كيفه: حي القديمة المنسي !!؟
وكالة كيفة للأنباء

تهتمّ كثير من الدول بمدنها القديمة، و تحافظ على ما تبقّى منها من أطلال و آثار، و تهتم كثير من هذه المدن بأحيائها القديمة و العتيقة حفاظا على تاريخها و تراثها من باب أن "مَنْ لا ماضي له لا حاضر له، و من لا حاضر له لا مستقبل له".

و في هذا الإطار فإنه -و رغم احتفال كيفة بمئويتها قبل سنوات- إلا أنها لم تشهد ترميما لأيٍّ من البنايات القديمة التي كانت اللّبِنَة الأولى لتأسيس المدينة و المصدر الأول للخدمات (مثل المدرسة ١ المتهالكة، و قصر العدالة الخَرِب..) كما أن حيّ القديمة الذي كان ذات يوم مركزا تجاريا و اقتصاديا و نقطة تلاقٍ عرقي و اجتماعي أصبح اليوم مهجورا و وَكْرا للأشباح.

القديمة مأرز الحرية و المساواة:

منذ تأسيس مدينة كيفة سنة ١٩٠٥ م و بِحُكْم موقعها الاستراتيجي الواقع بين ولايات تكانت و لبراكنة و الحوضين و غورغول و غيدي ماغه فإنها أصبحت مركزا إداريا و سياسيا و اقتصاديا في شبه المنطقة، و هو ما جعلها مركزاً جالبا للأفراد و الأُسَر و مهوى أفئدة الباحثين عن الحرية و الانعتاق.

و في مجتمع كان العبيد يعانون فيه من الظلم و سوء المعاملة ، بل عانى فيه بعض الأحرار و "الشرفاء" من ظلمِ و طغيانِ بعض شيوخ القبائل فإن البحث عن مكانٍ للحرية بات من الضرورات التي لا يمكن العيش بدونها، و هو ما أدّى ببعضهم إلى الفرار نحو المدينة و الانخراط في المجتمع الجديد "مجتمع جامبور".

و كلمة "جامبور" عبارة وُلفية مكوّنَة من كلمتين هما: "ديام" و تعني العبد، و "بور" و تعني السيد أو الْمَلِك، و دلالتها: أن من يُوصَف بها أصبح "عبدا آبقا" قاطعا لكل الروابط بينه و بين أسياده السابقين، و فارًّا منهم و متمردا على الظلم و الاستعباد.

و قد كان غير العبيد من الأحرار المستعبَدين و المضطهدين مِن طرف أقاربهم و من بعض شيوخ القبائل يفرّون إلى المدينة ل"يفسَخوا كتاب" الولاء مع هؤلاء كي يتحرروا من الغرامات و "العُشرات" و الظلم و الإهانة، تماما كما كان العبيد في الجنوب الأمريكي يفرّون باتجاه الضفة الشمالية لنهر أوهايو كي يصبحوا أحرارا بشكل تلقائي !

و قد وَجَدَ الجميع ضالّتهم في الزعيم يِبَّ سيلا و ابنه التيجاني -رحمهما الله- حيث وفّرا لهم الحماية و الحرّيّة و الكرامة؛ فعاشوا بسلام و اطمئنان في "قديمة جامبور" التي مثّلت -حينها- الانعتاق و التحرّر لكل مظلوم و مضطهد.

أطلال القديمة:

١- الجامع العتيق:

كانت القديمة -كما ذكرتُ- النواة الأولى للمدينة، و كانت المركز التجاري -البعيد نسبيا عن الحي الإداري-، و كان "الجامع العتيق" رمزا من رموز المدينة و مركز إشعاع حضاري و ثقافي في المدينة، و كان إمام الجامع العلامة: محمد عبدَ الله ولد ابّ-رحمه الله- صدّاعا بالحق قائلا به، لا يخافُ من وال و لا حاكم، و قد أسمع كثيرا من الوُلاة "الأقوياء" -و منهم الوالي محمد ولد ابّيليل- رئيس البرلمان الحالي- ما لم يُقَل بعده!

و قبل سنوات أوشكتْ بناية المسجد على الانهيار، فطلب وجهاء المدينة و منهم الوالد: سقيرو ولد السالك من الرئيس عزيز بناء المسجد فاستجاب لذلك، و تم بناؤه على نصف مساحته الأصلية دون إضافة مرافق أو سكن للإمام أو الطلاب (الصورة ١ التقطتها في أغسطس ٢٠١٠ أثناء بناء المسجد).

٢-مركز العدالة:

لقد أصبح مركز العدالة القديم خربا، و لم يتم ترميمه و لا الحفاظ على ما تبقى من أطلاله و لا حتى تسييجه و عزله عن المارّة، و لم تتم حمايته حتى من جعله مركزا لرَمي القمامة و الأوساخ (الصورة ٢- التقطتها في أغسطس الماضي).

المدرسة رقم 1

سوق القديمة :

٣-سوق القديمة:

لقد أصبح السوق مهجورا، و قد احترق ذات مرة فأصبح رمادا تذروه الرياح، و قدمّ بناء بعض الحوانيت الجديدة مكان تلك القديمة المحترقة إلا أن السوق لم يزدهر، و بقيت أبوابه موصَدة (الصورة ٣، و على يسار الصورة تظهر عمارة أو "سمعت ابّ طالب" التي كانت معلَما بارزا و قيمة كبيرة في تاريخ المدينة!).

