كلمة وفاء في حق الراحل المختار السالم ولد عبدي
وكالة كيفة للأنباء

  • رحل عن دنيانا يوم الاثنين الماضي 20 يوليو 2015 المغفور له بإذن الله المختار السالم ولد عبدي. كان المرحوم صديقا لوالدي أطال الله بقاءه ومتعنا به الداه بن سيدي الأمين بن أحمد،وكان خلا له وفيا فضلا عن أواصر القربى والرحم مما يظهر في القصيدة اللاحقة التي رثاه بها. كان المرحوم جارا لنا في كيفه لأكثر من عشرين سنة حين عرفتُه في بيته وفي المسجد وفي الحياة العامة وهو في تمام الرجولة ناصع البشرة فارع القامة يعلو جلاسه ومسايريه، بادي الهيبة والوقار، ومع ذلك كثير الأريحية والترحاب بمن يدنو منه للسلام عليه من الشباب من سني في تلك الفترة .
  • ولد المرحوم سنة 1935 في ولاية لعصابه من أبيه محمد المصطفى ولد عبدي الأتفاقي ومن أمه المحظرية فاطمة بنت الحبيب بن المختار ولد سيد الأمين. غير أنه فقد هذين الأبوين الكريمين وهو في سن مبكرة فعاش في كنف أخواله الذين أشرفوا على تعليمه الأول فحفظ القرآن في سن مبكرة في محظرة المرابط أحمد سالم ولد الطالب محمد ،ثم شب عن الطوق بسرعة، ودخل في حياة عصامية كوّن فيها نفسَه بنفسه. بدأ هذه الحياة بطلب العلم فدرس الفقه على يد الفقيه محمد المصطفى ولد أعلمب طالب من تلامذة المرابط محمد لمين ولد أحمد زيدان في ضواحي مدينة كرو، ثم انتقل إلى محظرة أهل ديدي غير بعيد وسمع دروس عميدها في ذلك الوقت المرحوم الصحه ولد ديدي ثم أفاد من الفقيهين السيد ولد محمد الناجم والإمام ولد المانه في الفقه وعلوم اللغة.
  • ولأن الفتى سمع من أخبار أبيه أنه كان ذا مال وعلى جانب كبير من العلم فقد حز في نفسه الا يسير سيرته فبعد أن حصل ما يليق بأمثاله من العلم، بدأ رحلته التي لم تطل في البحث عن الغنى فمارس التجارة في جنوب البلاد وزارت قدماه السنغال، وبسرعة حصل ثروة طائلة من النَّعم والعقار وعرف التقري في الكثير من قرى ولاية لعصابه والتمدن أخيرا في مدينة كيفه عاصمة الولاية، فابتنى منزله الشهير في مشروعه الرحب في حي السعادة في الناحية الشمالية من سكطار.
  • لما بلغ المرحوم الأربعين من العمر أحس أن الشباب بدأ يأفل، وأن القلم قد اشتد، وأن الدار الآخرة هي الحيوان، فولى وجهه ملبيا شطر البيت الحرام فأتم حجه وعمرته صحبة بعض الصلحاء من عشيرته سنة 1975 . وكأنما القي الحج في روعه ما القى، وبصره بان نعيم الحياة الدنيا إلى زوال، وأن زهرتها إلى ذبول، وأن نَعَمَها وعقارها لا يغنيان عن صاحبهما من الله شيئا إلا إذا وجههما الوجهة السليمة ،وتزود منهما ليوم الرحيل، فأطلق يده فيما جمعه من مال وأخذ في الإنفاق على ذوي القربى والمساكين والجار الجنب فكان يمنح حلائب النّعَم ويهبها لكل هؤلاء. وكان يفعل مثل ذلك بثمار ما امتلكه من عقار النخيل في مختلف وديان وواحات لعصابه فكان يصر على أن توزع ثماره على المحتاجين وألا يباع منها بُسرٌ ولا ناضج. ثم شرع في حفر الآبار حول الواحات وفي أماكن الرعي بمختلف أرجاء ولاية لعصابه انتفاعا بها، ومساعدة للناس، وصدقة أخرى جارية من بعده . وتقول أسرته إن الآبار التي حفرها وصل عددها إلى ثلاث عشرة بئرا .
  • ولم تقف مواعظ الحج لدى الشيخ عند الزهد في الدنيا والإنفاق منها في سبيل الآخرة، بل ولدت في قلبه جذوة التصوف والإيمان الخالص فإذا هو يلهج بذكر الله ويسعى جاهدا إلى معانقة الحقيقة فمنّ الله به على حضرة أشياخنا آل الشيخ أحمد أبي المعالي في موطنها المحروس ب"أكرج "، ومنَّ بها عليه، فأخذ الورد القادري عن أشياخها وصحب متصوفتها وعلماءها ومريديها وشُيع منها ( اوصيفط) بالمعنى الصوفي وقد حاز لقب الشيخ المختار السالم. وهنا التقت روحه بروح الوالد مريدِ الحضرة من أيام الشباب نضّر الله أيامَه ومدّ فيها، فسرحا معا في رياض التصوف ونكبا عن شراك الحياة وأزهارها الفانية وغابا في طلب الحقيقة ، يقول الوالد :
  • إلى حضرة الكون المقدس قد سعى فؤاد المحب الشاكر الحب وأندعى
  • وغبنا فشاهدنا الأمور حقيقة فأترع منا القلب خوفا ومطمعا
  • رزق المرحوم من البنات أكثر مما رزق من البنين. وتشهد هؤلاء البنات بنبرات فيها الكثير من الصدق، كما تشهد أمهن الكريمة النينه منت اللالي بأنه أحسن تربيتهن وتعليمهن وكفالتهن إلى أن زوجهن جميعا من علية القوم من أبناء عمومتهن. جاء في حديث جابر الذي أخرجه البخاري وأحمد :( من كان له ثلاث بنات يُؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل من القوم: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين).
