الوحدة والوطنية ضمان الوحدة الوطنية(رأي )

من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم . فالاهتمام بمسالة الوحدة الوطنية يدخل في نطاق الاهتمام بالأمور العامة من حيث الدفاع عنها والحفاظ عليها والالتزام بمقتضياتها بصفة دائمة , غير انه يوجد اليوم من السياسيين والحقوقيين والأحزاب والمنظمات الوطنية والدولية من تجد في خطابه وتلمس في ممارسته نوعا من الخوف والقلق على مسالة الوحدة الوطنية يبعث حقا على الخوف والقلق على الوحدة وعلى الوطنية لأنه يصل حد الإفراط والتكلف والاستفزاز الذي يجعل المواطن اليقظ يشك فعلا في دوافع وأهداف هذا الحماس الجامح.

إن القبلية والجهوية والطبقية والإرث الانسانى كلها جراحات في جسم الدولة الفتية كانت ستندمل بفعل الدفاعات الذاتية لو أخذت وقتها الكافي وسلمت من العقاقير الفاسدة ومن الجراحين الذين يبحثون عن الجراح لينكئوها لا ليضمدوها. إن الوحدة والألفة والسلم الاجتماعي لا تتحقق بالعمليات الجراحية القيصرية ولا بزيادة اللهب تحت مرجل التحولات المجتمعية, الأولى قد تعطى مولودا مشوها والثانية طعاما متفحما.

يذكرني سلوك بعض من يزعمون أنهم يدافعون عن ضحايا الاسترقاق والإرث الانسانى بالأسرة التي أمسكت بلص متسلل في جنح الظلام فلما أيقظوا أباهم طلب منهم أن يتركوا اللص ليطارده في الشارع: سارق- سارق فأزعج الجيران وأيقظ النائمين وأثار الرعب في الحي, مثل هؤلاء لا يريدون الإمساك باللص ولا للفتنة أن تبقى نائمة , لا يريدون القضاء على الرق ومخلفته إنما يريدون الإرجاف في المدينة وابتزاز المجتمع والدولة ومحاكمة التاريخ , هم يسعون إلى تجريم بعض فئات المجتمع من خلال توليد عقدة الشعور بالذنب لديهم كما يفعل الصهاينة بالمجتمع الالمانى معتمدين على منطق غريب يقول : إن كان جدك ظلم جدي فأنت ظالم وانأ مظلوم , أقول لمثل هؤلاء : تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون.

لا نريد أن نجعل من ألواننا المختلفة وجهاتنا وعشائرنا وسلمنا الطبقي التقليدي حالة استثنائية , فقد كان وما زال في العديد من دول العالم من عوامل الاختلاف ما هو أعمق بكثير مما هو عندنا ورغم ذلك فقد نجحت مجتمعات كثيرة في تجاوز عوامل الفرقة تلك عن طريق التحولات والتفاعلات الاقتصادية والاجتماعية الطبيعية وفشل البعض الأخر ممن أرادوا تسريع عملية التفاعل بإضافة المحفزات الاصطناعية غير الملائمة إن العشائرية والجهوية والتفاوت الطبقي تزول عندما تسود العدالة الاجتماعية وعندما يحل الشعور يالإنتماء إلى دولة ووطن محل الانتماءات الضيقة , ولن يتأتى ذلك إلا إذا وجد المواطن في الدولة أخاه وأمه وأباه وصاحبته وبنيه ----- وفصيلته التي تؤويه. كنت ذات مرة مع بعض أصدقاء الدراسة في إحدى الدول المغاربية نتابع وقائع مهرجان حاشد في انواكشوط ينظمه بعض المواطنين بإحدى المناسبات الانتخابية فتندر احدهم على اللوحة التي ترسمها ألوان الجمهور فقال إنها مثل ألوان الشكولاتا - - نعم , نحن قطعة من الشكولاتا هذه القطعة اللذيذة لم تنل طعمها المتميز ونكهتها الأخاذة إلا من الألوان المختلفة للعناصر المكونة لها: جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود.

