ظاهرة تسول الأطفال ظاهرة قديمة العهد جديدة الأسلوب في بلدنا ، فقد عرفت عند طلاب المحظرة الموريتانية في المجتمعات القديمة حين كان الأهالي يزجون بأطفالهم طلبا للعلم في محاظر تقليدية تقوم بنشرالعلم والمعرفة ابتغاء مرضاة الله حيث لم يكن لتلك المحاظر من مصادر تعتمد عليها سوى ما يجود به أهالي الطلبة أو المحسنين من الجيران من طعام أو أحلوبة للغرباء من الطلبة ، وكان ذلك بالنسبة لهؤلاء درسا يستفيدون منه لتحمل مشقة الدراسية حتى يتعودوا على الكد في سبيل طلب العلم عملا بالمقولة المأثورة عند مجتمع البيظان "من طلب العلا سهر الليالي " ليتولى المجتمع المعروف بالتكافل التكفل بنفقتهم فتارة تقوم الأسر المقيمة بحي المحضرة بإرسال الطعام واللبن والكسوة للتلاميذ باعتبارهم طلاب علم لا أهل لهم إلا من يستجير بهم من المحسنين وقد يحمل الطالب إناءه فيذهب بنفسه بحثا عن الطعام ، فلم يكن ذووا الطالب يسألون عن حاله حتى يعود بإجازته من المحضرة التي كان يدرس بها باستثناء بعض الميسورين منهم ممن كانوا يصحبون أبناءهم ببقرة أو ناقة حلوبان وعند استلامه للإجازة يعوضون لشيخ المحظرة ما تيسر لهم مقابل حصول أبنهم على الإجازة .
أما الآن وبعد أن تحولت المجتمعات من مجتمعات قبلية ضيقة إلى مجتمعات حضارية اتسعت هذه الظاهرة في ظل النمو السكاني الذي عرفته المدينة أخذت الظاهرة مسارا آخر بسبب ضغط الجهل وسوء الوضع المعيشي للسكان ، فأصبح بعض الأسر يدفعون بأبنائهم للتسول باسم الظاهرة في وقت تراجعت فيه قيمة العلم وقل الاهتمام بالطلبة بعد أن تولى التدريس بالمحاضر جيل آخر من المدرسين لا يعرفون قيمة العلم ، بل جعلوا منه وسيلة للكسب عن طريق دفع الأطفال للتسول في الشوارع ليتحولوا من طالبي علم إلى طالبي رزق أي ما يعرف عندنا الآن ب " آلمدات ".
من هم " آلمودات " ؟
"آلمودو " أو " تلموذ "أو" تالبيه " لفظ يطلقه إفلان على الطالب المحضري وهي تحريف بسيط لكلمة التلميذ أي طالب المحضرة .
لم تكن الظاهرة عند هؤلاء قدحية أصلا ولا وسيلة للتسول كما هو الحال اليوم ، بل محك للطالب لتحمل متاعب الحياة في سبيل الحصول على العلم والمعرفة من جهة ومن جهة أخرى كانت خدمة اجتماعية يقوم بها الطلبة لصالح شيخهم بمباركة من أهله وبالتالي فلا غضاضة بالنسبة لأي طالب أن يقوم بها .
لكن الظروف الصعبة والمرتبطة غالبا بالفقر والتفكك الأسري والتسرب من التعليم بالإضافة إلى عدم توافر الرعاية الصحية اللازمة فضلا عن نقص المياه الصالحة للشرب وغير ذلك ، دفع جل هذه المجتمعات اليوم إلى النزوح إلى المدينة حيث من الملاحظ اكتظاظ بعض الأحواش بالمدينة بالأسر الفقيرة ممن قذفت بهم وطأة تلك الظروف القاسية بدفع أطفالهم إلى الشوارع من أجل التسول و ممارسة مجموعة من الأعمال غير الرسمية قصد توفير لقمة العيش ، مثل : الخدمة في المنازل ، وبيع السلع التافهة، والعمل في المحال العامة ، وربما ممارسة أعمال غير قانونية غالباً ما تكون الانحراف والتشرد مع أن غالبية هؤلاء الأطفال ينامون في العراء بلا أهل أو أن أهلهم تركوهم في الشارع إما لانفصال والديهم أو لضيق ذات اليد .