  • كان آخر مجلس لي بالفقيد سنة 2010 عندما كنت أعد محاضرة عن المقاومة بمناسبة الذكرى الخمسين لعيد الاستقلال الوطني فاستشكلت جوانب من حياة أبناء مايابا، أبناء عمومته وأبناء أختنا عاتكة بنت أحمد منين فألهمت الرجوعَ إليه لأستفتيه في الأمر . ولشدما كانت غبطتي عندما ظفرت بالخبير المدقق بأخبار القوم وهجرتهم ومقاومتهم في لعصابه وتكانت وآدرار وأخبارهم بعد الهجرة في المغرب والسعودية والأردن وغيرها. وأذكر أنني بعد ظفري بمطّلبي حادثته في أخبار هجرة هؤلاء العلماء الأفذاذ والمجاهدين البررة بعد مقاومتهم للاستعمار ، وسألته ألم يكن حريا بهم ألا يهاجروا وأن يبقوا في بلادهم يدافعون عنها فإن ماتوا ماتوا شهداء وإن كتب لهم النصر فنعمى ما هي ؟ فأجابني مبتسما : زمانهم غير زمانكم ، وقلوب الشناقطة جميعا في ذلك الزمن بها حنين أبدي إلى الحج وإلى الديار المقدسة، وقد هاجر القوم حاجين لا متولين عن زحف، ولا إمام يومها في تلك البلاد يؤم الزحف ،وختم بما معناه عدم الخوض فيما بدر من سلفنا الصالح في ذلك العهد، وبما قال الغزالي لمحاوريه:
  • فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
  • وأذكر أنه كان يستمع بإمعان إلى بضاعتي المزجاة من الأخبار فيحذف منها ويبقي وأن كلمات التصوف ومعانيه كانت تنثال على لسانه طوال الحديث بلا انقطاع.
  • وذكرت لي بنات المرحوم أنه كان قارئا نهما وأن خلصاءه من أهل العلم والثقافة كانوا يهدونه كل ما أصدروا أو أخرجوا من الكتب، وأنه كان يقبل على الكتاب المهدى إليه فلا يبرحه حتى يقرأه من الدفة إلى الدفة، وأنه كان ينسى أثناء تلك القراءة كل همومه اليومية حتى يتم قراءة الكتاب. . وقد ترك في غرفة نومه مكتبة كبيرة كان يعتني بها كل العناية ضمت بعض الأمهات كالقرطبي والطبري وزاد المسلم والصاوي وإحياء علوم الدين للغزالي مما ينضح بصلاته بالتصوف .
  • وقد رثى الوالد، متعنا الله به، صديقه وخليله بالقصيدة التالية :
  • هو الموت لا تسأل به كيف روعا
  • ولا كيف أودى بالرجال وفجّعا
  • ولا كيف يختار الكرام وينتقي
  • ذوائب أهل الفضل والدين مسرعا
  • مضى السيد المختار والسالم الفتى
  • حبيبُ المعالي والفضائل أجمعا
  • مضى للقاء الله ما شاء مكرما
  • وخلف أرض الناس فيفاء بلقعا
  • وما كان إلا الكهفَ للدين والندى
  • وبيضَ الأيادي والجدار الممنَّعا
  • وما كان إلا للمساكين ملجأ
  • وما كان إلا للأرامل مرتعا
  • وما كان إلا سيدا ساد قومَه
  • عظيم المزايا بالمكارم مُولعا
  • تملك في الدنيا فألفاها مطية
  • إلى الله فاستنجى منها وتورعا
  • تصوف يبغي صفوة الدين والتقى
  • وكان لأهل الحب في الله مرجعا
  • فيا حضرة الأنوار هذي مصيبة
  • أصابت مريدا واصلا متضلعا
  • فقدنا بفقد الشيخ كل مودة
  • وخير جوار بالجناب ومربعا
  • أواصر قربانا وموطن ودنا
  • ومن يبتغي فينا الحبيب المشيَّعا
  • إلهي أتاك الحِبُّ عبدا موحدا
  • فاتحفه بالجنات ممشى ومضجعا
  • وعل له فيها المقام تكرما
  • وقيض له فيها الأنيس الممتّعا
  • فقد كان يخشى فيك كل صغيرة
  • وكان إلى مرضاة وجهك مسرعا
  • واسبغ على الأبناء والدار بعده
  • عظيمَ نعيم يترك العز أرفعا .
  • رحم الله محبنا وحبيبنا الفقيد الشيخ المختار السالم ولد عبدي فقد كان رجل دنيا وآخرة،تعلم العلم لوجه الله، وجمع المال من حله وأنفقه في حله ، كفل البنات، وبر الزوج ،ووصل الرحم، وحفظ الجار، وواسى الفقراء والمساكين . فإلى روحه أهدي هذا التأبين عله يفي ببعض ما له علي .
  • كتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد ابراهيم بن الداه بن سيدي الأمين بن أحمد سقاهم الله من حوض نبيه الأمجد ، كيفه في 25/07/2015./

  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2015-07-26 21:52:52
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article11112.html