير الأول على طموح مولاي ولد محمد الأغظف في خلافة ولد عبد العزيز؟

السفير