مسؤولية الدولة والمجتمع :
لا تقع مسؤولية ظاهرة تسول أطفال الشارع على الحكومة المتمسكة بمفاصل الدولة فحسب ، بل إنها تستدعي تحفيز المجتمع الذي قذف بهم إلى أمواج الشارع المتلاطمة التي قد تؤدي بهم إلى وحل الانحراف والجريمة للمشاركة في خلق تعاطف تجاه حقوقهم والمساهمة في حمايتهم ودمجهم اجتماعيا .
لابد من فهم ظروف هؤلاء الأطفال الأبرياء وتقصي أسباب معاناتهم من ناحية والتشديد على قدرة وإمكانية ذويهم في مواجهة الظروف الصعبة التي أدت بهم إلى هذه الظروف الخارجة طبعا عن إرادتهم من أجل عيش كريم بدل الحياة التي يعيشونها والمخاطر التي يتعرضون لها من خلال :
1- تحقيق أولي مع مدرسي آلمودات الذي يتأكد أن بعضهم هو من يدفع بتلاميذته إلى التسول ومعاقبة من يقوم بذلك منهم,
2ـ العمل الجاد على مكافحة الفقر، وتوفير فرص العمل وأسباب الاستقرار المادي لكافة أفراد المجتمع، وخاصة العوائل وأسرهم .
3 ـ دعم الأطفال الأيتام ، وإيواء فاقدي الأبوين إن لم يوجد العائل الأمين القادر على تأدية متطلبات هؤلاء الأطفال الأيتام .
4 ـ إنشاء المدارس، والاهتمام بالتعليم عموماً ، والتعليم الفني خصوصاً ، وتجريم التسرب من التعليم الأساسي والثانوي .
5 ـ إنشاء دور للرعاية المتخصصة ، ودعمها وتزويدها بالكوادر التربوية الأمينة والمتخصصة القادرة على ترويض الأطفال المارقين وإعادة تأهيلهم ، وتقديم الهدايا للنزلاء والمودعين فيها، والمساهمة في عمليات تعليمهم وتربيتهم التربية الإسلامية السليمة في هذه الدور. 6 ـ المساهمة في الحد من ظاهرة التفكك الأسري والطلاق .
7 ـ إنشاء هيئات ومؤسسات اجتماعية متخصصة ودعمها على القيام بمكافحة الظاهرة ، ومراقبة الطرق والشوارع ، وتفريغها من الأطفال المشردين عن طريق دعمهم وإيداعهم في دور رعاية متخصصة.
8 ـ البحث الدقيق وراء سبب كل حالة من حالات التشرد ، ومحاولة إيجاد الحل المناسب الذي يقضي على هذه الظاهرة ، ويمنع عودة الأطفال للشوارع مرة أخرى .
9 ـ الرقابة على دور الإيواء ، ومتابعة البرامج العلمية والتربوية التي تعتمد عليها هذه الدور في التربية السليمة ، ومتابعة ما آلت إليه سلوكيات الأطفال ، سواء أكانت هذه السلوكيات بصورة إيجابية أم بصورة سلبية، ومحاولة علاج الانتكاسات عن طريق تبادل الخبرات مع المؤسسات التربوية المحلية والعالمية.
10ـ المساهمة في صناعة الوعي الاجتماعي بمخاطر الظاهرة، وطرق استيعاب هؤلاء الأطفال ، عن طريق دعم الندوات والمؤتمرات والفعاليات ، ودعم الملصقات التنويهية لكيفية تعامل المواطنين مع أبطال هذه الظاهرة بطريقة علمية ؛ لكي لا تتفاقم أزمتهم وتزيد مشكلاتهم، ويصيروا أكثر انعزالاً وخطراً.
11 ـ العمل على دعم الجمعيات المتخصصة بكل قدراتها وإمكانياتها للحد من هذه الظاهرة ، والمساهمة في اجتثاث أسبابها.
12 ـ توجيه الدعم المباشر للأسر الفقيرة والمتعففة التي تعول أعداد كبيرة من الأطفال.