إن الهشاشة والتميز الايجابي وحقوق الإنسان شعارات وعناوين بعضها غير واضح الدلالة تماما مثل التمييز الايجابي وقد أساء بعض (النشطاء) استخدامها وتنزيلها على الواقع واتخذوها مطية للصدام بين مكونات المجتمع فصوروا للمرأة وللطفل مثلا أن حقوقهم عند الرجل ولبعض فئات المجتمع أن حقوقهم عند البعض الأخر وأعطوا للهشاشة مفهوما انتقائيا ضيقا يحصرها في ضحايا مخلفات الاسترقاق والإرث الانسانى وعلى أساس هذا التنظير يعفون الدولة من وظيفتها وواجبها في صيانة الحقوق لتبقى متفرجة على الأزمات ويزينون للحكومات- تطبيقا لمبدإ التمييز الايجابي ومقاربة النوع- أن يكون الاكتتاب والتعيين والاستثمار وإسداء الخدمات على أساس المحاصصات الفئوية والنوعية الهشاشة متنوعة ومتشعبة ومتغيرة وعلى ذلك تتنوع وتتغيرالفئات والمناطق الهشة , ألا ترون معي مثلا أن قابلية بعض فئات الشباب للهجرة إلى الخارج طلبا للعمل أنها هشاشة تتعدى صاحبها لتصبح هشاشة للدولة نفسها وللمجتمع حيث تهاجر القوى الحية وتحل محلها اليد العاملة الوافدة فتكون هناك هشاشة في النمو الديمغرافى وهشاشة في الأوضاع الأمنية –وهشاشة ---- وهشاشة؟

لماذا لم نجد في أى برنامج انتخابي لأي مرشح ولا في أى سياسة حكومية من يلتفت إلى إيقاف هذا النزيف؟ إن نزيف هجرة الموريتانيين إلى الخارج يتم عبر غربال له نفاذية اختيارية تم نصبه منذو الأيام الأولى لنشأة الدولة وما زال إلى حد الساعة وخير شاهد على نتائجه المروعة طبيعة وأعداد الجاليات الموريتانية اليوم في الدول المغاربية وفى السعودية ودول الخليج وإفريقيا. هؤلاء (المهجرين) بفعل الهشاشة من وطنهم على حين غفلة منه وعدم رشد , يعيشون اليوم في أوضاع تتميز – ليس فقط بالهشاشة الاقتصادية – وإنما أيضا بالهشاشة الأمنية وهم بحاجة إلى خطة سياسية واجتماعية رشيدة تعيدهم إلى وطنهم وتعيده إليهم بدل أن نجعلهم أنصاف مواطنين باعتماد خدعة الجنسية المزدوجة. لقد أفرزت الديمقراطية على الطريقة الموريتانية والحاجة إلى أصوات الناخبين علاقة معقدة بين المرشحين والوسطاء والناخبين فمن هؤلاء الوسطاء : مسولون عرفيون , زعماء أحزاب , منظمات , جمعيات , مرجعيات , منهم من يقدم نفسه على انه من حماة ورعاة الوحدة الوطنية وان لديه القواعد الانتخابية لكنه إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط فيحمله رضاه على تكميم أفواه المواطنين وتضييع حقوقهم وتعطيل تنميتهم مقابل بعض المنافع الذاتية الآنية , كما يحمله سخطه على تأليبهم على النظام القائم وتحريضهم وربما ضد بعضهم البعض فمثل هؤلاء القوم إن رضي أفسد الوطنية وإن سخط أفسد الوحدة فكيف ينتظر ممن له مآرب في إفساد الوطنية والوحدة أن يكون راعيا وحاميا للوحدة الوطنية ؟

نختيرو ولد المجتبى


 

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.