٤- المدرسة ١:

رغم أن القديمة تحتضن مدرسة ابتدائية واحدة ( المدرسة رقم ٤ الواقعة شمال السوق) إلا أن المدرسة رقم ١ تُعتَبَر الأقدم في المدينة (تأسست سنة ١٩٤٦م) و هي تقع عند تقاطع الحدود الشمالية لحي القديمة و الحي الإداري ، و لم تَسْلم هذه المدرسة من عاديات الزمن، كما لم يتم ترميمها و لا الاعتناء بها رغم أهميتها التاريخية و كثرة من درس فيها من الأعلام و المشاهير (الصورة ٤).

كما أن حي القديمة بُنيَت فيه -حديثا- الإعدادية رقم ٤: (في المقر السابق للمعهد السلفي الذي أسسه الدكتور : محمد ولد محمد أحيد ولد ماديك - رحمه الله-)جنوب مقر سرية الدرك و الملعب القديم ، لكنها لم تُبْنَ بالمواصفات الحديثة ، و لم تكن قاعاتها الدراسية كثيرة و لا كبيرة نظرا لضيق المكان الذي بُنِيَت فيه؛ و كل ما سَبَقَ يدل على إهمال و نسيان معالم القديمة، و هو إهمال تجاوز الحجر إلى البشر!!

التمثيل السياسي و الاقتصادي الناقص للقديمة:

ظلّ أهل القديمة يشكّلون جزءا هاما من مدينة كيفة على مختلف المستويات و الأحداث؛ و ذلك لما تتمتع به القديمة من كمٍّ بشري معتَبر في الانتخابات و من قيادات وطنية هامة تحرّك هذه الجموع البشرية.

يقول مؤرخ الولاية و البلاد -مؤلف كتاب : موريتانيا عبر العصور الأستاذ إسلمُ ولد محمد الهادي -رحمه الله- (في طلعة مشهورة من أدب "انتخابات ١٩٩٤ "): مذكّرا بقيمة القديمة و أهلها:

و القديمة مَ ڭَـطْ اتلات *** تِمْشِ، و ابْـڭَ رَدّاد اخبارْ و القديمة كان اتوَلاَتْ *** يَعْطِ للمتْعَيَّن لِعْوَار!

رغم ذلك فلم يتمّ انتخاب عمدة و لا نائب و لا شيخ من أهل القديمة -منذ انتخاب ميشل فرجز -رحمه الله- كأول عمدة للمدينة سنة ١٩٨٦ م- و لعل اللّوم في ذلك عائد إلى الحزب الحاكم؛ ذلك أن المعارضة رَشّحت أهل القديمة أكثر من مرة، و من ذلك ما حصل في الانتخابات الأخيرة حيث رشّح حزب تواصل السيدة: مريم دافيد -و قد كتبتُ مقالا بعنوان : "لما ذا مريم دافيد؟" ردًّا على بيان رابطة الأئمة في لعصابة حول ترشيحها و دعم منافسها العمدة الحالي الأستاذ : امّينْ ولد سيد ابراهيم ولد ابّ هذا رابطه -: http://www.kiffainfo.net/article517...

و قد تعهّد الحزب الحاكم في أغسطس ٢٠١٣ لأهل القديمة بترشيح أحد أبنائهم، و طلب منهم تقديم أسماء يختار الحزب أحدها، و قد قدّموا لائحة بخمسة أشخاص هم السادة:

١-جارُنا ، و والدُنا ضابط الجمارك المتقاعد: أحمد ولد ابّييو

٢-الطالب مصطفى جارا

٣-سيدي كامارا

٤-يوسف سيلا

٥-صمبا ديكو

و مع ذلك فلم يتم ترشيح أيٍّ من هؤلاء، بل تم ترشيح العمدة الحالي -وفّقه الله لأداء واجباته- بسبب ما قيل إنها ضغوط و تعليمات من الوزير الأول السابق الدكتور مولاي ولد محمد لقظف.

أما على المستوى الاقتصادي فإن القديمة تعاني من الإهمال و النسيان؛ فلا توجَدُ بها مشاريع تجارية أو اقتصادية أو زراعية مُدرّةٌ للدخل، و هي ثغرة حاولت منظمات التنصير "الخيرية" الولوج منها لإفساد أخلاق و دين أهل القديمة المعروفين بالتديّن و عمارة المساجد و فعل الخيرات. كما أنه لا يوجَدُ في القديمة رجال أعمال، و هو ما يتطلب من الدولة العمل على تحقيق "تمييز إيجابي" يمكّن أهل القديمة - و بقية إخوتنا من الحراطين في كافة أرجاء الوطن -من القضاء على الفقر و الحصول على مصادر دخل مستقرة و مستقلة تكفل لهم حياة كريمة.

و كما كانت القديمة و "جامبور" -تاريخيا- رمزا للانعتاق و الحرية و الكرامة فيجب أن يكونا -اليوم- كذلك رمزا للعدالة الاجتماعية و تحقيق العيش الكريم و العدالة في توزيع الثروة و المناصب لكل أبناء المدينة و ساكنتها، بل و لكل أرجاء و أبناء الوطن ، و هو هدف نأمل أن يتحقق قريبا، و ما ذلك على الله بعزيز، و هو المستَعان على تحقيق ذلك، و عليه التكلان.

...

عبد القادر ولد الصيام لوكالة كيفه للأنباء


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2019-12-28 07:25:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article21046.html